ابن سلمان على خُطى سعود

الأمير الطائش يواجه معضلة كبرى بعد فضيحة قتل الأستاذ جمال خاشقچي، وأن لعنة دم ضحاياه في اليمن نادت عليه، فارتكب أغبى جريمة اغتيال علي مر التاريخ.

فجأة وعلى غير انتظار صحوناً جميعاً على قارعة اختفاء الصحفي الأستاذ جمال خاشقچي بعد دخوله مبنى القنصلية السعودية.

 بالطبع لم يتصور أحدنا أن الرجل تم اغتياله بدم بارد وبطريقة بشعة .. بعد ساعتين من آخر ظهور له على كاميرات المراقبة، يخطًو على قدميه بثبات متخطياً بوابة المبنى الفخم في قلب إسطنبول.

ثم تناثرت الأخبار وسط آمال الجميع بظهور الرجل بضغوط تركية (الدولة المضيفة الضامنة) لأمنه، مثل الكثير من اللاجئين لديها، أو بضغوط من رأي عام تشكل متسائلاً عن الذي يجعل دولة ما تتصرف بتلك الخشونة غير المحسوبة باحتجاز -حتى ذلك الوقت- رجل بحجم وشهرة الأستاذ خاشقچي، ولكن للقوة والنفوذ وقبلهم الثراء الفاحش دائماً حسابات أخرى .. قُتل الرجل وتقطعت أوصال جثته بطريقة بشعة داخل مبنى قنصلية بلاده.

لن تمر

بدون إسهاب في تفصيلات قتلت بحثاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي وسائل الإعلام يتصور البعض أن الجريمة ستمر كما مرت غيرها لاعتبارات قوة ونفوذ ولي عهد السعودية الذي تشير إليه أصابع الاتهام بشكل واضح .. وهنا فإني أعتقد أن التاريخ يخبرنا أن هناك مثيلا لمثل تلك الحادثة لم تمر دون توابع وإن بدا غير ذلك.

سنعود بالزمن كثيراً، وبالمكان قليلاً.

المكان: دمشق
الزمان: صباح يوم الجمعة 7 مارس 1958 م
الحدث: خطاب الرئيس جمال عبد الناصر من قلب عاصمة الإقليم الشمالي زمن الوحدة العربية الأولى والوحيدة في العصر الحديث، متحدثاً عن مؤامرة على حياته مدفوعة الأجر، بتدبير من الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود، إذ حاول الملك عن طريق وسيط -كما أعلن الرئيس جمال عبد الناصر وقتها- استمالة المقدم عبد الحميد السراج رئيس المكتب الثاني في سوريا، وإغرائه بمبلغ مهول من المال في مقابل تفجير منصة يقف عليها جمال عبد الناصر لتنتهي حياته، وتنتهي الوحدة بين مصر وسوريا التي أقسم الملك سعود برأس أبيه أنها لن تتم .. فيذهب المقدم عبد الحميد السراج بين يدي جمال عبد الناصر ويسلم تفاصيل المؤامرة والاتفاق، ومن ثم يعلن عبد الناصر على الملأ تفاصيل الفضيحة المدوية.

“اتصلوا بالجيش وعرضوا عليه أن يدفعوا له ما يريد من أموال حتى يقضي على الوحدة ويقوم ويعمل انقلاباً ليحكم هذا البلد. اتصلوا بأحد كبار رجال الجيش.. الجيش السوري.. اتصلوا بأحد الوسطاء وقالوا له نحن مستعدون للدفع «إحنا مستعدون ندفع اثنين مليون جنيه للجيش علشان يعمل انقلاباً ويمنع الوحدة»..
ويتابع الرئيس عبد الناصر في خطابه بالقول: «وبدأت المساومات وبدأت هذه المؤامرات وسلم أول مليون جنيه، وطالبوا طبعاً الجيش أن يعمل انقلاباً.. كانوا على عجلة من أمرهم قالوا إنهم مستعدون أن يدفعوا المليون الثالث… المليون الأول سلم بشيك على البنك العربي بشيك رقم 85902 من الرياض في 20 فبراي/شباط 1958.. الشيك الثاني البنك العربي 700 ألف جنية استرليني.. الشيك الثالث 200 ألف جنيه إسترليني البنك العربي) وهنا لا بد أن أذكر بيمين سعود بن عبد العزيز حول هذا الأمر، فالملك سعود أقسم برحمة والده عبد العزيز أن الوحدة ما بين مصر وسوريا ينبغي ألا تتم بأي شكل من الأشكال” انتهى الاقتباس.

كانت تلك الفضيحة المدوية أول مسمار في نعش-عرش- الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود، والتي استغلها ولي عهده الملك فيصل أخيه لسلب صلاحياته أولاً، ثم تأليب العائلة عليه وسلب العرش- وما أدراك ما عرش آل سعود- في وسط ظروف أقل كثيراً من ظرف انقسام العائلة في العهد السلماني والتي تضمنت سجن العائلة الملكية ذاتها على يد الأمير الصغير الطامح بجموح.

أغبى جريمة

أظن وليس كل الظن إثم أن الأمير الطائش يواجه معضلة كبرى بعد فضيحة قتل الأستاذ جمال خاشقچي، وأن لعنة دم ضحاياه في اليمن نادت عليه، فارتكب أغبى جريمة اغتيال على مر التاريخ..
ربما كان الغباء دافعه الثقة الزائدة في القدرات، والإحساس بالفوقية فوق كل عقاب، ولكن تعودنا دائماً أن معظم النار من مستصغر الشرر، فما بالنا بفضيحة دولية متمثلة في انتهاك عرف دولي متفق عليه بإعطاء الأمان في السفارات واحترام الدولة المضيفة ..
وهي مسألة إن مرت- ولا أظنها ستمر- ستكون سنة لكل الديكتاتوريات لاستغلال سيادتها علي سفاراتها واستخدامها للفتك بالمعارضين ..
وهنا مكمن الكارثة التي يدركها كل ذي عقل وبصيرة، ولا أظن إلا أنها مسألة وقت وستنتهي مغامرة ابن سلمان الملكية كما انتهت مغامرات عمه الأكبر في ستينيات القرن العشرين .

وإنا لمنتظرون

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه