انتصار وأخواتها.. ما محل زوجات الطُّغاة من الإعراب؟!

 

لم يعد ثمة داعٍ للتحلي باللباقة عند الحديث عن السيدة انتصار عامر زوجة الرئيس السيسي، فقد فقدت أيّة حصانة شعبية لها بعد سلسلة فيديوهات الفنان محمد علي، والتي لم يكد يمر أي منها دون أن يتخللها ذكرٌ لانتصار بطريقة ساخرة، تنزع عنها كل ما يمكن أن تلتحف به زوجات رؤساء الدول من هيبة أو تقدير في أعين الناس.

وعلى مدى عقود طويلة من الحكم الديكتاتوري الذي افترش الدول العربية، تنامت كراهية عميقة في نفوس الشعوب تجاه مستبديها، بينما كانت زوجات هؤلاء المستبدين دوما تحت غطاء تعاطف شعبي غير معلن، أو على الأقل نأي بالنفس عن تناولهن بأي سوء، أو توجيه مشاعر النقمة أو الكراهية نحوهن.

لقد ساد دوما ذلك الإحساس بأنه الديكتاتور “الرجل” هو المسؤول عن كل شيء، وأن هذا “الضلع القاصر” الذي يجره خلفه في زياراته الرسمية، أو الذي يغيبه تماما خلف جدران القصور العالية، هو مجرد ضحية أخرى من ضحاياه، لكن هذا التسامح الشعبي مع زوجة الديكتاتور بدأ يثبت سذاجته يوما بعد يوم، خاصة منذ تفجُّر ثورات الربيع العربي.

زوجات وجواري:

لقد كانت نساء القصور على مدى التاريخ الإسلامي لاعبات قويات على الخارطة السياسية بوجودهن الصريح أحيانا، ومن خلف الستار وأبواب الحرملك الموصدة أحيانا أخرى، سواء كنّ زوجات للحاكم أو أمهات أو خالات أو قهرماناتٍ أو جوارٍ، كقهرمانة معز الدولة البويهي، وقهرمانة القائم بأمر الله العباسي، وجارية الخليفة المقتدي شمس النهار، وزوجة عبد الملك بن مروان الأموي، وزوجة طغرل بك السلجوقي، وأم جعفر البرمكي، وزبيدة زوجة هارون الرشيد، والسلطانة عائشة حفصة والدة سليمان القانوني، وزوجته روكسلانة، ونوربانو زوجة سليم الثاني، وأسماء أخرى لا تحصى.

وكان لبعضهن إلى جانب نفوذهن السّياسي دور في إقامة المشاريع الخيرية والأوقاف والمنشآت المعمارية والمجمعات التعليمية، وكنّ جزءًا من النّهضة، وانعكاسًا للصّورة الإيجابيّة لنظام الحكم، أو مشاركاتٍ أساسيّاتٍ في صناعة هذه الصّورة، في حين استنزفت أخريات ثروات الدولة، وبذل الطامعون في السلطة الكثير لاسترضائهن، وشكّلن مع وصيفاتهن عبئا كبيرا على خزينة الحكم.

إن تماهي صورة زوجة الحاكم مع إيمان المجتمعات العربية بسلبية المرأة، وخمولها السياسي، جعل الشعوب العربية تستبعد زوجات الحكام من مشاعر نقمتها، لكنّ الربيع العربي كان أولى المناسبات التي كشفت عن سذاجة هذه القناعة، برفعه الستار عن عدد من النماذج السيئة كليلى الطرابلسي زوجة بن علي، وسوزان مبارك، أما أسوأ النماذج بين زوجات الطغاة على الإطلاق كانت أسماء الأسد.

أسماء الأسد الاكتشاف الأكثر فجاجة:

ما فتئت أسماء الأسد تقدّم نفسها نموذجًا للسيّدة المهتمّة بالتّحصيل العلمي والتكنولوجيا الرّقميّة، وأنّها السيّدة التي تربّت في أكناف الغرب الديمقراطي، والتي تُعلي بالتالي شأن الحريّة، وتأبى الاستبداد.

وقد عملت وسائل إعلام النّظام، بل وسائل إعلام غربيّة أيضًا، على ترميز أسماء الأخرس قبل الثّورة، بوصفها نموذجًا للمرأة التي تدور في فلك الإنسان، وتسخّر نفسها لخدمته.

كلّ هذا جعل الشّعب السّوريّ يراهن في بداية الثورة على تعاطفها مع الثوار، إضافة إلى كونها تنحدر من خارج الطّائفة العلويّة، ومن مدينة حمص المنكوبة، وقبل كل شيء كونها أما لا بد لها أن تقدر معاناة الأمهات اللواتي يفقدن أبناءهن تحت أنقاض الأبنية، ولذا فقد امتد إحسان الظن بها على امتداد صمتها عن المجازر، والذي فُسر على أنه صمت قهري، بسبب استضعافها داخل العائلة الحاكمة لكونها امرأة.

لكن سرعان ما تبدى طغيان أسماء الأسد لعين الشعب السوري بعد‏ خروج فضائح قوائم مشترياتها، ونكاتها المرسلة لزوجها عبر الإيميل، أثناء إبادة الجيش السوري لمئات المدنيين، ثم تصريحاتها الوقحة، وظهورها العلني المؤيد لأفعال زوجها، مما جعل صورتها الشيطانية تتوضح في عيون الناس بلا أدنى ذرة شك، فأصبحت مستهدفة باللعن في هتافات المظاهرات ولافتاتها، وفي دعاء الشعب المقهور، حتى إن الصحافة الغربية نزعت عنها لقب “وردة الصحراء”، لتتوجها بلقب جديد “سيدة الجحيم الأولى”.

رفع الستار عن انتصار:

أما غير أسماء من زوجات الطغاة فكن لا يزلن متخفيات خلف المسافات، تلقي عليهن شعوبهن أردية الصمت وإحسان النوايا، في مجتمع لم يعتد النظر إلى المرأة على أنها صاحبة قرار أو تأثير سياسي، فضلا عن أن تكون شريكة ديكتاتور أو طاغية، إلى أن ظهرت سلسلة فيديوهات الفنان محمد علي، التي نزعت أردية الستر عن شخصية انتصار عامر أمام عيون الشعب المصري، فانتصار لم تعد السيدة الصامتة صاحبة الابتسامة الخفيفة، التي تظهر بجانب زوجها “الجنتل مان” عبد الفتاح السيسي الذي يحسن استثمار وجودها بجانبه ليلمع صورته، بل صارت انتصار جديدة، “انتصار القوية المفترية”، النموذج الأقل شعبية للمرأة في وجدان المجتمع المصري، نموذج الزوجة التي تطالب زوجها بالمزيد والمزيد من القصور والألماسات والتعديلات على الفيلات والاستراحات، فيستجيب لرغباتها طامعا برضاها، غير آبهٍ ولا آبهةٍ بالشّعب المُطالَب “يصبّح على مصر بجنيه”، رغم كلّ مآسيه وفقره وجوعه وعوزه!

إنّه نموذج كريه لامرأة لا ترهق رجلا واحدا بطلباتها، بل ترهق شعبا بأكمله، فيخرج وسم “انتصار بتحكم” والذي عبر فيه المصريون بسخرية مُرة عن تفاجئهم بالدور الكبير الذي  تبين أن انتصار عامر تلعبه في التحكم بمقدرات مصر بل هدرها وتبديدها بدون “وجع قلب”.

انتصار عندنا وبريجيت عندهم:

وبينما كانت انتصار تنحر ثروات مصر في الخفاء تحت أقدام رغباتها الشخصية النزقة، مستغلة هي وزجها غياب بل تغييب الشعب المصري عن إدارة الدولة لدخلها القومي وحالة ميزانيتها، كان على بريجيت ماكرون العام الفائت أن تواجه استياء الفرنسيين العارم، الذي فجروه في موجات احتجاجات السترات الصفراء، بسبب تغييرها لستائر وسجاد وقطع أثاث في القصر الرئاسي، في عملية عالية الشفافية، كلفت 500 ألف يورو، وتضمنت بيع الأثاث القديم للاستفادة من ثمنه في تمويل عملية التجديد.

وفي العام الذي سبقه، وقفت عريضة موقعة من 275 ألف شخص من الشعب الفرنسي، في وجه حصول بريجيت ماكرون على منصب سياسي في الإليزيه، كان ليتطلب تخصيص مرتب شهري لها، وزيادة فريق عملها عن سبع أشخاص، وتمويل بعض مشاريعها، الأمر الذي رفض الشعب الفرنسي رفضا قاطعا أن يدفعه لها من ضرائبه.

فما الذي جعل انتصار تحوّل ميزانية الدولة إلى مصباح علاء الدين السحري، وتحول زوجها السيسي إلى مارد أصلع ومبتسم، يحقق لها أحلام طفولتها؟!

إنّه تغييب الشعب المصري عن كل ما يجري على الساحة السياسية والاقتصادية، وإغراقه بالأكاذيب؛ أكاذيب ومسرحيات مكنت انتصار وأشباهها من متابعة التخفي خلف دور المرأة المستضعفة المسكينة التي تتلاشى شخصيتها في ظل الديكتاتور، والتي لا حول لها ولا قوة في معادلة التأثير والسياسة.

نساء الطبقة الحاكمة وعظم المسؤولية:

لقد كانت آسيا بنت مزاحم زوجة فرعون هي من أفضل نساء الجنة كما ورد في الحديث الشريف، وذلك لوقوفها في وجه طغيان زوجها بكل شجاعة، حتى ضربها الله في كتابه مثلا للذين آمنوا:”وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين”

 الأمر الذي يؤكد على أن نساء الطبقة الحاكمة مكلفات أمام الله بالانحياز للحق، وبأمر أزواجهن أو أبنائهن بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وليست المقولة المنسوبة إلى زبيدة زوجة الرشيد: “احفر ولو كلفتك ضربة الفأس دينارا” والتي كانت مسؤولة عن إيصال الماء إلى كل سهل وجبل لحجاج بيت الله الحرام من بغداد وحتى مكة، إلا مثالا ساطعا على حجم الأثر الإيجابي الذي يمكن أن تتركه المرأة الصالحة في سياسة الدولة، وعلى عظم مسؤوليتها أمام الله.

وحين سأل خياطٌ سفيان الثوري: إني رجل أخيط ثياب السلطان، فهل أنا من أعوان الظلمة؟ فقال سفيان: بل أنت من الظلمة أنفسهم، ولكن أعوان الظلمة من يبيع منك الإبرة والخيوط. فما حال انتصار وأخواتها إذن؟ وما موقعهن من الإعراب في جملة الظّلم والاستبداد والطّغيان؟!

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه