وضاقت عليهم الأرض بما رحبت

لطالما كانت الهجرة حلماً للعديد من أبناء منطقتنا العربية، إما بحثاً عن تقدير مادي أو معنوي قلَّ من يحظى به في بلداننا، أو طمعاَ في مستقبل أفضل في ظل فرص قد لا تتوفر في أغلب الاحيان في أوطاننا الأم، ناهيك عما تتمتع به بلدان المهجر من حرية فكرية وثقافية غابت عن مجتمعاتنا.

إلا أن تلك الأسباب وغيرها مما دفع الناس إلى الهجرة في الماضي قد تضاءل تأثيرها في ظل الهجرة القسرية التي اضطر إليها الكثيرون الآن، حيث أصبح الهروب من النزاعات المسلحة والاضطهاد السياسي والفكري هو المحرك الرئيسي للمهاجرين الجدد، لاسيما وقد استحال ما درج على تسميته بالربيع العربي إلى خريف طويل ذبلت معه آمال الحالمين بالتغيير، في ظل انقلابات قامت بها طغمة حاكمة أبت أن تتنسم شعوبها الحرية، ومؤامرات خارجية من أطراف لم تكن لتسمح بما يهدد مصالحها ويقوض نهجها في الاستيلاء على خيرات البلاد والتحكم في مقدرات العباد.

النغمة الشعوبية

وعلى الرغم من إدراك تلك القلة المستضعفة من المٌهَجَّرين واللاجئين ما سوف يلقونه من وعثاء سفر شاق، وسوء منقلب إن ساءت الأمور وباءت الرحلة بالفشل، فإن ذلك لم يثنهم أبداً عن محاولاتهم الخروج من وضعهم البائس إلى حيث يصطف جموع المستقبلين على حدود البلدان الأوربية بالأهازيج والورود في مشهد يسر الناظرين تناقلته جميع وسائل الإعلام آنذاك.

ذلك المشهد الذي سرعان ما تبدل مع تزايد أعداد اللاجئين، وظهور تلك النغمة الشعبوية التي نادت بها أحزاب لم تكن يوماً لتحلم بتلك الفرصة السانحة لنشر أفكار عفا عليها الزمن، ودعوات ظن العالم أن لن يسمع عنها مرة أخرى، حتى تجلت ثمرتها الخبيثة في صورة مراسلة تلفزيونية تعرقل أباً يحمل طفله أثناء محاولته اجتياز الحدود المجرية، وبتنا الآن نرى رئيس الحزب البافاري المسيحي أقرب حلفاء المستشارة أنغيلا ميركل ووزير داخليتها يتبرأ من سياساتها المنفتحة تجاه المهاجرين ويهاجمها في العلن خوفاً من أثر ذلك على حظوظ حزبه في الانتخابات المقبلة.

وهنا يظهر عدد من التساؤلات، ماذا لو تصاعدت حدة تلك السياسات المتشددة من قبل الدول الأوربية التي ناقشت صراحة في القمة المنعقدة في يونيو/حزيران الماضي إقامة مراكز للاجئين تمهيداً لإعادتهم لبلدانهم؟ إلى أين تذهب تلك الآلاف من جموع الفارين من الأطفال والنساء والشيوخ؟، وهل أصبح الخيار يدور بين العودة إلى جحيم الحرب والخوف، أو إظهار اندماج زائف يذوب فيه اللاجئ وينخلع عن ذاته طمعاً في قبول مجتمع لايزال بعض أفراده يظنون أنهم احفاد جنس متفوق يحق له سيادة الدنيا؟

اللاجئ في القانون

عَرَّف القانون الدولي اللاجئين بأنهم الأشخاص الذين يعيشون خارج بلدهم الأصلي بسبب الخوف من التعرض للاضطهاد أو الصراع أو العنف، كما أكدت المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق الجميع في طلب اللجوء والحصول عليه.

ثم جاءت اتفاقية اللاجئين عام 1951 والبروتوكول اللاحق لها عام 1967باعتبارها المعيار الأساسي لحماية حقوق اللاجئين، حيث ضمنت مجموعة من الحقوق الأساسية لهم، لعل من أهمها الحق في السكن والعمل والحصول على التعليم.

إلا أن أساس الاتفاقية وأهم مبادئها ولا شك هو مبدأ عدم الإعادة القسرية المنصوص عليه في المادة 33 والذي يوجب على الدول الموقعة على الاتفاقية عدم طرد اللاجئين أو إعادتهم إلى أوضاع تعرض حياتهم وحريتهم للخطر، ذلك المبدأ الذي صمد في وجه التحركات السكانية الضخمة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية والتي تجاوزت حجم ما نشهده حالياً، على حد وصف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وبكل صراحة لا أدري سبب اختفاء دور الخبراء والعاملين في مجال حقوق الإنسان في الوطن العربي في مطالبتهم بتفعيل ما نص عليه القانون الدولي وكافة المعاهدات من حماية حقوق مئات الالاف إن لم يكن الملايين من اللاجئين – والذي يمثل الأطفال ثلثهم تقريباً – في مواجهة أكبر أزمة نزوح في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، ولماذا يتم إطلاق تلك المطالبات على استحياء، وكأن جذورنا العربية تخجلنا من الجهر بتلك المطالبات ونحن بنو الدول التي أبى معظمها استقبال إخوانهم من اللاجئين أو حتى بذل المال من أجل مساعدتهم.

فكما مَثَّلت السياسات الخاطئة للعديد من الدول الغربية دافعاً للمنظمات الحقوقية والمنادين بحقوق الانسان الأوربيين في المطالبة بحقوق اللاجئين والذي أصبح يمثل العرب منهم الأغلبية الأن، يجب علينا عدم التكاسل في عرض قضيتنا والدفاع عنها وحشد التأييد لها، فما حك جلدك مثل ظفرك، وإن تركنا مهمتنا ولم نقم بدورنا اليوم، فقد نستيقظ غداً جميعاً وقد ضاقت علينا الأرض بما رحبت.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه