فسادنا.. وفسادهم.. وفساد حسين سالم

ذكرت هيئة مناهضة الفساد في مجلس أوربا “غيركو”؛ التي تمثل 48 دولة، الإثنين 12أغسطس/آب 2019، أن دولة ألمانيا الاتحادية، لاتتخذ إجراءات كافية، في محاربة الرشوة والفساد، كما أن استجابتها لتوصيات مناهضة الفساد الصادرة منذ 2015، منخفضة للغاية بشكل كبير، وأيضًا لم تنفذ توصيات الشفافية؛ خاصة فيما يتعلق بالبرلمان الاتحادي “بوندستاغ”.

ثلاثة من ثمانية توصيات!

 حسب تقرير الهيئة “غيركو”، لم يقم أعضاء البرلمان الاتحادي، بالفصل الواضح بين نشاطاتهم كنواب، وأعمال أخري في القطاع الخاص.

وأضافت أن قواعد جديدة بشأن تعاملات النواب، مع أفراد جماعات الضغط، لم تتصد سوى بشكل جزئي لمخاوف الهيئة، ولم يتم تنفيذ توصية بشأن قواعد خاصة بالأنشطة الثانوية للقضاة، سوى في محكمتين اتحاديتين.

تابعت الهيئة، أنه لم يتم تنفيذ سوى ثلاث من أصل ثماني توصيات، صدرت عام 2015 بشكل كامل. ونتيجة لذلك، فإن ألمانيا عرضة الآن لنظام مراقبة خاص للدول، ذات مستويات الاستجابة المنخفض، وهناك 12 من الدول الأعضاء بمجموعة “غريكو”، عرضة أيضاً لنظام المراقبة ومن بينها النمسا وفرنسا والمجر وتركيا.

لم يصدر هذا الكلام، عن حزب معارض، بل “هيئة مناهضة الفساد” في مجلس أوربا، وإذا كان هذا هو حال ألمانيا، التي جاءت في مقدمة قائمة منظمة الشفافية لمحاربة الفساد، وتعد أكبر اقتصاد وطني في أوربا، وثالث اقتصاد في العالم، فما بال الدول الأخرى، وخاصة البلدان العربية!

منظمة الشفافية الدولية:

منذ العام 1995بدأت منظمة الشفافية الدولية؛ التي مقرها برلين بألمانيا، بإصدار مؤشر فساد سنوي عالمي، هو باروميتر الفساد العالمي، ودليل دافعوا الرشوة. ويعد مؤشر الفساد، بجانب مؤشر البنك الدولي للفساد، أكثر مقاييس الفساد المستخدمة، في مختلف البلدان حول العالم؛ التي يعتمد فيها على دراسات عديدة، ويُعرف هذا المؤشر بدقته البالغة، نظرًا لقيام المنظمة بعمل مسوحات، تسأل رجال الأعمال والمحللين والخبراء في كافة المجالات الاقتصادية، من داخل وخارج البلد، التي يقومون بمسحها، والمؤشر يقوم بأخذ ثلاثة مصادر متوفرة على الأقل، من أجل تقييم البلد في المؤشر، والعمل مع العديد من المؤسسات المستقلة لتزويدها بالمعلومات، والاعتماد على عدد قضايا الفساد الحقيقية فيها.

أهم ما ورد في مؤشر مدركات الفساد:

تتصدر المؤشر كل من الدنمارك ونيوزيلندا، حيث حصلتا تباعا على درجتي 88 و87، في حين احتلت الصومال وجنوب السودان وسوريا ومصر، أدنى مراتب المؤشر، حيث حصلت تباعا على 10 درجات و13 درجة.

الجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة، تراجعت أربع نقاط على المؤشر العالمي للفساد في عام 2018، لتخرج بذلك من قائمة أفضل 20 دولة لأول مرة منذ 2011، وتحتل المركز (22) برصيد (71 نقطة).

مصر تستهدف المجتمع المدني:

أما فيما يخص مصر، وبالرغم من تقدمها ثلاث نقاط في مكافحة الفساد، مقارنة بمؤشر العام الماضي، فإن التحسينات التي تمت على الأرض تظل قليلة، إذ تواجه مصر قضايا فساد خطيرة؛ وذلك لأن الحكومة المصرية، تستهدف منظمات المجتمع المدني، من خلال منع أعضائها من السفر، بالإضافة إلى اعتقال النشطاء بشكل مستمر، لنفس الأسباب التي تتعلق بفضح الفساد المستشري في الهيئات الحكومية، التابعة لرأس النظام. وكانت لجنة الرقابة الإدارية؛ هي الهيئة الرئيسية للتحقيق في قضايا الفساد بمصر، وعملت على إعادة بعض أصول الدولة، واعتمدت استراتيجية لمكافحة الفساد في غضون أربع سنوات، لكن بموجب تعديلات حكومية؛ التي أدخلها السيسي، أصبحت الهيئة تتبع رئاسة الجمهورية، بعد أن كانت مستقلة، كما تقضي التعديلات بتعيين رئيس الهيئة بقرار من السيسي وبذلك استخدمها لدعم نظامه.

حسين سالم والغاز المنهوب:

تمتاز المعاملات المالية في أوروبا وأمريكا، بمزيد من الشفافية التي يضبطها القانون، وإذا كانت هذه الشفافية لم تتوافر في العالم العربي، فإن البيانات المحفوظة في السجلات الغربية؛ لا تتكتم بشكل كامل على معلومات الشركات المؤسسة على أراضيها، وخصوصا إذا كان الحال يتعلق حول صفقات رجال الاعمال؛ الذين يعقدون صفقات مشبوهة، تعمل علي استنزاف ثروات بلدانهم، ومالها العام، لمصالحهم الخاصة، ويأتي “حسين سالم” في مصر، على رأس هذه الصفقات المسكوت عنها، وفق ما ورد في جريدة الأهرام في عدد الثلاثاء 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2011؛ أن التحويلات الخاصة “بسالم” وأسرته، قيمتها تتجاوز 24 مليار جنيه، وهناك أيضًا أصول عقارية ومالية بمصر والخارج، والإيداعات البنكية لعائلة “سالم” في الخارج، وهذا مجرد جانب من ثروة “حسين سالم” التي أمكن رصدها عند تنقلها في تحويلات بين البنوك، والتي توجد بشأنها؛ “وثائق لدى وزارة العدل وأجهزة الدولة في مصر “، وفق ما أعلنه المسؤول الرسمي المختص، بالإضافة إلى الاستيلاء على أراضي الدولة المصرية؛ بأبخس الأثمان، فإن مجموع الثروة المقدرة، التي جناها “سالم” من الاستيلاء علي أراضي الدولة، تتجاوز في أدنى التقديرات، وبأقل سعر للمتر في السوق خلال صيف 2011 مبلغ 2.7 مليار دولار، أي نحو ستة أضعاف قيمة صفقة التصالح التي عقدها مع الدولة، لتبرئة ذمته المالية، وعدم التعرض للمحاسبة، من قبل لجان الشفافية  الدولية المتعددة.

هذه الأرقام التي عرضتها مصادر رسمية ومن ملفات الحكومة ذاتها، لا يدخل فيها استثمارات “حسين سالم” في مجال البترول والغاز، وهي استثمارات بمليارات الدولارات، إذ كان يدير شبكة استثمارات ضخمة، وأسس مصفاة تكرير البترول، برأس مال قدر وقتها بـ 1.3 مليار دولار، واستحوذ من خلالها على 40 % من الأسهم، وفى عام 2007 أسس شركة “شرق المتوسط للغاز” التي صدر من خلالها الغاز لإسرائيل، لتثبت التحقيقات فيما بعد أنه تحصل من خلال هذا المشروع، على ما يقدر بنحو ملياري و3 ملايين دولار ، دون وجه حق، فقد كان يحوز نسبة 70% من أسهم الشركة عند التأسيس.

براءة اللص ضابط المخابرات:

واعتبرت الحكومة المصرية؛ أن ثروة الملياردير الشهير الذي يوصف بأنه “مفتاح” الفساد في عصر “مبارك”، تقدر بحوالي سبعة مليارات جنيه فقط، وبدأت عملية التصالح في مارس/آذار 2016، عقب قبول الحكومة بالعرض، الذي تقدم به سالم بنقل ملكية 78% من أصوله المالية، التي لا تمثل 20% من ثروته الحقيقية، نقلها إلى الحكومة مقابل السماح له بالعودة إلى مصر، دون خطر التعرض للمُحاكمة.

 وبموجب تلك التسوية تم تبرئة “سالم” من جميع التهم الموجهة إليه. توقفت الدولة بعدئذ عن ملاحقته، في الإنتربول الدولي، وتم رفع اسمه من قوائم ترقب الوصول، وأصبحت باقي ممتلكاته وثرواته المليارية، ملكية خاصة شرعية، وبموافقة النظام!

يظل “حسين سالم” ضابط المخابرات المصري، والعميل لإسرائيل، الذي لعب الدور الرئيسي، في تفريط مصر لثرواتها المليارية من الغاز الطبيعي، ببيعها بسعر بخس لإسرائيل، عبر شركة غاز “شرق المتوسط”، التي ترأسها “سالم” وبالاتفاق مع “مبارك”، وضابط المخابرات الإسرائيلي “يوسي مايمان”، والتي أضاعت على مصر، ثرواتها من الغاز الطبيعي، لعدة عقود قادمة. 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه