حراك الجزائر بين معسكر قائد الأركان والمعسكر المتوجس منه

اشتعلت حرب ضروس بين المثقفين الجزائريين، وانقسمت “النخبة إلى معسكرين: معسكر قائد الأركان المناصر لشعاراته والثاني: المتوجس منه والمشكك في صدقه ونواياه

 

تأكدت السلطة في الجزائر من عجزها في إفشال الحراك الشعبي السلمي، باستدراجه إلى العنف هوايتها المفضلة، كما وقفت على فشل كل محاولات تأجيج النعرات الجهوية، والفتن الطائفية والعنصرية بين الجزائريين، فاهتدت إلى دعم فرصة جاءتها دون أن تطلبها، “هدية” مما يسمى مجازا في الجزائر “النخب”.

على وقع محاولات السلطة الفعلية إغراء الحراك الشعبي بالوعود وإغراقه بالإطراء على حراكه السلمي الحضاري، اشتعلت حرب “ضروس” بين المثقفين الجزائريين، حول الموقف من مستقبل الحراك الشعبي، ومختلف المتغيرات المحيطة به والمصاحبة لفعالياته وتفاعلاته. وعليه انقسمت “النخبة في الجزائر” إلى معسكرين:

الأول: معسكر قائد الأركان المناصر لشعاراته والمؤمن بصدقه وانحيازه للشعب.. ويلتمس له الأعذار في تأخره في إقران الفعل بالقول.. ويرى هذه المعسكر أن قائد الأركان صادق في وعده بالاستجابة لكل مطالب الحراك الشعبي بدليل أنه ضحى بالرئيس بوتفليقة صديقه والذي يدين له بالكثير.

أنصار قائد الأركان.. و”فزاعة” الدولة العميقة

ويؤكد أنصار القايد صالح أنه صادق في كل التزاماته لكنه يواجه مقاومة شرسة من العصابة وهي فريق الرئيس بقيادة السعيد المتحالفة مع ما يسمى الدولة العميقة بقيادة رئيس المخابرات الأسبق الفريق محمد مدين المعروف بالجنرال توفيق والشبكة العسكرية والسياسية والقضائية والمالية والإعلامية الموالية له.

ويستشهد هؤلاء بتحذير قائد الأركان لمدير الاستخبارات الأسبق أكثر من مرة، والمقاومة التي تواجهها دعواته للعدالة بمتابعة المفسدين وإعادة فتح ملفات الفساد، وتسرع رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، وبإيعاز من العصابة إلى تعيين كمال فنيش على رأس المجلس الدستوري خلفا للطيب بلعيز المستقيل.. وتحريك الدولة العميقة لأذرعها السياسية والإعلامية للتشويش على المسار والدعوة إلى تأجيل الرئاسية والدخول في مرحلة انتقالية طويلة الأمد، لإعداد مرشحها..

ويبرر أنصار القايد إحجامه عن استعمال القوة في مواجهتهم بتوجسه من تحالفاتهم الخارجية واستقوائهم بفرنسا التي تتحين الفرصة لتتهم المؤسسة العسكرية بتدبير انقلاب لتفرض على البلاد حصارا دوليا مدمرا وتعرضها لمخاطر التدخل الدولي.

والثاني: المتوجس من القايد صالح والمشكك في صدقه ونواياه. يذهب أنصار هذا المعسكر إلى اتهام القايد صالح بإدارة الظهر لمطالب الحراك وإلهائه بالوعود، وسعيه على محاصرة الاحتجاجات إلى غاية إنهائها. وتزكيته بالمقابل، ما قررته العصابة قبيل استقالة الرئيس لتسيير فترة التسعين يوما أي اعتماد المادة 102 من الدستور إطارا لحل الأزمة ومعالجة الشغور وما ترتب عنها من تعيين رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح رئيسا للدولة لإعداد انتخابات رئاسية في غضون تسعين يوما، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة وزير الداخلية السابق نورالدين بدوي.. وتلك مخرجات رفضها الشعب وطالب بتنحية “باءاتها الأربع”..

والغريب أن منتقدي القايد صالح، يتهمون العصابة والدولة العميقة، عكس أنصاره باستعجال الانتخابات لتنظيمها بإشراف الإدارة نفسها التي رتبت كل حملات التزوير التي شهدتها الاستحقاقات السابقة ونبغت فيها لضمان فوز مرشحهم في غياب مرشح مقبول من طرف الشعب.

نقاشات النخب وفرض نزاعات بديلة مختلقة

وحجة هؤلاء على قائد الأركان، أنه كان بمقدوره إلقاء القبض على العصابة وقائد الدولة العميقة ومتابعتهم قضائيا ولو في المحكمة العسكرية، وعدم الاكتفاء بالتحذير والدعوة.. وفي متناوله أن يأمر الدرك بإعادة فتح التحقيقات في ملفات الفساد التي أشار إليها، وغيرها، ومنها تحريك الدعوى ضد المتهمين، عوض اللجوء إلى استجداء القضاء في كل مناسبة. أو الاكتفاء بمحاكمات استعراضية انتقائية انتقامية أكثر منها حقيقية شاملة، لامتصاص الغضب.

ويعتقد هؤلاء أن قايد صالح لو كان صادقا في مباركة الحراك الشعبي ما كان لمصالحه بأن تأمر قوات الدرك الوطني التابعة طبعا لوزارة الدفاع بالانتشار الكثيف على مداخل العاصمة وتطويقها تطويقا مطبقا، وغلق منافذها عشية كل جمعة ومنع مواطني بلديات ضواحي العاصمة، والمدن المجاورة من الالتحاق بالحراك الشعبي في ساحات المدينة وشوارعها.

ثم ما يلبث الفريقان أن يغرقا في مناقشة تفاصيل خلافية ثانوية، ونقاشات بيزنطية على القنوات وشبكات التواصل الاجتماعي تؤثر سلبا على وحدة الحراك بإثارة النعرات القبلية والعنصرية مثل موضوع الراية الوطنية. فإذا كان الجميع يتفقون حول وحدة الراية الوطنية وأنه لا راية تعلوها، فإنهم يختلفون حول رفع رايات بعض المناطق ذات البعد الثقافي في المسيرات الشعبية، إذ يعيب أنصار القايد رفع الراية الأمازيغية بحجة أنها راية تفرقة وليست راية جمع ولأنها كيدية صنيعة صهيونية لا علاقة لها بالتراث الأمازيغي. وهذا ما أثار حفيظة الكثير، ودفع عدم المكترثين بالموضوع إلى الحرص على رفع الراية الأمازيغية نكاية وتحديا..

ويرمم الحراك الشعبي تصدعات النخب..

نقاش رفع الموضوع ليكون موضوع نقاش بديل بين هذه النخب عوض التركيز على ما يخدم أهداف “الحراك الشعبي” وما يجمع الجزائريين ويساعدهم على تجسيد مطالبهم المشروعة في تغيير النظام.. مطالب لا يختلف فيها أحد، بل يلتف حولها الجميع في آخر المطاف..

يَحْمَى وطيس النقاش وتتشنج الحوارات حتى يأتي موعد الجمعة ليطفئ الحراك الشعبي كل هذه المشاحنات، بسلميته وحسه الحضاري، وتعلو الهتافات بتغيير النظام، ورحيل رموزه، ودعوة قائد الأركان إلى الانتقال من القول إلى الفعل، ومطالبة القضاة تأكيد استقلاليتهم بمتابعة الفساد والمفسدين ولا يعترض أحد.. ويخمد الشباب فتيل الفتنة في الميدان، ويُعلِي كلمة الوحدة “مكاش عنصرية.. خاوة.. خاوة”، “لا راية تعلو راية الوحدة الوطنية.. والرايات الأخرى رايات تنوع لا رايات تضاد”.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه