المصالحة المستحيلة!

يثور الحديث بشكل متكرر ومتواتر عن رغبة النظام المصري في مصالحة مع جماعة الإخوان، وأن قيادات الجماعة في الداخل-السجناء- والخارج صامدون كالجبال الرواسخ لا يقبلون الضيم، ولو أرادوا أخرجوا من محابسهم أو لعادوا من منافيهم كشركاء للسلطة في الحكم-ربما- كجزء من صفقة يسعى إليها النظام.

وهنا تتبارى الأقلام سواء بالهجوم على الجماعة ناصحين إياهم بعدم القبول وتهديدهم بالخروج من حظيرة الثورة، أو مدافعين عنهم وهم يتغنون بصمودهم الأسطوري.

صناعة العدو

وهنا يأتي السؤال ما هو مصدر المعلومة المتكررة؟، ومن أين أتى المهاجمون والمدافعون بذلك الحديث عن رغبة النظام في المصالحة؟ ثم ما هي مصلحة النظام من الأصل في مشاركة الإخوان أو غيرهم في السلطة؟

يحدثنا كتاب التاريخ بوضوح عن سلوك الديكتاتوريات وأدواتها وأحد أهم تلك الأدوات بدون مواربة “العدو” فإذا لم يكن هناك عدو واضح اخترعه، وإذا لم يكن هناك عدو خارجي واضح وَلَه سابقة اعتداء اصنع وحشاً داخلياً ليكون مبررك الوحيد في العصف بالحريات وإهدار القانون، والأهم للتغطية على أي فشل في تحقيق مكتسبات اقتصادية للشعب، ومارس أقصى درجات التخويف من خلال وسائل الإعلام الذي يُضخم من أي تصرف مهما كان تافهاً من العدو المطلوب، بل ودعم أي تحرك منه ولو بغض الطرف وإغماض العين، ودعم باستمرار روافد مده بالمتطوعين من خلال السماح بالخطاب المتطرف، والاستبداد والظلم لصغار أعضائه.

إلى هنا فالتاريخ يخبرنا طوال الوقت عن حاجة الديكتاتور إلى عدو، فإذا اتفقنا أن عبد الفتاح السيسي ديكتاتور، فما هو المختلف الذي يجعل الديكتاتور يتصالح مع عدوه الذي يمثل له الضمان الأساسي لبقائه؟!

الترويج الفعّال لضمان ولاء ضباط الجيش الصغار قبل الكبار هو أن بديل السيسي في السلطة جماعة الإخوان التي إن أتت ستعصف بهم ومكتسباتهم معهم وتنكل بهم وتستبدلهم بأفرادها، وعند عموم المصريين هي الجماعة التي يتحدث بعض المنتسبين إليها والمحبون لها والمؤيدون لعودتها إلى السلطة حديثاً يراه الكثيرون كارثة وردة إلى عالم العصور الوسطى جعل من تحملهم لويلات دولة الخمسينيات الحاكمة تقدميه وحفاظاً على شكل الوطن كما يعرفوه.

المتطوعون

نعم هناك من يتطوع بين الحين والآخر بدوافع شخصية رغبة منه في إصلاح ذات البين، متصوراً أنه قادر على إقناع السلطة بقبول مصالحة مع الإخوان إذا ما كان لدى الجماعة ما يقدموه للسلطة، على غرار ما حدث بين نظام مبارك والجماعة الإسلامية في نهاية التسعينات التي انتهت بانحسار المواجهة المسلحة ومراجعات فكرية مع استمرار النظام كما هو ومكافأة أفراد التنظيم بالخروج تباعاً من المعتقلات، ولكنها في رأيي تبقى محاولات فردية تطوع افرادها بوازع فعل الخير أو الرغبة في أن يُذكر في التاريخ كمن استطاع أن يعيد الاستقرار إلى الوطن .

أعتقد أن الفرصة الوحيدة التي كان يمكن من خلالها تحقيق مصالحة وإعادة العملية السياسية إلى المسار الطبيعي على غير رغبة الطرف العسكري كانت قبل فض ميادين رابعة والنهضة، وأنه ببدء شلال الدم انتهت، حتى إشعار آخر، الحلول العقلانية، وبدأ الاحتكام إلى القوة التي صبت – وهو منطق الأشياء-  في صالح المؤسسة العسكرية بلا جدال.

يمكنني القول صراحة أن النظام هو من لا يرغب في المصالحة التي إن حدثت ستكون بداية انهيار دولته تحت وطأة عدم انشغال الناس عن همومها بالحرب على الإرهاب والرعب من البديل الاسلامي الجاهز للانقضاض على الحكم، والشيء الوحيد المفزع للنظام هو تقديم بديل مدني للسلطة العسكرية من خارج التيار الإسلامي وبمشاركته.

ولهذا حديث آخر.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه