ما معنى “الوضع الراهن” في القدس؟ وكيف تلاعَب الاحتلال بالنصوص والحقائق التاريخية؟

قبة الصخرة في المسجد الأقصى (غيتي)

تتكرر مقولة “ضرورة الحفاظ على الوضع الراهن في القدس” المحتلة في وسائل الإعلام كثيرا، خاصة عند اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لباحات المسجد الأقصى أو اعتدائها على الفلسطينيين في المدينة والمناطق والبلدات التابعة لها.

ولكن ما المقصود بـ”الوضع الراهن”؟ وما الأساس القانوني له؟ وهل يختلف تفسيره باختلاف الدول؟

وفقًا لمجلة الدراسات الفلسطينية، تم اشتقاق مصطلح “الوضع الراهن” من عبارة باللغة اللاتينية هي (status quo ante bellum) التي تعني “الوضع الذي كان موجودًا قبل الحرب”، كما يُستخدم أيضًا للوضع اللاحق بعد الحرب أو النزاع.

ويقول الباحث الأردني المتخصص في الشأن الفلسطيني الدكتور زياد إبحيص إنه في حالة “الوضع الراهن”، تتفق أطراف النزاع على الحفاظ على الوضع القائم وعدم تغييره أو التدخل فيه وعدم إعطاء الصلاحية لأحد في تغييره بسبب استمرار النزاع حول المكان.

بداية “الوضع الراهن” في القدس

ويوضح الدكتور إبحيص أن بداية نشأة مصطلح “الوضع الراهن” في ما يتعلق بمدينة القدس تعود إلى القرن التاسع عشر عند نزاع القوى المسيحية للسيطرة على كنيسة القيامة، وكان يعني وقتها “عدم التدخل والحفاظ على الأوضاع في المقدسات كما هي عبر الزمن”.

ويضيف أنه “جرى تأكيد المصطلح في اتفاقية برلين (1878) في زمن سيطرة الدولة العثمانية”، إذ تنص المادة 62 من المعاهدة على أن “من المفهوم تمامًا أنه لا يمكن إدخال أي تعديلات على الوضع الراهن في الأماكن المقدسة”، وقد وسّعت هذه المادة الترتيبات لتشمل كل الأماكن المقدسة وليس المسيحية فقط.

وذكر إبحيص أن المعاهدة أوضحت أن المسجد الأقصى هو مقدس إسلامي خالص تتولى الدولة العثمانية إدارته وإعماره، وانطلاقًا من هذا التعريف، أقرت الدول الكبرى أنها معنية بالحفاظ على الوقائع كما هي لكل من الأرمن والأرثوذكس ولجميع الطوائف، وللمسلمين أيضًا.

جنديان بريطانيان على أطراف المسجد الأقصى 1917 (غيتي)

الاستخدام الحالي

ويشير إبحيص إلى أنه عند استخدام مصطلح “الوضع الراهن اليوم”، يجب أن نعيده إلى الاتفاقية الأولى عام 1878، أي سيطرة الدولة العثمانية على المسجد الأقصى.

ويضيف “في عام 1917، نشأ واقع جديد تحت الانتداب البريطاني، لكن الوضع في المسجد الأقصى بقي كما هو، واستُحدثت هيئة إسلامية تولت كامل أمور المسجد الأقصى، ولم تغيّر بريطانيا الوضع وبقي إلى عام 1947”.

وفي عام 1947، تولت الأردن إدارة المسجد الأقصى عبر وزارة الأوقاف خلفًا للهيئة الإسلامية، وذلك استكمالًا للاتفاقية القديمة دون أي ادعاءات بوجود حق لغير المسلمين في المسجد الأقصى.

ملك الأردن عبد الله الأول (وسط) في المسجد الأقصى بعد مدة وجيزة من سريان هدنة 1948 (غيتي)

الوضع بعد 1967

في الفترة التي سبقت الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية -بما فيها القدس الشرقية- عام 1967، لم يكن هناك أي نزاع بشأن الوضع القائم في القدس، لكن مع احتلال المدينة تغيرت الوقائع، وبدأت تخرج أصوات وأفكار جديدة.

ويقول الدكتور إبحيص “(الوضع الراهن) بموجب الوقائع السابقة والاتفاقيات الدولية، يؤكد أنه طالما نشأ احتلال جديد لقوى غير إسلامية في القدس، فتلقائيًّا، وبما لا يقبل مجالًا للشك، فإن القانون هو بقاء المسجد الأقصى على ما كان عليه قبل عام 1967، أي يجب أن يكون تحت سيطرة إسلامية خالصة، وهذا التعريف يتبناه الأردن والدول العربية”.

وأضاف أن الاحتلال يحاول تجاهل كل الأحداث التاريخية السابقة، ويُعرّف “الوضع الراهن” بوصفه عملًا سياديًّا إسرائيليًّا.

جندي من قوات الاحتلال يستهدف المصلين خلال اقتحام المسجد الأقصى المبارك في أبريل/نيسان 2022 (رويترز)

ويتفق أستاذ القانون الدولي الدكتور محمد الموسى مع الدكتور إبحيص في أن إسرائيل تلوي عنق النصوص وتغيّر الحقائق، وتذكر تفسيرات مختلفة “للوضع الراهن”، وفقًا للأحداث التاريخية التي تقر هي بها والتي حدثت بعد عام 1967.

ويشير الدكتور الموسى إلى أن ما يعنيه الإسرائيليون بالوضع الحالي هو أن القدس لهم، وأن الدولة يهودية ولها الحق في السيطرة على القدس كلها. أما الولايات المتحدة فلا تعترف بأي من وجهتي النظر، وتحاول وضع القضية على طاولة المفاوضات، أي أن ما يتفق عليه الجانبان هو “الوضع الراهن”.

ورفضت إسرائيل الأحداث التاريخية والمعاهدات والقوانين الدولية للوضع الراهن، واستولت بالقوة على حائط البراق، أحد جدران المسجد الأقصى، وأطلقت عليه اسم “حائط المبكى”، وصادرت مفاتيح باب المغاربة بالمسجد الأقصى، ودمّرت حي المغاربة الذي يقع أمام حائط البراق، وأنشأت ساحة كبيرة للمصلين اليهود، وهو ما يعدّه الفلسطينيون انتهاكًا للوضع الراهن.

وفي عام 2003، قررت الحكومة الإسرائيلية فتح حرم المسجد الأقصى بشكل أحادي أمام اقتحامات المتطرفين، في انتهاك واضح للوضع الراهن بمعناه الدولي.

حائط البراق في المسجد الأقصى (الأناضول)
المصدر : الجزيرة مباشر