عام في القصر: أسرار تنشر لأول مرة عن الرئيس مرسي [الحلقة العاشرة]

عام في القصر: أسرار تنشر لأول مرة عن الرئيس مرسي

لماذا اللواءُ عبد الفتاح السيسي، الذي وقعَ عليه اختيارُ الرئيسِ مُحمد مرسي ليكونَ وزيراً للدفاعِ؟!

تقرير | سليم عزوز

هذا هو الملفُّ الأكثرُ حساسيةً في هذا الموضوعِ، ليسَ فقط لأنّهُ اختلطتْ فيه الأساطيرُ بالأكاذيبِ، ولكنْ لأنّ الحقيقةَ فيهِ ربما تُؤذِي مشاعرَ البعضِ، عندما يرونَ أنّ الرجلَ لم يكنْ وقتَ اختيارِهِ الشيطانَ الرجيمَ، ولم يكنْ يفتعلُ التديُّنَ، وإنْ كانَ قد بالغَ في إظهارِ ذلكَ لطبيعتِهِ الشخصيةِ في التقرُّبِ لمَن فوقَه، وللمحيطينَ بهِ لكسبِ ثقتِهم، ولم يعُدْ أحدٌ مشغولاً بذكرِ حقيقتِهِ، فمنَ الأفضلِ التعاملُ على أنّه نتاجُ مؤامرةٍ، جرَى تخطيطُها منذُ قديمِ الأزلِ في دوائرِ الموسادِ والمخابراتِ الأمريكيةِ، وأنّ الأمرَ كلَّهُ هو تنفيذٌ لهذهِ المؤامرةِ، منذُ الثورةِ على مبارك، إلى إعلانِ فوزِ الدكتورِ محمد مرسي في الانتخاباتِ الرئاسيةِ، إلى عزلِ وزيرِ الدفاعِ ورئيسِ الأركانِ، لنصلَ إلى الحلْقةِ الأهمِّ وهي تعيينُهُ وزيراً للدفاعِ!

وقد استقرَّ رأيُ البعضِ على أنّه من الأفضلِ أنْ يكونَ الرئيسُ محمد مرسي ضحيةً لمؤامرةٍ كونيّةٍ، كانَ فيها مُسيَّراً لا مُخيَّراً، بدلَ أنْ يُقالَ إنّه من “أهلِ الغفلةِ”، وإنّهُ وثقَ فيمَنْ لا يجوزُ الثقةُ فيهِ، وإنّ ثقتَه لم تكنْ في محِلِّها، وأنّه ضحيةُ اختيارِهِ والتصميمِ عليهِ!

ومِن هنا تمّ استقبالُ رسائلَ، ساهمتْ وسائلُ إعلامٍ خارجيةٌ في التسليمِ بصحّتِها، تفيدُ أنَّ والدةَ عبد الفتاح السيسي يهوديةٌ، وأنَّها جاءتْ من المغربِ، وحصلتْ على الجنسيةِ المِصريةِ بعدَ الزواجِ، ما مكّن ابنَها من الالتحاقِ بالكليةِ الحربيةِ، لتكونَ المؤامرةُ الكونيةُ قد نُسجتْ خيوطُها مبكراً وقبلَ التفكيرِ في الإطاحةِ بمبارك، وإنْ كانَ هناك مَنْ يتحدثُ عن أنّ عمليةَ التجنيدِ لصالحِ هذه المؤامرةِ تمّتْ منذُ وقوعِ طائرةِ البطّوطي، إذ تخلّفَ أحدُ الضباطِ عن رحلةِ العودةِ إلى القاهرةِ، ليتمَّ تفجيرُها وهي تقلُّ عدداً من ضباطِ الجيشِ، لينجوَ واحدٌ هُو الضابطُ عبد الفتاح السيسي، ولم يكلفْ أحدٌ خاطرَه بالذهابِ إلى أرشيفِ الصحفِ في هذه الفترةِ، وهو متاحٌ سواءٌ في المؤسساتِ الصحفيةِ، أو في دارِ الكتبِ، ليكتشفَ أنَّ ما يتمُّ ترديدُهُ ليسَ صحيحاً!

ووصلَ الحالُ، إلى حدِّ تصديقِ “توفيق عكاشة” في دعايتِهِ بأنّهُ مَنْ دفعَ الإخوانَ المُسلمينَ إلى تصديقِ أنّ السيسي من الإخوانِ المسلمينَ، فبلعُوا الطعمَ. وفي الحقيقةِ أنَّ ما قالهُ “عكاشة” كانَ في مرحلةٍ تاليةٍ على الاختيارِ، وكانَ يقولُهُ في معرضِ الهجومِ على وزيرِ الدفاعِ الذي يحمِي النظامَ القائمَ، وهو دورٌ كانَ يقومُ بهِ لصالحِ أجهزةٍ أمنيةٍ أخرى، كانتْ مشكلتُها مع عبد الفتاح السيسي، أنّه وضعَ جهازَ المخابراتِ الحربيةِ على رأسِ كلِّ الأجهزةِ، وتمَّ تهميشُ الأجهزةِ الأمنيةِ الأخرَى. وليستْ جماعةُ الإخوانِ التي يمكنُ تضليلُها بإعلانِ أنَّ أحداً بعينِهِ من الإخوانِ، أو أنْ تصدّقَ ما يردّدُهُ البعضُ من أنّ فلاناً عضوٌ في الجماعةِ، صحيحٌ أنَّ التنظيمَ لا يُمسكُ دفاترَ بالعضويةِ، لكنْ لديهِ من الوسائلِ التقليديةِ، ما يمكّنهُ من معرفةِ إنْ كانَ فلانٌ عضواً في الجماعةِ أمْ لا؟، فالتنظيمُ لديهِ نظامُ الأسرِ، وكيفيةُ الانخراطِ فِيهِ، وطريقةُ دفعِ الاشتراكِ، والمذكورُ ليسَ واحداً من آحادِ الناسِ، ولكنهُ ضابطٌ كبيرٌ في الجيشِ، فهل يعقلُ أنْ تكونَ الجماعةُ لديها عضوٌ في هذه المكانةِ ولا تعرفُهُ، ويكونَ التعرّفُ عليهِ من خلالِ كلامٍ ردّدَهُ إعلاميٌّ موتورٌ؟!

وزير الدفاع الأسبق والرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي
مؤامرةُ الالتحاقِ بالكليةِ الحربيةِ:

ولأنّه تمَّ الاستغراقُ فِي نظريةِ المؤامرةِ، فقد اعتبرَ البعضُ أنَّ التحاقَهُ بالكليةِ الحربيةِ هُو جزءٌ منْها، فِي حينِ أنَّ الأمرَ- ببساطةٍ- هو أنّ الصبيَّ عبدَ الفتاح السيسي لمْ يلتحقْ بالكليةِ الحربيةِ بعدَ حصولِهِ على الثانويةِ العامةِ، فقد استفادَ من إنشاءِ المدرسةِ الثانويةِ الجويةِ بعد المرحلة الإعداديةِ سنةَ 1970، والتي كان قرارُ إنشائِها يرجعُ لما اكتشفَه الحكمُ بعدَ حركةِ ضباطِ الجيشِ سنةَ 1952، من عدمِ وجودِ العددِ الكافي من الطيارينَ، ويُذكرُ أنّهُ في إحدَى السّنواتِ لم يوجدْ من بينِ المتقدمينَ لكليةِ الطيرانِ، مَنْ يتمتّعُونَ باللياقةِ البدنيةِ المطلوبةِ، لسوءِ التغذيةِ، وهو ما أحزنَ عبدَ الناصر، وكانَ يبحثُ عن حلٍّ لهذهِ المشكلةِ، وبعدَ عدةِ سنواتٍ كانتْ فكرةُ استقبالِ مَن يريدونَ العملَ كطيارينَ مبكراً، للعنايةِ بهِم، وإذْ اعترضَ أحدُ قياداتِ سلاحِ الطيرانِ على ذلكَ، خوفاً من أنْ يكونَ من خريجِي هذه المدارسِ مَن لا يستوفونَ المواصفاتِ المطلوبةَ، فيكونَ لزاماً عليه قَبولُهم رغمَ ذلكَ، فأينَ سيذهبونَ؟.. وكانَ الرأيُ المدافعُ عن فكرةِ هذه المدرسةِ، أنَّ مَنْ لا يصلحُ يلتحقُ بالكلياتِ العسكريةِ الأخرَى.

ولمَّا لم تتوفرِ المواصفاتُ المطلوبةُ في شخصِ عبد الفتاح السيسي للالتحاقِ بكليةِ الطيرانِ، تقدَّمَ للكليةِ الحربيةِ. والجديرُ بالذكرِ هنا أنَّ رئيسَ الأركانِ السابقَ الفريقَ صدقي صبحي، في نفسِ طولِ عبد الفتاح السيسي، رغمَ أنّه لم يتخرجْ في الثانويةِ الجويةِ، فهل تمَّ التغاضِي عن المواصفاتِ الموضوعةِ ومصرُ تستعدُّ لحربِ أكتوبر؟ ربّما.. لاسيما أنَّهما التحقا بالكليةِ الحربيةِ قبلَ الحربِ مباشرةً، وإنْ تخرجَا فيهَا بعدَ أنْ ألقتِ الحربُ أوزارَها سنةَ 1977!

ومهما يكنْ فقد كانَ طموحُ السيسي أن يكونَ ضابطاً طياراً، وهو ما يحولُ دونَ أنْ يصبحَ وزيراً للدفاعِ أو رئيساً للأركانِ، وهي المواقعُ المقصورةُ على مَن تخرّجوا في الكليةِ الحربيةِ، الأمرُ الذي ينسفُ فكرةَ الخُطةِ المرسومةِ لهُ في جهازِ الموسادِ!

فكرةُ الأمِّ التي نزحتْ من المغربِ، حاملةً الديانةَ اليهوديةَ لتتزوجَ من “سعيد حسين خليل السيسي”، ضمنَ مخططٍ صهيونيٍ، تكذّبُها حقيقةٌ توصلت إليهَا من أحدِ مصادرِي، وهي أنَّ عائلتَها بالفعلِ في محافظةِ المنوفيةِ، وربّما تكونُ جِذورُها من المغربِ، لكنَّ والدتَه وُلدتْ في مصرَ، من أبٍ وأمٍّ مصريَّينِ مُسلمَينِ، وليسَ كلُّ العائلاتِ التي تمتدُ جذورُها للمغربِ أصولُها يهوديةٌ، ومصرُ فيها عائلاتٌ تاريخيةٌ جاءتْ من هُناكَ، واستوطنتْ محافظةَ قِنا على وجهِ التحديدِ، فمنَ المعلومِ أنَّ الجذورَ التاريخيةَ لكثيرٍ من الأشرافِ (الذين ينتمونَ لآلِ البيتِ) من المغربِ، كما أنَّ جذورَ قبيلةِ الهوّارةِ العريقةِ، ومنها شيخُ العربِ همّام، الذي تمَّ إنتاجُ مسلسلٍ تلفزيونيٍ باسمِهِ وسيرتِه، هي من المغربِ أيضاً، كما أنَّ مصرَ توجدُ بها قبائلُ من اليمنِ ومن شبهِ الجزيرةِ العربيةِ، بلْ ومن الأمازيغِ، حيثُ يعيشونَ في سِيوةَ!

حقيقةُ تديُّنِ السيسي:

لنصلَ هنا إلى النقطةِ الأكثرِ حساسيةً؟.. هل كانَ عبدُ الفتاح السيسي مُتديّناً حقاً، أمْ كانَ مُدّعياً يقومُ بدورِ المُتدينِ في مولدِ الرئاسةِ المنصوبِ؟

الذين استعنتُ بهِم لرسمِ شخصيتِه، كانَ حِرصْي ألا يكونُوا قد تعرفُوا عليهِ في الآونةِ الأخيرةِ عندَما صارَ وزيراً للدفاعِ، فقد عرَفُوهُ منذُ أنْ كانَ في رتبةٍ عسكريةٍ صغيرةٍ، وقد كانُوا مجردَ مجندينَ، وقد تواصلتُ مع كلِّ فردٍ منْهم على حدةٍ، بترشيحٍ من أصدقاءَ، هم أصلاً لا يعرفُ بعضُهُم بعضاً، ورغمَ أنَّ اثنَينِ منْهما من الوجهِ القبليِّ، فإنّهما من محافظتَينِ مُختلفتَينِ، ولم يكنْ التحاقُهما بالجيشِ في وقتٍ واحدٍ، وكانَ اللافتُ هو الامتناعَ عن ذكرِ أسمائِهم مع أنْ شهادتهم لصالحِهِ، لأنّهم يخشونَ أن يؤولَ كلامُهم ويُفسرَ على غيرِ محملِهِ  ؟ فكانَ قرارُهم سدَّ البابِ الذي تأتِي منه الريحُ، أيْ أنّهم ليسُوا أصحابَ مصلحةٍ فِي هذه الشهادةِ، وإنْ كانَ أحدُهم امتنعَ لأسبابٍ خاصةٍ بموقفِه السياسيِّ، وعندَما أقنعتُه بالإدلاءِ بشهادتهِ صوتاً وصورةً، وحينَ كنّا نتفقُ على الموعدِ المناسبِ لهِ، حدثتْ وفاةُ مرسي، فرأَى أنَّ كلَّ كلمةٍ لصالحِ السيسي هي خسارةٌ فيهِ، ومن ثمَّ تراجعَ عن الحوارِ!

كانَ السيسي شخصاً مُتديناً، ربّما قريباً من التدينِ الصوفيِّ. وكانَ معروفاً عنه أنهُ يستيقظُ من النومِ لصلاةِ الفجرِ، ثم يدورُ حولَ اللواءِ جرياً بالعساكرِ قبلَ الطابورِ الرئيسيِّ، وأنّه كانَ مُحافظاً على الصلاةِ في أوقاتِها في الوَحدةِ. وأنَّ العساكرَ كانُوا يحبّونَهُ، لأنّه كان يعاملُهم معاملةً محترمةً، وكانَ معروفاً عنه أنّه عسكريٌّ منضبطٌ.

وعندَما قالَ السيسي في الآونةِ الأخيرةِ إنَّه ظلَّ ثلاثينَ سنةً لم يصدرْ منه لفظٌ نابٍ، لم أكذّبْهُ لأنَّ شهاداتِ المجندينَ (مصادري) التي دوّنتُها تؤكّدُ هذا المعنَى!

ونقلَ أحدُهم عنهُ قولُهُ في هذه المرحلةِ: الصلاةُ ليستْ مجردَ ركنٍ من أركانِ الإسلامِ، ولكنّها بالإضافةِ إلى هذا هي سلوكٌ. وعندَما قامَ بعملِ مسابقةٍ بينَ العساكرِ، قالَ: أنا كبشرٍ أحاولُ أنْ أقسِمَ بينَكم بالعدلِ، لكنْ العدلُ المطلقُ عند ربّنا.

وقالُوا إنّه لم يكنْ يستغلُّ العساكرَ مثلَ بقيةِ القادةِ، وروَى أحدُهم قصةَ رشوةِ السمكِ التي قُدِّمتْ لهُ!

أحدُ العساكرِ أخبرَهُ أنّهم أصحابُ “حلقة سمك”، وأنّه يريدُ أنْ يأتِيَ لهُ بهديةٍ، واتّفقا على أنْ يكونَ موعدُهما الجمعةَ، وانتظرَه المقدَّمُ عبد الفتاح السيسي على ناصيةِ الشارعِ، وأخذَ الهديةَ وأصرَّ على دفعِ ثمنِها، وفي اليومِ التالي قالَ إنّه تذكّرَ أنَّ الجنديَّ مُجندٌ قدِمَ إليه بتاكسي أُجرة، وأصرَّ على دفعِ أجرتِهِ.

كانَ السيسي يُقيمُ في عمارةٍ – بناها والدُه وعمُّه- مع أبناءِ عمومتِهِ في مدينةِ نصر، وكانتْ نساءُ الأسرةِ، جميعُهُنّ، محجباتٍ، وقد تزوّجتْ شقيقتُهُ من ابنِ عمّهِ، وكانَ حريصاً علَى أنْ يحفظَ ابنُ شقيقتِهِ القرآنَ الكريمَ!

بلْ كانتْ زوجتُهُ في مرحلةٍ سابقةٍ مُنتقبةً، وعندَما رشّحهُ محمد حسين طنطاوي ليكون مُلحقاً عسكرياً بسفارةِ مصرَ في لندن، رفضَ فكرةَ أنْ تخلعَ النقابَ، فما كانَ من المشيرِ إلا أنْ أرسلَه إلى السفارةِ المصريةِ في السعوديةِ.

كانتْ علاقتُهُ مبكرةً بالمشير محمد حسين طنطاوي، ومن الواضحِ أنّه مَنْ حافظَ على استمرارِه في الجيشِ وتصعيدِهِ، مع كونِهِ مُتديناً، ومع إجبارِ طنطاوي نفسِهِ القادةَ الكبارَ في الجيشِ على صلاةِ الجُمعةِ في وحداتِهم حتى يضمنَ عدمَ تأثرِهم ببعضِ خطباءِ المساجدِ.

ابنُ الوزيرِ المدللُ:

بعدَ عودتِهِ من السعوديةِ، رقّاه المشيرُ طنطاوي قائداً للمنطقةِ الشماليةِ، وبعدَ ذلكَ عيّنه نائباً لمديرِ المخابراتِ الحربيةِ، ثمّ رشّحَه لمبارك مديراً للمخابراتِ الحربيةِ قبلَ الثورةِ بعامٍ واحدٍ.

وزير الدفاع الأسبق محمد حسين طنطاوي

كانُوا يطلقونَ عليه “ابنَ الوزيرِ المدللَ”، وكانُوا يقولونَ إنّه قادرٌ – مع كونهِ ذا رتبةٍ عسكريةٍ صغيرةٍ- على الدخول لمكتبِ وزيرِ الدفاعِ في أيِّ وقتٍ، وهُو ما كانَ سبباً في حقدِ كثيرٍ من الضباطِ عليهِ، فتفتّقَ ذهنُ بعضِهم عن الإضرارِ بهِ.

كانَ قد جاءَ للواءِ 120 للفرقةِ الثانيةِ هايكستب مشاة، برتبةِ مقدَّم أركان حرب، قادماً من مكتبِ الوزيرِ، الذي كانَ يرسلُه للتشكيلاتِ للترقيةِ ثم يعيدُهُ مرةً أخرى للوزارةِ، وكانَ قائدُ الفرقةِ هو اللواءَ محمد فريد التهامي الذي عُيّنَ مديراً للمخابراتِ العامةِ بعدِ الانقلابِ العسكريِّ وأُحيلَ للتقاعدِ في سنةِ 2014. وكانَ “المقلب”.

لقد حرّضُوا عليه مَن سرقَ منه “العُهدةَ” وهي “الفوارغُ” المُستخدمةُ في المناوراتِ، وكانَ معنَى هذا ضياعَ مستقبلِهِ، لكنَّ قائدَ الفرقةِ اللواءَ التهامي قامَ بالتغطيةِ عليه وأنقذَهُ من هذهِ الورطةِ!

وكانَ من سماتِهِ الشخصيةِ، الثقةُ الشديدةُ في الرؤَى، وعدمُ الثقةِ في أحدٍ، فلمّا أخبرَه ابنُ أختِهِ أنّه رأى فيما يرَى النائمُ أنّ أحدَ مساعديِهِ يخونُهُ تخلّصَ منهُ!

وكانَ يستعينُ كلَّ فترةٍ بطاقمٍ طبيٍ من الجيشِ للقيامِ بالتحليلِ الطبيِّ للعائلةِ، للتأكّدِ من خلوِهم من آثارِ الإدمانِ!

كانَ في هذه الفترةِ لا يشربُ الشاي ولا القهوةَ ولا السجائرَ!

وكانَ يعملُ حساباً لكلِّ شيءٍ، وإخوتُهُ يقولونَ لا نعرفُ ما يدورُ في رأسِهِ. وعندَما يتزوجُ قريبٌ لهُ زواجاً وَفقَ السلوكِ الإسلاميِّ يرسلُ الأسرةَ ويتغيبُ هو، حتّى لا يكونَ عرضةً للتصنيفِ الأمنيِّ، إذ إنَّ مبارك أطلقَ يدَ مباحثِ أمنِ الدولةِ في كتابةِ التقاريرِ في ضباطِ الجيشِ.

كانَ شقيقُه القاضي أحمد السيسي يعملُ في قطرَ ورجعَ لمصرَ بعد الانقلابِ العسكريِّ، وكان صديقاً للدكتورِ عبد الله بركات، ومُحباً له، ويحرصُ على حضورِ خطبِهِ عندما يكونُ في القاهرةِ، وهو مَنْ دعاه لعقدِ قرآنِ ابنِ أختِهِ.

الدكتور عبد الله بركات عميد كلية الدعوة الإسلامية الأسبق

والدكتورُ عبد الله بركات، هو عميدُ كليةِ الدعوةِ الإسلاميةِ بالأزهرِ الشريفِ، وقد خطبَ على منصبةِ رابعةَ، وتمّ سَجنُهُ خمسَ سنواتٍ بتهمةِ قطعِ طريقِ قليوب.

وصلتْ مناقبُ اللواءِ عبدِ الفتاح السيسي إلى الإخوانِ، عن طريقِ أحدِ الذينَ تعاملُوا معهُ عن قربٍ، وعرَفُوا خصالَه وانضباطَهُ العسكريَّ والتزامَه الدينيَّ، ومنْهم وصلتْ للرئيسِ محمّد مرسي، وقد عزّزتْها شهاداتٌ أخرَى صبّتْ جميعُها لصالحِهِ، فصهرُ الشيخِ عبد الخالق الشريف، وهو من الإخوانِ رشّحه لهم، وزكّاه شيوخٌ سلفيونَ آخرونَ، كانُوا يخطبونَ في مساجدِ مدينةِ نصر، وهم من السلفيينَ الذينَ يختلفونَ عن سلفيةِ حزبِ النورِ وياسر برهامي، فهم مُقربونَ من الإخوانِ، ويرونَ في الجماعةِ أنّها الأصلحُ لقيادةِ الأُمّةِ في الشأنِ السياسيِّ، ثمْ كانتْ تزكيةُ الدكتورِ محمد سليم العوّا!

الدكتور محمد سليم العوا (يمين) والشيخ عبد الخالق الشريف

ولا ننسَى أنَّ المجلسَ العسكريَّ قرّبَ السلفيينَ من هذا الفصيلِ إليهِ، لحشدِهِم في معركةِ إبعادِ الشيخِ حازم أبو إسماعيل عن الترشُّحِ لرئاسةِ الجمهوريةِ، وخرجُوا من هذه الاجتماعاتِ يبتهلونَ إلى اللهِ بأنْ ينصرَ المجلسَ العسكريَّ، ومن المؤكّدِ أنَّها كانتْ فرصةً للواءِ عبدِ الفتاح السيسي للتعاملِ معهم، وإظهارِ تديُّنِهِ، وهؤلاءِ كانُوا يحيطونَ بالدكتورِ مُحمد مرسي منذُ ترشّحِهِ للانتخاباتِ الرئاسيةِ وكانُوا من زوّارِهِ في القصرِ الرئاسيِّ.

أحدُ السلفيينَ الذينَ رشّحُوهُ، لا يملُّ في جلساتِهِ الخاصةِ من ذكرِ السيسي بما ليسَ فيهِ، حتى وصلَ بهِ الحالُ إلى ادّعاءِ اللباقةِ لهُ، فهو لَبِقٌ إذا تكلّمَ، يوشكُ أنْ يصفَه بالخطيبِ المفوّهِ، لكنّهُ حريصٌ أنْ يظهرَ الآنَ بالمتعثرِ في الكلامِ، لكسبِ تعاطفِ الناسِ، على العكسِ مما أجمعَ عليهِ الأربعةُ الذينَ تعاملُوا معهُ قديماً، فهم يؤكّدونَ أنَّها نفسُ طريقتِهِ في الكلامِ بدونِ ادعاءٍ أو افتعالٍ، فهو لا يجيدُ التعبيرَ بشكلٍ جيدٍ، هكذا عرَفُوهُ!

لكنْ هل رشّحهُ الإخوانُ وزيراً للدفاعِ، ولم يملكِ الرئيسُ مُحمّد مرسي سوَى الاستجابةِ لهم؟!

يذكرُ الدكتورُ سيف الدين عبد الفتاح، المستشارُ السابقُ لرئيسِ الجمهوريةِ، أنَّ الدكتورَ محمد مرسي ظلَّ لستةِ شهورٍ بعيداً تماماً عن تدخُّلِ الإخوانِ في إدارتِه للدولةِ.

وفي اعتقادِي أنَّ الرجلَ بذلكَ كانَ يعالجُ شرخاً بداخلِهِ، وهو أنَّه لمْ يكنِ المرشّحَ الأصليَّ، بلْ كانَ المرشّحَ الاحتياطيَّ للمهندسِ خيرت الشاطر، الأمرُ الذي استغلتْهُ المعارضةُ في الإساءةِ إليهِ وتجاوزِ حدودِ اللياقةِ بوصفِهِ مرشحاً “إسْتِبْن”، وفي قراراتٍ أخرَى لم يكنْ مجردَ مُتلقٍّ من قبلِ الجماعةِ، لأنَّ أيَّ تصرّفٍ غيرِ محسوبِ العواقبِ قد تدفعُ الجماعةُ بقياداتِها وأعضائِها ثمنَهُ، وربما كانَ بعضُ أعضاءِ الطاقمِ الرئاسيِّ يمثلونَ جسراً بينَ الجماعةِ والرئاسةِ في الأيامِ الأولى، وهم جميعُهم، لاسيما أعضاءُ الحملةِ من رجالِ خيرت الشاطر، وإنْ حرصُوا بعد ذلك على الذهابِ بعيداً عن الوصايةِ!

الدكتور سيف الدين عبد الفتاح مستشار الرئيس محمد مرسي الأسبق

ومن الواضحِ أنّ المهندسَ خيرت الشاطر لم يكنْ راضياً تمامَ الرضا عن هذهِ الإدارةِ المنفردةِ للرئيسِ، ثمّ تطورَ الأمرُ إلى الضجرِ، ونُقلَ عنه قولُهُ إنّ محمد مرسي لا يسمعُ الكلامَ!

شخصيةُ الرئيسِ:

وبعيداً عن الظاهرِ من شخصيتِهِ، فعندَما لجأتُ لمَنْ يعرفونَ الرئيسَ عن قربٍ لتحليلِ شخصيتِهِ، أجمعُوا على أنّه رجلٌ عنيدٌ، وصاحبُ شخصيةٍ قويةٍ، لا تقبلُ التنازلَ أو التفريطَ، وبعضٌ من ملامحِ شخصيتِهِ، كنتُ قد وقفتُ عليها بعدَ فوزِهِ مباشرةً، فلم يسبقْ لي أنْ التقيتُهُ، وكانتِ المرّةُ الوحيدةُ حينَ قابلتُهُ وجهاً لوجهٍ في مبنى التلفزيونِ المصريِّ، كانَ هو قد خرجَ من الاستوديو إلى “الحمّام”، وكنتُ في طريقِي للاستديو فانعطفتُ إلى “الحمّام”- وقد كانَ وقتَها رئيساً لحزبِ الحريةِ والعدالةِ – نظرَ إليّ ونظرتُ إليهِ، ولم أبادرْهُ بالسلامِ، فكانتْ لحظاتُ صمتٍ قبلَ أن يخرجَ هو لمنزلِهِ، وأدخلَ أنا الاستوديو!

كنتُ أريدُ أن أكوِّنَ انطباعاً عنهُ، لأنّي كنتُ مشغولاً بفكرةِ قوةِ الشخصيةِ هذِه، لمعرفةِ إن كانَ الرئيسُ الجديدُ قادراً على مواجهةِ الذئابِ أعضاءِ المجلسِ العسكريِ؟!، فالقوةُ أيضاً من مسوغاتِ الولايةِ في الفقهِ الإسلاميِّ، وقد رفضَ الرسولُ صلّى عليه وسلّمَ، أنْ يولِّي أبا ذرٍ الغفاري أحدَ الأمصارِ، وهُو مَن هُو في وَرعِهِ وصدقِ تديُّنِهِ، لكنّ الردَّ النبويَّ عليه كانَ: “يَا أبا ذرٍ إنّك ضعيفٌ وإنّها أمانةٌ”.

فِي فترةِ الدعايةِ الانتخابيةِ كتبتُ أنّ الدكتورَ محمد مرسي يفتقدُ شرطاً من شروطِ الولايةِ وهو القوّةُ، وردَّ عليَّ أحدُ الصحفيينَ الإخوانِ مُتهكّماً: “تنازلْنا لكَ عن القوةِ”، ولم يذكرْ شيئاً مما يعرفُ عن شخصيةِ الرجلِ، إنْ لم يكنْ ما عرفَ، كَما سمِعَ!

سألتُ أحدَ رؤساءِ الأحزابِ الذين كانُوا يحضرونَ في اللقاءاتِ الكثيرةِ للمجلسِ العسكريِّ، كيفَ سيتعاملُ معهم مُحمد مرسي، وقد كانَ بالأمسِ القريبِ يحضرُ مثلَكم، ربما مُتهيّباً هذا الحضورَ، في حضرةِ البذلاتِ العسكريةِ والنياشينِ والأوسمةِ والنجومِ والسيوفِ المتزاحمةِ على الأكتافِ؟!

فقالَ لي الرجلُ مُستنكراً: مَن؟!.. محمد مرسي؟!.. لقد كانَ في الاجتماعاتِ نارَ اللهِ الموقدةَ، يرفعُ صوتَه، ويخبطُ بيدِهِ علَى مائدةِ الاجتماعِ، وما يدخلُ بهِ يخرجُ بهِ (يقصدُ بذلك التمسكَ بالمطالبِ التي يريدُها حيثُ تتمُّ الاستجابةُ من قبلِ المجلسِ العسكريِّ).

لم يكنْ رئيسُ الحزبِ هذا على وئامٍ مع الإخوانِ، عندما قالَ لي ذلكَ، ولمْ يكنْ من مؤيدِي مرشحِ الإخوانِ في الانتخاباتِ الرئاسيةِ!

وعندما استمعتُ إلى شهاداتِ مَن عرفُوهُ عن قربٍ قبلَ هذهِ المرحلةِ، لم يدهشْني كثيراً هذا التحوّلُ في شخصيتِهِ عندما صارَ رئيساً، ربّما لفرطِ الإحساسِ بالمسؤوليةِ، وربّما لأنَّ الجانبَ الحادَّ لدى بعضِ الشخصياتِ لا يظهرُ إلا في التحدياتِ، وإذا تعرّضَ لاستفزازٍ، فقد ظهرتْ هذه الشخصيةُ العنيدةُ المقاتلةُ عندما أطاحَ بالمشيرِ محمد حسين طنطاوي، وظهرتْ في صمودِهِ الأسطوريِّ في السِّجنِ، لدرجةِ أنَّ ما شغلَ النظامَ الانقلابيَّ هُو فيما يفكّرُ محمد مرسي في سِجنِهِ الانفراديِّ، فكانَ أنْ أرسلُوا اثنينِ لقضاءِ بعضِ الأيامِ معهُ على التوالِي ولبضعةِ أيامٍ، الأول هو أحمد عبد العاطي  مدير مكتبه في الرئاسة الذي مكث معه ثلاثة أيام في سجن ملحق طره وبعد ذلك أرسلوا إليه المحامي الإخواني صبحي صالح في سجن برج العرب لعشرة أيام، وذلك في الفترة من 2015- 2016. وقد لأمت الأجهزة الأمنية عبد العاطي لأن حديثه معه لم يتطرق لموضوعات بعينها وقالوا إنهما كانا تحت المراقبة، وعموما فالرئيس كان قد أشارَ لهُما بما يؤكّدُ علمَه أنَّهم على الهواءِ، فلنْ يتحدثَ بما يتوقَّعوا أنْ يتحدثَ فيه.

المحامي صبحي صالح (يمين) وأحمد عبد العاطي مساعد الرئيس مرسي

عرَفَ التاريخُ الإسلاميُّ تحولاً في الشخصيةِ في بدايةِ تولِّي أبي بكر الصديق الحكمَ، وفي حوارِهِ مع عُمر بن الخطاب، عندما كانَا يناقشانِ أمرَ الذينَ خرجُوا على الدولةِ الإسلاميةِ فيما عُرفَ بحروبِ الردّةِ!

فعمر بن الخطابِ بكلِّ ما عُرفَ عنه من قوةٍ وحسمٍ، كانَ مع التهدئةِ، وأبو بكر الصديق بكلِّ ما عُرفَ عنه من لينٍ ودَعةٍ يواجهُ ضعفَه بردٍّ في قمةِ الخشونةِ: “أجبَّارٌ في الجاهليةِ خوّارٌ في الإسلامِ يا عُمر”، ثم يعلنُها حرباً ضروساً: “واللِه لو منعونِي عقالاً كانوا يؤيدّونهُ إلى رسولِ اللهِ لقاتلتُهم على منعِه”!

وشغلَ عباسَ محمود العقاد هذا التحوّلُ في شخصيتِهما، فأرجعَهُ إلى أنّ كلَّ واحدٍ منهما أرادَ أنْ يَظهرَ بخلافِ طبيعتِهِ مسيطراً على ذاتِهِ، مخافةَ أنْ تكونَ المشكلةُ في مسايرةِ طبيعةِ شخصيتِه!

بديلُ السيسي:

وكلٌّ منّا لابدَّ أنّه عاشَ هذا التحولَ في شخصيتِهِ عندَ مواقفَ بعينِها، أو عندَ ظروفٍ قد يتعرضُ لها، وكانَ مُحمد مرسي كذلك، بعدَ أن أبهرَ المصريينَ بقرارِهِ الشجاعِ بالإطاحةِ بالمُشير محمد حسين طنطاوي، عندئذٍ انتابَه تواضعُ الداعيةِ، وكانتِ الأمورُ بعدَ هذا القرارِ تحتاجُ إلى الشدةِ لمرحلةِ استقرارِ الحكمِ، وهذا التواضعُ دفعَ الشؤونَ المعنويةَ بالجيشِ إلى ترويجِ روايةِ استقالةِ طنطاوي وعنان وترشيحِهما لعبد الفتاح السيسي وزيراً للدفاعِ، لأنَّه ليسَ في مصلحتِهم أو في مصلحةِ السيسي نفسِهِ – مهما كانَ امتنانُه لمحمد مرسي- أنْ يبدوَ الرئيسُ قوياً في أذهانِ الناسِ، فيلتفّونَ حولَه، بما يمكنُه من أنْ يتحركَ فيسيطرَ على الجيشِ، بدلاً من أنْ يتركَه إقطاعيةً لعبد الفتاح السيسي، يديرُه بالنيابةِ عنه!

إنَّ هناك مَن يقولونَ إنَّ اختيارَ السيسي كان خاطئاً، بادّعاءِ الحكمةِ بأثرٍ رجعيٍّ، دونَ أنْ يُضبطوا متلبسينَ بترشيحِ بديلٍ لهُ عند الاختيارِ!

فإذا كانَ اختيارُ وزيرِ دفاعٍ لابدَّ أنْ يكونَ من أعضاءِ المجلسِ الأعلى للقواتِ المسلحةِ، على أساسِ أنَّهم من يعرفُهم الحاكمُ الجديدُ في الجيشِ الذي كانَ في السابقِ بعيداً عن الحكمِ، فلمْ تكنْ قياداتُه معروفةً لمن يشاركونَ في الحياةِ السياسيةِ؟!، وإذا كانَ مبارك في اختياراتِهِ دائماً منصبَ وزيرِ الدفاعِ بعد مرحلةِ أبو غزالة يأتِي بالوزيرِ من خارجِ قياداتِ الجيشِ، ومن المحالينَ للتقاعدِ، فإنَّ مبارك هو من داخلِ الجيشِ، ثمّ إنّ اللحظةَ لم تكنْ مناسبةً لاختيارِ أحدٍ من خارجِ المجلسِ العسكريِّ، ومَن يختارُ؟!

يقولونَ كانَ الأفضلَ للمنصبِ اللواءُ محمد العصّار؟ وماذا تعرفُونَ عن العصّارِ الذي هو من رجالِ طنطاوي داخلَ المجلسِ العسكريِّ، وقد استدعاهُ من التقاعدِ بعد الثورةِ ليحدثَ التوازنَ في تشكيلِ المجلسِ العسكريِّ، الذي كانتْ أغلبيتُه لصالحِ غريمِهِ الفريقِ سامي عنان؟!

ثم إنّ العصارَ لا يصلحُ بحسبِ التقاليدِ المستقرةِ لمنصبِ وزيرِ الدفاعِ أو لرئاسةِ الأركانِ، لأنّهُ ليسَ من خريجِي الكليةِ الحربيةِ، فقد تخرجَ في الفنّيةِ العسكريةِ.

اللواء محمد العصار

هناكَ قولٌ منسوبٌ لضابطٍ سابقٍ بالجيشِ، يتردّدُ أنّه اقتربَ من الرئيسِ عندما قامَ بتكريمِه ليقولَ له لا أحدَ يختارُ ضابطاً بالمخابراتِ ليكونَ وزيراً للدفاعِ، وهي روايةٌ على انتشارِها لم يتمَّ التحققُ من صحتِها. ولو صحّتْ لكانتْ بعدَ التعيينِ، وبعدَ أن بالغَ عبد الفتاح السيسي في إظهارِ أنّه أهلٌ لهذهِ الثقةِ. ثمّ إنّ السيسي ليسَ ضابطَ مخابراتٍ، حيثُ خدمَ في سلاحِ مشاةٍ ميكانيكيٍّ، وخبرةُ عبّود الزمر مثلاً في المخابراتِ الحربيةِ أكثرُ منه، لأنّه التحقَ بها ضابطاً صغيراً إلى رتبةِ المقدَّمِ، في حينِ أنّ خبرةَ السيسي فيها هي في السنةِ السابقةِ على الثورةِ نائباً لمديرِها ثم مديراً، وكانتْ خُطة طنطاوي أنْ يرشّحَه لمبارك بعدَ ذلك ليكونَ مديراً للمخابراتِ العامةِ، ليسيطرَ عليها لصالحِهِ بعيداً عن نفوذِ غريمِه اللواءِ عُمر سليمان!

عبود الزمر
السيسي هو الاختيارُ الأفضلُ:

في حدودِ علمِ الرئيسِ، ومن حيثُ الحكمُ بالظاهرِ، فإنَّ اللواءَ عبد الفتاح السيسي يعدُّ الاختيارَ الأفضلَ، فبجانبِ الشهاداتِ التي صدرتْ لصالحِهِ وتزكيتِهِ من شخصياتٍ معروفةٍ لديه، فإنَّه يعدُّ الخيارَ الأكثرَ أماناً من خلالِ رؤيتِهِ لهُ في الاجتماعاتِ الخاصةِ بالمجلسِ العسكريِّ، التي حضرَها الدكتورُ محمد مرسي بصفتِهِ رئيسَ حزبِ الحريةِ والعدالة!

فلمْ يكنْ عبد الفتاح السيسي من “أهلِ الوجاهةِ” في الاجتماعاتِ، فلم يكنْ صاحبَ رأيٍ، ولم يكنْ يتحدثُ فيها، أو يطلبُ الكلمةَ، كانَ عملُه أقربَ إلى عملِ السكرتاريةِ حيث يدوِّنُ ما يدورُ فيها، لدرجةِ أنَّ من كانُوا يحضرونَ لأوّلِ مرةٍ كانُوا يسألونَ الأقدمَ منهم من يكونُ هذا الضابطُ الحاضرُ لاجتماعاتِ المجلسِ الأعلى للقواتِ المسلحةِ دونَ أنْ يكونَ لحضورِه معنَى. وهو سؤالٌ وجّهَه في ذاتِ اجتماعٍ الدكتورُ أيمن نور رئيسُ حزبِ غدِ الثورةِ، للمهندسِ أبو العلا ماضي رئيسِ حزبِ الوسطِ. فلمْ يكنْ عبد الفتاح السيسي مثلَ غيرِه من أعضاءِ المجلسِ العسكريِّ الذينَ ينفعلونَ مع ما يدورُ فيها بالصمتِ والاهتمامِ، فقد كانَ منهمكاً في الكتابةِ والتدوينِ!

الدكتور أيمن نور (يمين) والمهندس أبو العلا ماضي

وإنْ كانَ هو من أوكلَ إليه طنطاوي عقدَ لقاءاتٍ مع شبابِ الثورةِ، فهو ذراعُهُ اليُمنى، الذي كلفَهُ بمَهمةِ سدِّ الفراغِ الناتجِ عن غيابِ جهازِ مباحثِ أمنِ الدولةِ بعد الثورةِ، وحتى لا تجدَ المخابراتُ العامةُ فراغاً تتمدّدُ فيه، فلما ثارَ نزاعٌ على الاختصاصِ بينَ الجهازينِ حسمَه طنطاوي باعتبارهِ حاكمَ البلادِ لصالحِ المخابراتِ الحربيةِ!

فإذا كانَ هذا الشخصُ المهمشُ، لديه من سماتِ الصلاحِ والتقوى فلماذا لا يكونُ هو البديلَ للمشير محمد حسين طنطاوي!

كانَ من رأيِ المهندسِ خيرت الشاطر أنْ يتولّى الفريقُ أوّل سامي عنان منصبَ وزيرِ الدفاعِ، ولكنّ المشكلةَ كانتْ تكمنُ في أنهُ تمَّ تشويهُهُ بما يكفِي، فبعضُ الصحفِ نشرتْ عن فسادِه ووقائعِ فسادٍ خاصةٍ بزوجتِه الموظفةِ في وزارةِ الماليةِ بعدَ السنِّ القانونيةِ، وذلكَ في فترةِ حكمِ المجلسِ العسكريِّ، ولم يكنْ يغيبُ عن فطنةِ كثيرينَ أنّ هذا يتمُّ بدفعٍ وحمايةٍ من قبلِ غريمِه الأكبرِ في المجلسِ العسكريِّ، رغمَ أنه بعدَ تنحِّي مبارك بالغَ في إظهارِ الولاءِ العسكريِّ للأقدميةِ التي يمثّلها المشيرُ محمد حسين طنطاوي، وللرتبةِ الأعلى التي يحملُها، ولم يحاولْ أنْ يلعبَ منفرداً، وقدْ خسرَ كلَّ خياراتِه، ومنها استمرارُ الفريقِ أحمد شفيق رئيساً للحكومة، وخسارتُه الأغلبيةَ في المجلسِ العسكريِّ، وآخرُ هذه الخياراتِ هو فوزُ أحمد شفيق في انتخاباتِ الرئاسةِ، فهو من اتّصلَ به وهنّأهُ بالنجاحِ قبلَ يومٍ من ظهورِ النتيجةِ!

ولا نستطيعُ أنْ نتجاهلَ الجانبَ النفسيَّ في الموضوعِ، فعنان كانَ يتمنّى فوزَ شفيق، وهنّأهُ بالنجاحِ، والدكتورُ محمد مرسي عرضَ منصبَ وزيرِ الإعلامِ على عَمرو الليثي، لمجردِ أنْ خاطبَه وهو يحاورُه في جولةِ الإعادةِ بـ “سيادة الرئيسِ”، فلمّا اعتذرَ عن المنصبِ الوزاريِّ عيّنه مستشاراً وقرّبه منه، وهو ما أوغرَ صدورَ الآخرينَ من مقدّمِي البرامجِ في القنواتِ التلفزيونيةِ، فاتصلُوا بمَن يعرفونَ ولهم صلةٌ بالرئيسِ ليسألُوا: “وأينَ نحنُ”؟!، وجزءٌ من حملتِهِم على الرئاسةِ بعدَ الإطاحةِ بالحكمِ العسكريِّ، كانَ لإثباتِ قدرتِهم على الفعلِ، لعلّهم يتلقّونَ رداً إيجابياً لسؤالِهم: “أينَ نحنُ”؟ والذي طرحَه هذا الاحتفاءُ الزائدُ بعَمرو الليثي، لمجردِ أنْ خاطبَ الدكتورَ محمد مرسي بـ “سيادة الرئيسِ” قبلَ فوزِه!

ويتردّدُ أنْ سامي عنان قالَ للرئيسِ أما وقد عزلتَني فإني أحذّركَ من هذا الولدِ.. ليسَ جيداً. لكن لا يُغني حذرٌ من قدرٍ!

لعلّ الرئيسَ سخِرَ في نفسِهِ وهو يستمعُ لهذا التحذيرِ، فقد تأكّدَ بنفسِه من إخلاصِ السيسي له، حتّى قبل هذه الشهاداتِ، فهو الذي حذّرَه في يومِ جنازةِ جنودِ رفح، من المشاركةِ في تشييعِ الجنازةِ، فالملأُ يأتمرونَ بكَ، فتراجعَ عن المشاركةِ في اللحظةِ الأخيرةِ، وتأكّدَ أنّها نصيحةٌ مخلصةٌ بعد أن تمَّ الاعتداءُ في الجنازةِ على رئيسِ الحكومةِ الدكتورِ هشام قنديل، لقد كانَ مستهدفاً هو بالفعلِ!

بعدَ اختيارِه بالغَ عبد الفتاح السيسي في إظهارِ الولاءِ للرئيسِ وللمقربينَ بهِ، بشكلٍ مثيرٍ، فمَهما كانَ تواضعُ الكبارِ، فإنّه لا ينبغِي أنْ يتجاوزَ حدوداً معينةً، يختلطُ فيها التقديرُ بالنفاقِ، أو أنْ يتجاوزَ الاحترامَ إلى مساحةِ التزلّفِ!

ذاتَ مرةٍ كان يُمصْمصُ شفاه ويقلّبُ كفَّيهِ لأنّ الناسَ ترفضُ أنْ يحكمَ شرعُ اللهِ، وكانَ على الرئيسِ أن يهدِّئَ رَوعَه، فالناسُ لم تجتمعْ على الإيمانِ باللهِ يا عبد الفتاح!

وذاتَ مرةٍ قالَ إنهم قضَوا حياتَهم العسكريةَ في خدمةِ حاكمٍ، فألا يكونُ من حقِّهم أنْ يختمُوها في خدمةِ “شرعِ ربُّنا”!

ومرةً قالَ بإذنِ اللهِ سيكونُ الجيشُ المصريُّ هو أكبرَ جيشٍ إسلاميٍّ في التاريخِ!

وذاتَ مرةٍ فتحَ بابَ السيارةِ لأحدِ الدعاةِ السلفيينَ!

وهذه حكايةٌ رواها الشيخُ محمد الصغير مستشارُ وزيرِ الأوقافِ!

الشيخُ محمد الصغير مستشارُ وزيرِ الأوقافِ

بعد أنْ فرغُوا من الصلاةِ في الرئاسةِ، وغادرَ الجميعُ، وبقِيَ الرئيسُ يتلو بعضَ الأذكارِ، كانَ عبد الفتاح السيسي يحملُ حذاءَه بالقربِ من البابِ!

الشيخ الصغير: تفضلْ يا معالِي الوزير!

الوزير: تفضلْ فَضِيلتك!

الشيخ: معاليكُم على اليمينِ!

الوزير: هناك أكثرُ من مبررٍ لخروجِكم أولاً قبل حكايةِ اليمينِ والشمالِ، فأنتم علماؤُنا!.. وعموماً لا يجوزُ لي الخروجُ قبلَ خروجِ القائدِ الأعلى للقواتِ المسلحةِ. ونظَرَ إلى حيثُ يجلسُ الرئيسُ يتلو أذكارَه!

ونُقلَ عن الشيخِ محمد حسّان قولُهُ إنّه عندَ دخولِه مكتبَ عبد الفتاح السيسي فُوجئَ بما أفزعَه، لقد وجدَه يقومُ ويؤدّي له التحيةَ العسكريةَ، برفعِ يدِهِ وضربِ قدَمِهِ بالأرضِ، وهو يقولُ له إنني أُعطي التحيةَ العسكريةَ للرئيسِ كبروتوكولٍ، لكني أؤدِّيها لكَ كعالمٍ!.. وهل العلماءُ يُستقبلونَ بالتحيةِ العسكريةِ؟!

فهل يمثّلُ دوراً، وهذا الدورُ جزءٌ من مؤامرةٍ يستدعِي أنْ يبالغَ في اصطناعِ التديُّنِ!

حقيقةً أنهُ بحسبِ الظاهرِ من السلوكِ أنَّ السيسي كانَ متديِّناً فعلاً رغمَ ما فعلَ؟ ولماذا نتجاهلُ أنَّ من أفتَى بالقتلِ هو عالمٌ بحجمِ علي جمعة، ومن ركنَ للذين ظلمُوا علامةُ الصلاةِ في وجهِه بحجمِ خَتمِ النَّسرِ وهو الشيخ ياسر برهامي!

وهذا الافتعالُ في التودّدِ هو جزءٌ من طبيعةِ شخصيتِهِ، ففكرةُ الانقلابِ كانتْ لاحقةً على هذه المواقفِ!

إذن أينُ تكمنُ المشكلةُ؟!

هذا ما سنوضّحُه في الحلْقةِ الخاصّةِ بعلاقةِ مُحمد مرسي بمكوّناتِ الدولةِ المِصريةِ.

لمتابعة الحلقة الأولى يرجى الضغط هنا
لمتابعة الحلقة الثانية يرجى الضغط هنا
لمتابعة الحلقة الثالثة يرجى الضغط هنا
لمتابعة الحلقة الرابعة يرجى الضغط هنا
لمتابعة الحلقة الخامسة يرجى الضغط هنا
لمتابعة الحلقة السادسة يرجى الضغط هنا
لمتابعة الحلقة السابعة يرجى الضغط هنا
لمتابعة الحلقة الثامنة يرجى الضغط هنا
لمتابعة الحلقة التاسعة يرجى الضغط هنا
المصدر : الجزيرة مباشر