السلطة الفعلية في الجزائر تغرق البلاد في أسوأ مما ادعت التحذير منه

 

بحلول الساعة صفر من يوم الأربعاء العاشر من يوليو (تموز)، انقضت مدة تولي عبد القادر بن صالح منصب رئاسة الدولة المحددة بتسعين يوما حسب نص المادة 102 من الدستور.. ووفقا للمادة نفسها تكون البلاد دخلت أزمة سياسية متعددة الأبعاد أي وقعت في أتون فراغ دستوري، وأزمة شرعية، وإشكال قانوني. والفضل في كل ذلك يعود إلى إلحاح قائد الأركان على التمسك بما أسماه الحل الدستوري بحجة اتقاء شر السقوط في الفراغ الدستوري والفوضى كما ظل يردد في خطاباته المتعددة والمتكررة.

فراغ دستوري أولا، لأن الدستور الجزائري الذي اعتُمد في ولاية الرئيس المعزول، لا ينص على التجديد لرئيس الدولة المؤقت بعد انقضاء فترة التسعين يوما، على افتراض أن تكون البلاد قد شهدت انتخابات رئاسية في غضون تلك الفترة. ولا يشير الدستور لاحتمال عدم تنظيم هذه الانتخابات أو إلغائها، كما حدث بالفعل، وبالتالي لم يحدد أية ترتيبات لهذا الوضع الذي أدت إليه الأحداث.

رئيس دولة خارج القانون برعاية السلطة الفعلية

وأزمة شرعية ثانيا، لأن احتفاظ بن صالح بمنصب رئيس الدولة، ومواصلته مباشرة مهامه غير دستوري وغير قانوني، فهو رئيس دولة خارج القانون. وفتوى المجلس الدستوري التي تضمنتها الفقرة الأخيرة من بيان إلغاء انتخابات الرابع من يوليو تموز، وأُوّلت على أنها قرار بتمديد ولاية رئيس الدولة غير دستورية وغير قانونية، لأنه لا يجوز للمجلس الدستوري تمديد ولاية رئيس الدولة المؤقت، وليس من صلاحياته ذلك.

 ثم إن أدبيات هذه الفقرة الأخيرة من بيان المجلس الدستوري الصادر في الثاني من يونيو/حزيران، فضفاضة وتحتمل أكثر من قراءة، ولا تجيز صراحة التمديد لرئيس الدولة، فهي اعتمدت صيغة غير مباشرة تنص على أنه “يعود لرئيس الدولة استدعاء الهيئة الانتخابية من جديد واستكمال المسار الانتخابي حتى انتخاب رئيس الجمهورية وأدائه اليمين الدستورية.” بل يمكن التحجج بها لنفي التمديد على اعتبار أنها صدرت أثناء التسعين يوما وقد بقي منها أكثر من شهر.

وإشكال قانوني ثالثا، يضع البلاد في حالة انسداد، يستعصي حلها على فقهاء القانون الدستوري، ما لم تعمد السلطة الفعلية – غير الشرعية هي أصلا – إلى التحلل من ادعاءاتها بالتمسك بالحل الدستوري والانتقال مباشرة إلى حل سياسي كما ظل الحراك الشعبي يطالب به منذ أكثر من أربعة أشهر.

التمسك بالحل الدستوري لبلوغ الفراغ الدستوري

فليس ثمة أية جهة، بما فيها المؤسسة العسكرية السلطة الفعلية في البلاد منذ استقالة الرئيس بوتفليقة، تتمتع بالأهلية القانونية وفقا لأحكام الدستور لتتخذ قرارا أو تتمتع بصلاحيات اقتراح حل يستوفي الشروط القانونية، لإخراج البلاد من هذا الانسداد بما يتوافق وأحكام الدستور الحالي.

حالة الأزمة المتعددة الأبعاد كانت نتيجة حتمية لقرارات السلطة الفعلية ممثلة في قيادة الأركان للالتفاف على مطالب الحراك الشعبي. فقائد الأركان أصر منذ الوهلة الأولى التي تقرر فيها إقالة أو استقالة رئيس الجمهورية على تطبيق أحكام المادة 102 أساسا، التي تفضي حيثياتها إلى تعيين رئيس مجلس الأمة (الغرفة العليا للبرلمان) رئيسا للدولة مدة تسعين يوما تنظم في غضونها انتخابات رئاسية جديدة. وتعمد قايد صالح تجاهل إشارته في أول الأمر للمادتين 07 و08 من الدستور اللتين تنصان على أن الشعب هو مصدر السلطة، وأن السلطة التأسيسية ملك للشعب.

قائد الأركان تمسك بالحل الدستوري، وفرض تطبيق ترتيبات وُضعت من طرف الرئيس قبل استقالته، أو أُرغم على وضعها، تقضي بإقالة حكومة أحمد أويحي وتكليف وزير الداخلية آنذاك نورالدين بدوي بتشكيل حكومة جديدة، لا تجوز إقالتها أو تعديلها بتفعيل المادة 102، بحجة تفادي السقوط في الفراغ الدستوري والفوضى، والحقيقة أن قايد صالح كان يهدف من وراء ذلك إلى الانقلاب على دعوات الشعب المطالبة بتنحية بقايا رموز بوتفليقة وتغيير النظام.

السلطة الفعلية وإصرار على اجترار الفشل

إصرار قايد صالح على تنفيذ ورقة الطريق هذه جعله في مواجهة مباشرة مع الثورة الشعبية، وصلت درجة تخوينه والمطالبة بمحاكمته وسجنه رفقة ما أسماهم “العصابة”، وهم جماعة شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة وجنرالا المخابرات، السابق عثمان طرطاق والأسبق المدعو توفيق. مواجهة ورفض شعبي كبير تحت شعار “لا حوار ولا انتخابات مع العصابات”، أفشلا تنفيذ هذه الترتيبات وعلى رأسها ندوة الحوار الأولى التي دعا إليها رئيس الدولة بداية شهر مايو/أيار الماضي، والانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في الرابع من يوليو/تموز.

السلطة الفعلية ورغم أنها أوصلت البلاد إلى أسوأ مما كانت تحذر منه وتدعي الحيلولة دون الوقوع فيه، لا تزال متمسكة بالنهج نفسه مع بعض التعديلات في التفاصيل فقط. ما زالت مصممة على تنظيم انتخابات رئاسية في أقرب الآجال ورفض أية بدائل أخرى خاصة ما تعلق منها بالمرحلة الانتقالية.

ولتجسيد ذلك دعت على لسان رئيس الدولة وهي على مشارف الفراغ الدستوري وانتفاء الشرعية، لتنظيم حوار شامل وشفاف لا تكون كل مؤسسات الدولة بما فيها العسكرية طرفا فيه، اقترحت إسناد قيادته لشخصيات وطنية مستقلةـ، على أن يناقش موضوعا واحدا وهو علمية الانتخابات الرئاسية من حيث التنظيم والاشراف والمراقبة، وتعديل قانون الانتخابات.

وهذا ما ظل الحراك الشعبي والفعاليات السياسية يرفضونه جملة وتفصيلا.. فالاعتراض ليس على الحوار في حد ذاته كما تدعي السلطة لتتهم معارضيها بأنهم ضد الحوار، إنما في شروط حصره في موضوع الرئاسيات واعتبار الانتخابات الحل الوحيد والأنجع لحل الأزمة. ويشترط الحراك الشعبي والمعارضة أن يكون الحوار مفتوحا يتناول كل جوانب الأزمة بغية إحداث التغيير الجذري للنظام، وأن تسبقه عملية تطهير سياسي بتنحية كل بقايا النظام السابق رموز الفساد والتزوير..

لا شرعية تعلو على شرعية القوة

هوة الخلاف ما زالت شاسعة بين الطرفين في الأساليب والأهداف. السلطة الفعلية تريده حوارا من أجل تنظيم انتخابات رئاسية تحت السيطرة تجدد النظام دون أن تمس بجوهره. بينما يريده الحراك والفعاليات المساندة لمطالبه حوارا يعيد النظر في كل شيء، تكون الانتخابات واحدة من أدواته المستقلة المتعددة، والقطيعة مع بقايا النظام أحد مراحله، بغية تغيير النظام تغييرا جذريا..

وفي كل ذلك لا تكترث السلطة الفعلية لا بالفراغ الدستوري ولا بأزمة الشرعية ولا بالخروج عن القانون ذلك لأن هذه الضوابط لم تكن تندرج في خانة اهتماماتها البتة، ولم تمثل لها أي حرج ولا مانع لتنفيذ قراراتها مهما كانت غير قانونية وغير دستورية بما فيها الانقلاب على اختيار الشعب. السلطة الفعلية لا تعترف إلا بشرعية القوة ولا تهمها قوة الشرعية، وتظاهرها بالتمسك بالحل الدستوري واحترام مؤسسات الدولة لم يكن سوى مجرد حجة لرفض مطالب الشعب واجهاض ثورته السلمية ومصادرة إرادته في التغيير، ولا تزال تسعى إلى ذلك سعيا حثيثا، وهذا هو ديدنها دائما.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه