شادية التي عرفتها

عام 2002 فصلت من عملي في مؤسسة الأهرام، فوجدتني وحيدا، إلا من طبطبة صوت شادية.

رحيلها أوجع قلبي، كلكم تبكون شادية الفنانة أبكيها مثلكم، ويزيد على ألمي شادية الإنسانة. كان العالم يسعى إليها، ترفض، فتحت لي أبواب حياتها هي وأغلب أفراد أسرتها، فوضعت حياتها بين دفتي كتاب، وحين أرسلت لها أول نسخة من كتاب “سيرة شادية” قالت” أنت كاتب كل ده عني؟ كتير. أقرأ فيه شوية شوية لأني بدوخ لما أفضل أقرا كتير”.

بعد الفصل

عام 2002 فصلت من عملي في مؤسسة الأهرام، فوجدتني وحيدا ، إلا من طبطبة صوت شادية.
وقاني دعاؤها من الضياع حين تلمست فيه الأمل.
أحسست أن الله أرسل لي صوتها كسبب من الأسباب التي جعلتني أتشبث بتفاؤلي. ومعها صافي ناز كاظم.
‏ذكرتني بما حدث مع مصطفى أمين وأنيس منصور وأحمد رجب وما تعرضت له هي. وكانت قصتي تتعلق بتسجيلات، حيث قام أحد زملائي بتسريب مكالمة أتحدث فيها عن النظام والأستاذ ابراهيم نافع وكاتبة بما لا يليق. وقد تم استدعاء شادية من قبل مخابرات صلاح نصر، وسألوها عن علاقتها بمصطفى أمين وسألوا مصطفى أمين أيضا، الذي أكد أنه لم يلتق شادية منذ فترة طويلة.
‏قبل ذلك كانت محاولة طرق أبوابها أو سماع صوتها أو الولوج إلى عالمها ضربا من ضروب المستحيل، كذلك فعلت فيروز، لكن شادية أسدلت على نفسها ستائر الزهد
كانت تعزف لحنها الأثير مع حبيب ليس كمثله حبيب. اقتحمت عالمها بعد 20 سنة من احتجابها، صوت الكروان نفسه لم يتغير؛ مثل أفلام زمان.
‏هي “ألو” شادية  نفسها التي كنت تسمعها في أفلام الأبيض والأسود، لم تتغير نبرة صوتها.
‏تحب الحياة والبامية، وتشاهد بعض أفلامها إذا عرضت على الشاشة.
‏تدندن بعض الأغاني، تصلي الفجر، وتقرأ ما تيسر، وتنام ثم تصحو لتكمل صلواتها، وتبتعد عن الأضواء، وكأنها تردد قول كامل الشناوي: هذه الأضواء كم أكرهها، أبعدوها عني أبعدوها. فلم تتواصل شادية طوال اعتزالها مع أي صحفي سوى أحمد رجب، ومحمد عبد القدوس، ومحمد سعيد، أكثر من أحبها وكتب عنها ثم جاءت مكالمة عمرو الليثي 2011، والتي حاولت توريطها في الدفاع عن مبارك، لكن هذه السيدة الثمانينية كانت أذكى من الجميع، وانحازت لشباب الثورة، رغم كل تضليل المعلومات الذي تعرضت له قبل المداخلة!

وذهب السيسي

ليلة عودته من مؤتمر الشباب في شرم الشيخ، ذهب السيسي وزوجته إلى زيارة الحاجة فاطمة شاكر الشهيرة بشادية في مستشفى الجلاء العسكري، ليست هذه هي المرة الأولى التي يرتبط فيها اسم شادية برئيس أو حاكم، وقتها دعوت الله كثيرا ألا يحمِّل هذه السيدة، نحس هذا الرجل، فما إن التقى فاتن حمامة وكرمها حتى ماتت!

على الرغم من علاقات شادية بالساسة والحكام، لكن لم يعرف عنها أنها أنشدت أغنية باسم زعيم ولا حاكم عربي، مرة واحدة ذكرت شادية اسم جمال عبد الناصر في أغنية من أغانيها، لكن عبد الرحمن الأبنودي حكى له أنه كان يقصد عبد الناصر في أغنيته التي كتبها لشادية “ولا أدك ميه يا أبو العين العسلية”.

غنت شادية لأجل الوطن، فقط لأجل الوطن، وليس لأجل الحكام والسلاطين، على الرغم من أن أغلب المطربين والمطربات، قديمهم وجديدهم غنوا للسلطة وللحكام.
‏أثناء ثورة 25 يناير كان ميدان التحرير يشتعل بأغاني شادية الوطنية كل مساء
‏اتصلت بها وأسمعتها، كادت دموعها أن تخرج من الهاتف، فرحة بالثورة والثوار.
‏كتبت في جريدة الأهرام، عدد الجمعة، بعد ثورة يناير مقالي عنها على صفحة كاملة “شادية صوت ثورة 25 يناير” وفيه تواصلي معها أثناء الثورة وانحيازها لها ورؤيتها لثورة يناير.
وقبل أسبوعين دخلت شادية العناية المركزة، وبدلا من مساندتها من قبل الإعلام راح ينهش سيرتها، ووقتها أحسست بألمها، لم يكتف اعلام خالد صلاح بتزييف الحقائق فقط، لكنه تسلل عبر مصور من اليوم السابع إلى غرفة العناية المركزة في مستشفى الجلاء العسكري، ونشرها في صحيفة وموقع اليوم السابع.

القلب الذي كان يحميني بالدعاء وقت أن تخلى عني الناس، رحل.
ماتت قديسة البهجة وأيقونة الحب. التي كانت وش السعد على حياتي. وقد حصلت على أول جائزة لي من نقابة الصحفيين عن كتابي عنها.
ما زال صوتها يحمل نغمته في أذني وهي تمنحني التفاؤل والأمل.
مع السلامة يا شادية.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه