الكرة المصرية تكشف سوءات الحُكم

فضيحة اتحاد الكرة بدأت منذ عدة شهور

عمليات التجميل المستمرة والمساحيق الزاعقة التي يستخدمها نظام السيسي لتزيين صورة مصر تحت حكم العسكر، لم تفلح في ستر المشاكل والأزمات بل والفضائح التي كشفتها الكرة المصرية خلال الأيام القليلة الماضية!!

فعلى مدار التاريخ الطويل للعبة والممتد لقرن من الزمان، لم تشهد كرة القدم المصرية كوارث وفضائح وفظائع كتلك التي شهدتها في حضرة العسكر، يكفي الإشارة هنا للمجزرتين البشرتين اللتين وقعتا في ملاعب الكرة، الأولى مجزرة استاد بورسعيد وراح ضحيتها 72 مشجعا ينتمون للنادي الأهلي، والثانية مجزرة استاد الدفاع الجوي التي راح ضحيتها 21 مشجعا ينتمون لنادي الزمالك، صحيح الناس تناست الكارثتين، تعايشت معهما أولا رغبا في الحفاظ على معشوقتهم الأولى وكيفهم الوحيد (كرة القدم) ثانيا مجاراة للعسكر في الحفاظ على استقرار البلد، ثالثا اعتقادا أن نظام العسكر قادر على بناء دولة حقيقية، لكن الأخطاء والفشل والعجز كان ولابد أن يأتي له يوم لينسف كل هذه الأحلام، ويكشف كل السوءات، وهذا ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية.

الفضائح والمهازل التي تعرض لها منتخب الشباب المصري في بطولة أفريقيا لدول شمال أفريقيا، ومن بعدها فضيحة قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) استبعاد اللجنة المسؤولة عن إدارة اتحاد الكرة المصري، لم تكن إلا نتاج سريع لخيبة وفشل كبيرين للسيسي ونظامه العسكري في إدارة البلد ومن بينها الرياضة!!

المراقب للأحداث يعلم أن فضيحة اتحاد الكرة بدأت منذ عدة شهور وليست في الأيام القليلة الماضية

وطبقا للتسلسل الزمني للأحداث فالمفترض أن تكون فضائح منتخب الشباب بتونس هي السابقة لفضيحة اتحاد الكرة على اعتبار أن قرار الفيفا باستبعاد اللجنة التي كان يرأسها عمرو الجنايني وتعيين لجنة جديدة يرأسها أحمد مجاهد تم بعد انتهاء مهمة منتخب الشباب بتونس، إلا أن المراقب للأحداث يعلم أن فضيحة اتحاد الكرة بدأت منذ عدة شهور وليست في الأيام القليلة الماضية، ففضائح الاتحاد ظهرت في شهر يوليو تموز الماضي عندما بدأت الحكومة المصرية لعبتها بالتنسيق مع اللجنة الأولمبية لتنفيذ خطتها بالتحايل على قرارات الفيفا الذي كان قد طلب من لجنة الجنايني وقت تعيينها في أغسطس آب من العام الماضي عقب استقالة مجلس هاني أبو ريدة على خلفية خروج المنتخب الأول من بطولة أمم أفريقيا، طلب أن يكون يوم 31 يوليو تموز الماضي هو موعد إجراء الانتخابات لاختيار مجلس إدارة جديد، هنالك بدأت خطة التحايل من جانب الحكومة المصرية التي كانت ترغب في استمرار عمرو الجنايني رئيسا للاتحاد للأبد، حيث أرسلت الحكومة المصرية عن طريق رجلها الأول في اللجنة الأولمبية ( هشام حطب رئيس اللجنة ) خطاب للفيفا تخطره فيه باستحالة إجراء الانتخابات في هذا التاريخ بدعوى أن بطولات الدوري مازالت مستمرة ومن الصعب تحديد الأندية الأعضاء بالجمعية العمومية إلا بعد انتهاء تلك المنافسات، وهو ما قبله الفيفا على مضض، لكنه وافق على مد فترة لجنة الجنايني أربعة أشهر أخرى تنتهي في 30 نوفمبرتشرين الثاني الماضي على أن يتم إجراء الانتخابات في هذا التاريخ، لكن وقبل الموعد المحدد بأسبوع واحد، أرسلت اللجنة الأولمبية مرة أخرى خطابا للفيفا تطالبه بتأجيل الانتخابات إلى ما بعد دورة الألعاب الأولمبية التي ستقام في طوكيو يونيو حزيران القادم، بدعوى أن إجراء انتخابات اتحاد الكرة قبل الدورة الأولمبية يتعارض مع قانون الرياضة المصري الذي يفرض على الأندية والاتحادات أن تجري انتخاباتها عقب كل دورة أولمبية، هنا تيقن الفيفا من مخطط التلاعب وتأكد من أن ما ترسله مصر من طلبات لتأجيل الانتخابات كلما حان موعدها ما هو التفاف على قراره ومحاولة فرض الجنايني على الاتحاد بقوة الظروف والأمر الواقع، لأنه لو كانت الحكومة المصرية صادقة في موقفها هذا لكانت أعلنت منذ اللحظة الأولى تعارض إجراء الانتخابات مع القانون، لكنها لم تفعل حيث كان مبررها الأول للتأجيل هو الانتظار لحين انتهاء المسابقات، ومع أن الفيفا لم يوافق على هذا الخطاب، إلا أنه قرر مد فترة وجود الجنايني شهرين أخرين حتى 31 يناير كانون الأول المقبل على أن تجرى الانتخابات في هذا الموعد. هنا سقط في يد الحكومة المصرية وتبين لها أن الفيفا لم ييأس من طلب إجراء الانتخابات، لتقرر مصر الدفع بالكارت الأخير وهو كارت وباء كورونا واستخدامه في التلويح بأن استمرار الوباء قد يتسبب في كارثة إنسانية في حال انعقاد الجمعية العمومية لاتحاد الكرة والتي سيحضرها 225 فردا فقط يمثلون الأندية الأعضاء، ولمزيد من الحبكة تم إصدار قرار من مجلس الوزراء يقضي بمنع انعقاد أي جمعية عمومية لأي هيئة في مصر خلال تلك الفترة بداعي الحرص على سلامة الناس من الوباء، نسي مجلس الوزراء أنه قبل أيام قلائل من صدور هذا القرار الإنساني شريف الغرض، أن انتخابات برلمانية جرت كان المفروض أن يشارك فيها قرابة الستين مليون مواطن يحق لها الانتخاب!!

المهم أن اللجنة الأولمبية أخذت صورة من قرار مجلس الوزراء وأرسلته للفيفا تبلغه باستحالة إجراء انتخابات اتحاد الكرة في الموعد المذكور 31 يناير كانون الثاني بداعي صدور هذا القرار من رئيس الحكومة، وبهدف الحفاظ على أرواح الناس! هنا نفذ صبر الفيفا وقرر استخدام سلطاته بعزل لجنة الجنايني وتعيين لجنة أخرى تكون مهمتها الدعوة للانتخابات في الموعد سالف الذكر، وبالرغم من المقاومة المستميتة التي كانت عليها الحكومة المصرية واللجنة الأولمبية في الأيام السابقة لقرار الفيفا الجديد، إلا أنهم انصاعوا إليه فورا للقرار وبلعوا في صمت فضيحتهم المدوية، الفضيحة لم تكن في مجرد إهانة الكرة المصرية من قبل الفيفا، وإنما في إهانة الدولة المصرية متمثلة في حكومتها التي تلقت هزيمة مهينة!!

فللمرة الأولى في تاريخ رحلات المنتخبات الخارجية تسافر بعثة بدون وجود طبيب للفريق

ما حدث لمنتخب الشباب المصري في بطولة أفريقيا لدول شمال أفريقيا، كشف بجلاء عن حجم المأساة التي تعيشها كرة القدم المصرية في تلك الفترة، فلم يكن تفشي مرض كورونا بين صفوف اللاعبين والجهاز الفني للدرجة التي جعلت الفريق عاجزا عن إيجاد 15 لاعبا يخوض بهم المباريات من بين 28 لاعبا ضمتهم البعثة، إلا قطرة في بحر المهازل والفضائح التي كشفت عنها تلك الرحلة، فللمرة الأولى في تاريخ رحلات المنتخبات الخارجية تسافر بعثة بدون وجود طبيب للفريق يستطيع أن يكتشف مبكرا المرض بين اللاعبين قبل أن يستشري بينهم ويصل للحد الذي يصيب أكثر من نصف اللاعبين ومعهم مديرهم الفني ربيع ياسين والذي عاد إلى القاهرة مبكرا قبل البعثة بعد أن اشتد عليه المرض، بل الأفدح من ذلك هو أن  البعثة سافرت بدون رئيس لها وهي سابقة أولى أيضا، وقد ترتب على ذلك فضيحة أكبر وأسوأ وقعت عندما احتاجت البعثة لدعم مالي بعد أن استنفذ طاقمها الإداري عهدته المالية بإنفاقها على مصروف جيب اللاعبين والجهاز الفني والنثريات، وكانت الحاجة للإمداد ماسة جدا لتغطية نفقات عمل مسحات جديدة لكورونا يجريها اللاعبون على نفقة المنتخب بعد أن جاءت نتائج المسحات التي أجرتها اللجنة المنظمة للبطولة إيجابية للغالبية بما لا يمكن الفريق من خوض المباريات، وبالفعل وافق الاتحاد المصري على الطلب وقرر إرسال مبلغ عشرة ألاف دولار، لكنه ضاقت به السبل في كيفية إيصال  المبلغ للبعثة، حيث لم يجد  مسؤولو الاتحاد أمامهم سوى طريقة واحدة وهي الاتصال باللاعب التونسي فرجاني ساسي المحترف بنادي الزمالك وإبلاغه أن الاتحاد يريد إيصال مبلغ عشرة ألاف دولار لمنتخب الشباب المتواجد بتونس، وعرض مسؤولو الاتحاد على اللاعب التونسي أن يعطيه في القاهرة المبلغ على أن يقوم أحد معارف اللاعب أو أقاربه بتونس بإيصال نفس المبلغ للمنتخب المصري هناك، سلم وتسلم!! وهو ما تم بالفعل عن طريق شقيق فرجاني.

دعك من أن الذي فعل ذلك هو الاتحاد الذي يدير ويحكم ألاف اللاعبين في مصر ويفترض أن يحتفظ بمكانته وهيبته أمام جميعهم وألا يبدو أمام واحد منهم أنه في حاجة إلى خدماته فيسيدها ومن ثم يصبح هذا اللاعب صاحب فضل عليه ينتظر رده في مباراة يحتاج فيها الفوز أو عقوبة يريد إلغاءها، دعك من هذا، فانظر إلى الطريقة نفسها التي تنافي ألف باء الإجراءات المحاسبية المعمول بها في المؤسسات التي يفترض أنها تخضع لأجهزة رقابية شديدة الصرامة، لأن من المؤكد أن المبلغ لم يخرج من خزينة الاتحاد بإيصال دفع، لأن الدفع يقتضي مدفوعا إليه، كما أن تسليم المبلغ للاعب التونسي يتطلب توقيعه على إيصال استلام، ولو افترضنا أنه قبل ووقع على إيصال، فتحت أي بند يدخل هذا الإيصال مستندات الاتحاد؟!! والغريب أن يفعل اتحاد الكرة والذي كان على رأسه في ذلك الوقت أحد أبرز وأشهر رجال البنوك وهو عمرو الجنايني الذي يشغل منصبا كبيرا في بنك CIB، يفترض فيه أنه على علم ودراية كبيرين بالتطور المذهل الذي حدث في شركات تحويل الأموال، تلك الشركات التي لديها قدرة على إرسال الأموال لأي مكان في العالم في غمضة عين، ولو أنه أرسل هذا المبلغ عن طريق إحدى هذه الشركات لكان أسرع وأفضل وأصح من تلك الطريقة البلدي التي فعلها مع فرجاني ساسي!!

الخلاصة أن هذا هو الحال الذي وصلت إليه كرة القدم المصرية في عهد السيسي وعسكره!