لماذا لم نهزم السرطان؟

 

 

يطرح هذا السؤال بشكل متواصل في وسائل الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضا في عيادات الأطباء: لماذا لم يتمكن العلم من هزيمة مرض السرطان؟ ولكن الجواب المفاجئ هو أننا هزمنا السرطان بالفعل!

حقق الطب قفزات كبرى في فهم السرطان وتشخيصه وعلاجه، وزيادة عمر حياة المصابين بالعديد من أنواعه، وأيضا تحسين نوعية حياتهم.

السرطان مرض يحدث نتيجة طفرة في المادة الوراثية في الخلية، وهو يؤدي إلى نمو الخلايا وتكاثرها بشكل غير طبيعي ولا يمكن السيطرة عليه في أجزاء معينة من الجسم. وقد يبدأ في جزء من الجسم ثم ينتشر إلى مناطق أخرى.

وفي السابق -قبل مئات السنين- كان الشخص يصاب ويموت بالسرطان من دون أن يعرف أحد، كل ما يظهر كان أن الشخص يصاب بالتعب فجأة ويعيش أياما أو أسابيع قبل أن يموت. أما اليوم فأصبح العلم قادرا على معرفة الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالسرطان نتيجة الجينات أو البيئة، وأصبح بالإمكان عمل تدابير حتى قبل الإصابة بالسرطان.

فمثلا نعرف حاليا أن هناك ما يسمى بطفرات جين (BRCA) والتي تحدث في نوعين من الجينات: جين (BRCA1) و(BRCA2)، والتي تؤدي إلى زيادة احتمال الإصابة بسرطان الثدي أو المبيض، كما أن العلاج يكون صعبا، ولذلك يتم نصح النساء اللواتي يحملن هذه الطفرة بإجراء استئصال للثديين والمبيضين بشكل وقائي قبل ظهور السرطان.

وهذه الجراحة أجريت للممثلة الأمريكيةأنجلينا جولي، والتي خضعت لاستئصال المبيضين لتجنب خطر الإصابة بسرطان المبيض الذي أودى بحياة والدتها الممثلة مارشلين برتراند عن 56 عاما، وأيضا خضعت لاستئصال ثدييها.

ثاني سبب

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فإن السرطان ثاني سبب رئيسي للوفاة في العالم وقد حصد في العام 2015 أرواح 8.8 مليون شخص، وتُعزى إليه وفاة واحدة تقريباً من أصل 6 وفيات على صعيد العالم.

ويحدث ثلث وفيات السرطان تقريبا بسبب عوامل ارتفاع معامل كتلة الجسم وعدم تناول الفواكه والخضر بشكل كاف وقلّة النشاط البدني وتعاطي التبغ والكحول. ويمثّل تعاطي التبغ أهم عوامل الخطر المرتبطة بالسرطان، وهو المسؤول عن ما يقارب 22% من وفيات السرطان وفقا لمنظمة الصحة.

وحاليا فإن الكثيرين من مرضى السرطان الذين يتم تشخيصهم مبكرا، يتعافون من المرض ويعودون لحياتهم الطبيعية، ومنذ بضعة عقود فقط (في سبعينيات القرن الماضي) كان شخص واحد من كل اثنين يصابان بالسرطان يعيش لخمس سنوات بعد تشخيصه، الآن ارتفعت النسبة إلى أكثر من شخصين لكل ثلاثة مصابين بالسرطان، وعلى سبيل المثال حاليا يوجد اليوم أكثر من 14 مليون ناجٍ من السرطان في الولايات المتحدة وحدها.

هذا أدى إلى ان الأبحاث أصبحت تركز حاليا ليس فقط على علاج السرطان، بل على جوانب أخرى مثل جودة الحياة والنتائج طويلة الأجل للأشخاص الناجين من السرطان، والتحديات العاطفية والاجتماعية التي يواجهونها مثل التمييز من قبل أصحاب العمل أو تغييرات العلاقات.

كان السرطان ذات مرة كلمة يخشى الناس “نطقها”، ونادرا ما يعترف الشخص بأنه كان مصابا بالسرطان، أما اليوم فالعديد من المشاهير يتحدثون ويناقشون تجاربهم في مجال السرطان. ولهذا فإن إن الرأي القائل بأن السرطان لا يمكن علاجه والمخاوف المرتبطة به، يتغير.

وفي السنوات الأخيرة تم إحراز تقدم ملحوظ نحو فهم السمات المميزة لتطور السرطان وعلاجه، وتشمل المعالجات على العلاج الإشعاعي والجراحة والعلاج الكيميائي والعلاج المناعي والعلاج الهرموني.

ومن التطورات في علاج السرطان استخدام العلاج المستهدف، وهو علاج يعمل من خلال استهداف جينات السرطان أو البروتينات أو بيئة الأنسجة التي تساهم في نمو السرطان وبقائه.

وشهدت السنوات القليلة الماضية تطورات كبيرة، مثل:

1- استخدام العلاج المستهدف (تراستوزوماب) في علاج سرطان الثدي.

2- استخدام الأجسام المضادة (ريتوكسيماب) في علاج ورم الغدد اللمفاوية.

3- استخدام العلاجات المستهدفة في سرطان خلايا الكبد وسرطان الخلايا الكلوية.

4- استخدام العلاجات المستهدفة لتحسين معدلات البقاء على قيد الحياة في سرطانات مثل سرطان القولون وسرطانات الرأس والعنق وسرطان البنكرياس.

وحاليا هناك سرطانات يعيش 98% إلى 100% ممن يصابون بها 5 سنوات بعد التشخيص، وذلك عند تشخيصها مبكرا، مثل سرطان الثدي وسرطان البروستات وسرطان الخصية وسرطان الغدة الدرقية.

كما أن هناك ارتفاعا في هذه النسبة في أنواع أخرى من السرطان مثل سرطان الجلد 91.7 ٪. وأيضا هناك انخفاض كبير في معدل الوفيات بسرطانات مثل سرطان القولون والمستقيم وعنق الرحم.

التقدم في الوقاية

تم تسجيل تقدم كبير في الوقاية من السرطان، حيث أدت الحملات المستمرة لمكافحة التبغ إلى انخفاض التدخين في عدة مناطق في العالم، وأيضا تم التركيز على تعديلات نمط الحياة مثل النظام الغذائي المتوازن وممارسة التمارين الرياضية ومحاربة السمنة، وهي عوامل تلعب دورا في بعض أنواع السرطانات.

كما تم تطوير لقاحين للوقاية من السرطان: لقاح التهاب الكبد B ضد سرطان الخلايا الكبدية، ولقاح فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) ضد سرطان عنق الرحم. وهذه الاستراتيجيات للوقاية الأولية تلعب دورا مهما في الوقاية من السرطان وخفض معدلاته.

كما تم استخدام أدوية للوقاية من السرطان عبر ما يسمى بـ “الوقاية الكيميائية”، مثل عقار تاموكسيفين، لمنع تكرار الإصابة لدى الناجيات من سرطان الثدي. وأيضا استخدمت أدوية أخرى ضد سرطان البروستات وللوقاية من سرطان القولون والمستقيم.

صحيح أن هناك أنواع من السرطانات ما زالت تشكل تحديا كبيرا مثل سرطان الرئة، إلا أن الأطباء والباحثين يعملون على الوصل لعلاجات أفضل لها.

ليست جميع أنواع السرطانات يمكن الوقاية منها عبر التغذية السليمة والرياضة والعادات الصحية، ودائما سيكون هناك نسبة من الناس يصابون بالمرض. ولكن عبر التوعية والتشخيص المبكر والعلاجات المتقدمة، يمكننا تقديم أفضل علاج للمرض وتوفير أفضل احتماليات التعافي.

السرطان كان موجودا منذ بدء وجود الإنسان وسيبقى، ولكن الإنسان عبر العلم حوله من حكم بالإعدام إلى مرض قابل للشفاء. وهناك حاليا عشرات ملايين من الناجين من السرطان في العالم الذين يتابعون حياتهم بشكل طبيعي.

ولذلك فإنني أقول وبكل ثقة: نعم، لقد هزمنا السرطان، ولكن المعركة مستمرة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه