عام في القصر: أسرار تنشر لأول مرة عن الرئيس مرسي [الحلقة الثامنة]

عام في القصر: أسرار تنشر لأول مرة عن الرئيس مرسي

لَمْ يكَدِ الحُكمُ الجديدُ يُفيقُ مِنْ ردّةِ الفعلِ علَى تشكيلِ الحكومةِ، حتَّى فُوجِئَ بأزمةٍ جديدةٍ تمثّلتْ فِي عملٍ إرهابيٍّ راحَ ضحيتَهُ 16 ضابطاً وجنديّاً.

كما أُصيبَ سبعةٌ (فِي بعضِ التّقديراتِ) عَلَى الحدودِ فِي سيناءَ.

تقرير سليم عزوز:

تشكيلُ الحكومةِ كَمَا بيَّنَّا فِي الحلْقةِ السّابقةِ أصابَ الثّوارَ بصدمةٍ، وهِيَ صدمةٌ أصابتِ الثّوارَ حتَّى مِنْ جماعةِ الإخوانِ المُسلمينَ، وكتبَ الدّكتورُ مُحمّد البلْتاجي عَلَى صفحتِهِ عَلَى “الفِيس بوكْ” مَا يؤكّدُ عدمَ الرضَا عَنْ هذَا الاختيارِ ولحكومةٍ وصفْتُ أعضاءَها فِي مقالٍ بجريدةِ “الأحرار” بأنَّهُم أصحابُ القامَاتِ المُنخفضةِ.

لقدْ كتبَ الدّكتورُ البلْتاجي: “أردْنَاها حكومةً حقيقيّةً للثّورةِ، يشكّلُها أوّلُ رئيسٍ مُنتخَبٍ للوطنِ، وتمنَّيناهَا قادرةً علَى إحداثِ التّغييرِ اللازمِ فِي بنيةِ مُؤسّساتِ الوطنِ…” مُشيراً إلَى أنَّ “بعضَ الاختياراتِ فِي الحكومةِ تحقِّقُ ذلكَ، لكنْ لأسبابٍ لَا نعلمُهَا تمَّ السّماحُ بوجودِ وزراءَ ينتمُونَ للثّورةِ إلَى جانبِ عددٍ مِمَّنْ ساهمُوا فِي بناءِ الدّولةِ العميقةِ التِي قامتْ ضدَّها الثّورةُ… فهلْ سيلتزمُ هؤلاءِ الوزراءُ بقواعدِ إعادةِ البناءِ علَى أساسِ أهدافِ الثّورةِ، أمْ سيعيدُونَ سيرتَهُم الأُولَى فتكُونَ أنتَ (يقصدُ الرّئيسَ) الذِي سمحتَ لَهُم أنْ يباعدُوا بَينَكَ وبينَ الجماهيرِ التِي أحبَبَتْكَ وارتضَتْكَ لاسْتكمالِ مسيرةِ الثّورةِ؟!”

ورغمَ هذهِ الكلماتِ المُنتقاةِ بعنايةٍ، والتِي انطلقتْ مِنْ قلبٍ مُحبٍّ، إلَّا أنَّ الدّكتورَ عبدَ الرحمن البَرّ، عضوَ مكتبِ الإرشادِ بالجماعةِ صرَّحَ بأنَّ “تصريحاتِ البلْتاجي ورأْيَهُ فِي الحكومةِ ليسَ لَهُما علاقةٌ برأيِ الجماعةِ أَو قرارِها، وطَالَما اختارَ الرّئيسُ والدّكتورُ هشام قِنديل وزراءَ ينتمُونَ للنّظامِ السّابقِ فهذَا لأنَّهُ قدْ رأَى أنَّهُم الأصلحُ لتولِّي هذِه الملفّاتِ”!

الدكتور محمد البلتاجي (يمين) والدكتور عبد الرحمن البر

كانَ واضحاً – لَاسيَّما بعبارةِ “.. لأسبابٍ لَا نعلمُها”- أنَّ الدّكتورَ البلْتاجي خارجُ دائرةِ الحُكمِ، وليسَ مِنْ أصحابِ الرأيِ فِي عمليةِ التشكيلِ، ولَو مِنْ بابِ استشارةِ أهلِ الحُكمِ لواحدٍ مِنْهم يُمثّلُ الثّورةَ فِي هذهِ الجماعةِ الإصلاحيّةِ، واللافتُ أنَّهُ لَمْ يقُلْ إنَّهُ يعبِّرُ عَنْ رأيِ الجماعةِ أَو قرارِها، حتَّى يبادرَ الدّكتورُ البَرّ، بإعلانِ أنَّهُ لَا يعبِّرُ عنِ الرأيِ ولَا القرارِ داخلَ التّنظيمِ، وقدْ أعادَ “البَرّ” التأكيدَ علَى أنَّ قيمَ الجماعةِ هِيَ التِي تحكُمُ الدّولةَ، “فالقيادةُ – ولَا شكَّ- أعلمُ مِنَ الأفرادِ فِي التّنظيمِ بالأنسبِ والأصلحِ”، وطالمَا أنَّ الرّئيسَ ورئيسَ حكومتِهِ اختارُوا وزراءَ ينتمُونَ للنّظامِ السّابقِ، فهُم أدْرَى. وهُو منطقٌ وإنْ كانَ يصلحُ للتّنظيماتِ العتيقةِ فإنَّهُ لَا يجوزُ أنْ ينتقلَ لسُلطةِ الحُكمِ، فالشّعبُ مِنْ حقِّهِ أنْ يعرفَ، وواجبُ القيادةِ أنْ تردَّ وتوضِّحَ!

مذبحةُ سيناءَ:

وجاءتْ مذبحةُ سيناءَ ليتجاوزَ النّاسُ صدمةَ تشكيلِ الحكومةِ، فهُمْ أمامَ صدمةٍ أعنفَ، والذِي ضاعفَ تداعياتِها، أنَّهُ بدَا أنَّ المجلسَ العسكريَّ يدفعُ فِي اتّجاهِ تحميلِ الرّئاسةِ وِزْرَ مَا جَرَى، فكانَ الهجومُ علَى الرّئيسِ فِي الإعلامِ والذِي وصلَ إلَى حدِّ إهدارِ دمِهِ عياناً بياناً، ومِنْ قِبلِ “توفيق عُكاشة” الذِي كشفَ بعدَ ذلكَ بنفسِهِ دورَهُ، وأنَّهُ كانَ فِي تنسيقٍ معَ الأجهزةِ الأمنيّةِ والمجلسِ العسكريِّ!

لَقدْ زادَ وعادَ فِي أنَّهُ يهدرُ دمَ مُحمّد مُرْسي: “عندِي أنصارْ يِشِيلُوا الهرمْ وِيْوَلَّعُوا الدُّنْيَا نارْ لَو مَا تْلمِّتُوشْ يَا مُرْسي، وأنَا أهْدرتْ دَمَّكْ زَيْ مَا حللتْ دَمِّي، يَا أَفَنْدِي يالْلِي قاعدْ فِي القصرْ الجمهوريْ، ووجودُكْ غيرْ شرعيْ ومَا اعْرفْشِي قاعدْ عَلى أساسْ إيهْ؟”

إنَّها إشارةٌ تتجاوزُ فكرةَ الفشلِ فِي حمايةِ الجنودِ، إلَى التواطُؤِ معَ القتلةِ، وكانتِ الدّعايةُ الرّائجةُ، هِيَ أنَّ الرّئيسَ يغلُّ يدَ الجيشِ عنِ القبضِ علَى الجناةِ، لأنَّهُم مِنْ أهلِهِ وعشيرتِهِ.. هكذَا!

تهديدٌ واضحٌ وصريحٌ، ويُعاقِبُ عليهِ القانونُ، ويستدعِي القبضَ فوراً علَى المُحرِّضِ، والذِي لَمْ يكتفِ بالتحريضِ علَى القتلِ وإهدارِ دمِ الرّئيسِ، لكنَّهُ أهانَهُ، فهُوَ عندَهُ “مُرْسي”، و”أَفَنْدِي”، ووجودُهُ غيرُ شرعيٍّ، وموجودٌ فِي القصرِ بدونِ صفةٍ.

وَانْضمَّ إليهِ “مُصطفَى بكْري” و”مُحمّد أبو حامد”، والأوّلُ علاقتُهُ بالمجلسِ العسكريِّ معروفةٌ، والثّانِي هُو رجلُ نجيب ساويرس، وإذَا لَمْ يكُنْ يقومُ هُو بالتّنسيقِ المُباشرِ معَ الطّرفِ الثّانِي فِي السُّلطةِ، فقدْ يكونُ التّنسيقُ يقومُ بهِ كفيلُهُ، صاحبُ السّوابقِ فِي القيامِ بأعمالِ الوكالةِ، الّذِي كُلِّفَ بعْدَ الثّورةِ بحرقِ الفريقِ أحمدَ شفيق سياسيّاً، لتمهيدِ الأرضِ للمجلسِ العسكريِّ لإقالتِهِ مِنْ رئاسةِ الحكومةِ، وذلكَ فِي اللقاءِ التّلفزيونيِّ فِي قناتِهِ “أون تي في”، حيثُ دُعِي شفيق لمُقابلةٍ تلفزيونيّةٍ، وفُوجِئَ فِي الأستوديو بوجودِ علاء الأسواني وحمْدي قِنديل، وهُو اللقاءُ الذِي حضرَهُ نجيب ساويرس بدونِ صفةٍ مُعلنةٍ إلَّا أنَّه صاحبُ المَحِلِّ، أقصدُ القناةَ!.. وفِي اللقاءِ استباحَ الأسواني، أحمدَ شفيق باعتبارِهِ مِنَ الفلولِ، وكانَ المجلسُ العسكريُّ ينتظرُ، ليعزلَهُ مِنْ رئاسةِ الوزراءِ، ويُعيّنَ رئيسَ حكومةٍ ضعيفِ الشّخصيةِ هُو وزيرُ النّقلِ السّابقِ الدكتورُ عصام شرف، وكلٌّ كانَ يغنِّي علَى ليلَاه، وليلَى فِي العراقِ مريضةٌ.

محمد أبو حامد (يمين) ومصطفى بكري (وسط) و توفيق عكاشة

أبُو حامد جاءَ مِنَ المجهولِ السّياسيِّ، وهُو كانَ مجرّدَ “مُحفّظٍ للقرآنِ” وقدْ تبنَّاهُ “إخوانُ العجوزةِ”، وهُم الذينَ رشَّحوهُ ليكونَ مُحفّظاً – فِي مرحلةٍ تاليةٍ- بمسجدِ الحُصَرِي الشّهيرِ فِي مدينةِ السّادسِ مِنْ أكتوبر، وكانَ الإخوانُ مَنْ يدفعُونَ لهُ راتبَهُ، وإذْ فجأةً تبنَّاهُ نجيب ساويرس، لأسبابٍ غيرِ معروفةٍ، فنحنُ لَا نعرفُ لماذَا يتبنَّى رجلُ الأعمالِ المسيحيُّ شخصياتٍ بعينِها لهَا اتّصالٌ بأفكارٍ يفترضُ أنَّها لَا تهمُّهُ، ومِنْ أوّلِ سيّد الْقِمَنِي، إلَى خالد مُنتصر، إلَى إبراهيمَ عيسى، كمَا تبنَّى نبيل نعيم أحدَ الأشخاصِ المحسوبينَ علَى التّيارِ الدينيِّ، بعْدَ خُروجِهِ مِنَ السِّجنِ، ومُصطَفَى راشد الذِي استدعاهُ بالزيِّ الأزهرِيِّ فِي مهرجانٍ فنِّيٍ بالجُونة، وقدّمَهُ علَى أنَّه مُفتي أستراليا، وهذَا ليسَ صحيحاً، فهَلْ يشغلُهُ حقيقةً تجديدُ الفكرِ الإسلاميِّ؟.. ولمَاذَا لَا يشغلُهُ تجديدُ الفكّرِ المسيحيِّ؟!

نبيل نعيم (يمين) وإبراهيم عيسى و سيد القمني وخالد منتصر

لَقدْ دفعَ نجيب ساويرس، عبرَ حزبِهِ المِصريّينَ الأحرَار، بالمُحفّظِ السّابقِ للقرآنِ لدَى الإخوانِ، ليخوضَ انتخاباتِ مجلسِ الشّعبِ بعدَ الثّورةِ، فِي دائرةِ بُولَاق أبُو العِلَا، فنجحَ هُوَ وسقطتْ سياسيّةٌ محسوبةٌ عَلَى الثّورةِ وهِيَ الإعلاميّةُ جميلة إسماعيل، والتِي طلبَ الإخوانُ إكراماً لَهَا، أنْ يخلُوا لهَا الدائرةَ لكنَّها رفضتِ التّنسيقَ معَهُم، ولمْ يتركْ لهَا ساويرس وتابعُهُ الدّائرةَ، إنْ كانتِ الثّورةُ هيَ شاغلَهُما، وهيَ التِي لهَا قَدمُ صدقٍ فِي الوقوفِ ضدَّ مُبارك بعْدَ اعتقالِ زوجِها حينذاكَ الدّكتورِ أيمن نور، إنْ كانتِ الثّورةُ شاغلَهُ فعلاً، حدَّ أنَّه انحازَ لفكرةِ إسقاطِ رئيسِ الحكومةِ المُعيّنِ مِنْ قِبلِ مُبارك الفريقِ أحمدَ شفيق، وإخلاصاً للفكرةِ فقدْ حضرَ بنفسِهِ مراسمَ حرقِهِ سياسيّاً فِي أستوديو قناةِ “أون تي في”. فِي حينِ أنَّ “أبُو حامد” لَمْ يكُنْ يُعرفُ لَهُ موقفٌ سياسيٌّ قبلَ الثّورةِ، والذِي جاءَ مُتطفِّلاً علَيهَا، لنُفاجَأَ بِهِ معَ النّائبِ زياد العِلَيمِي يتحدّثُ باسمِها بعْدَ نجاحِهِ فِي انْتخاباتِ مجلسِ الشّعبِ، ويقفُ بجانبِهِ عَلَى “سُلَّمِ نِقابةِ الصّحفيّينَ” ويُعلنانِ مِنْ هُناكَ انطلاقَ كيانٍ مَهمتُهُ الدّفاعُ عَنِ الثّورةِ، وهُوَ كيانٌ ماتَ قَبلَ أنْ يُولدَ، وبدَا أنَّ المُستهدفَ بِهِ هُوَ هذِهِ “اللقطةُ” عَلَى “سُلَّمِ النِّقابةِ”، وأمَامَ حشدِ الكاميرات وعدساتِ المُصوِّرينَ!

انتماءُ زياد العِلَيمِي للثّورةِ أصيلٌ، لكنَّ هذَا “الوافدَ” علَيهَا لَا تربطُهُ بِهَا علاقةٌ.. وقدْ كانَ كفيلُهُ العامُّ، مِنْ رجالِ الأعمالِ المُعتمدينَ لدَى نظامِ مُبارك، ومِنَ المحسوبينَ علَى عهدِهِ ويُمثّلُ طبقةً مِنْ طبقاتِ فسادِهِ، يكفِي أنْ نعلمَ أنَّ تنازلَ الدّولةِ لَهُ عَنْ شبكةِ المحمُولِ الأُولَى، كانَ بدونِ مبرّرٍ موضوعيٍّ، لكنَّهُ ركِبَ الثّورةَ كَمَا ركِبَها غيرُهُ!

زياد العليمي (يمين) وجميلة إسماعيل
إعلانُ الحربِ:

الثّلاثِي “توفيق عُكاشة”، و”مصْطفَى بكْري”، ومحمّد أبُو حامد”، أعلنَ الحربَ علَى الرّئيسِ مُحمّد مُرْسي، وعلَى جماعةِ الإخوانِ المُسلمينَ، وأطلقُوا الدّعوةَ إلَى إسقاطِهِ يومَ 24 أغسطس 2012، وبعْدَ تسعةَ عشرَ يوماً مِنْ ارتكابِ مجزرةِ سيناءَ، وتتراوحُ الاتّهاماتُ الموجّهةُ للرّئيسِ وجماعتِهِ، مِنَ الفشلِ فِي حمايةِ الجنودِ، إلَى التواطُؤِ معَ الجناةِ، لأنّهم مِنَ الأهلِ والعشيرةِ!

وكانتْ فرصةً لحمْدين صباحي ليجدّدَ آمالَهُ العريضةَ التِي لَا تتوقّفُ أبداً، فأطلقَ الدّعوةَ بتعديلِ مُعاهدةِ السّلامِ معَ إسرائيلَ، وهِيَ الدّعوةُ التِي ردّدَها أيضاً الفصيلُ المُنتمِي إليهِ؛ علَى أساسِ أنَّ هذهِ المُعاهدةِ كبّلتْ وجودَ القوّاتِ المِصريّةِ هُناكَ، حدَّ أنَّها لَمْ تستطعِ التصدِّي للجناةِ.

إنَّ حمْدين الذِي بنَى سمعتَهُ السّياسيةَ علَى رفضِ الاتفاقيةِ، أعلنَ فِي حملتِهِ الانتخابيةِ احترامَهُ كلَّ المُعاهداتِ الدوليّةِ، وكانَ هذَا الإعلانُ مِنْ أيِّ مرشّحٍ يُفهمُ مِنهُ أنَّ المقصودَ بهَا اتفاقيةُ السّلامِ مَعَ إسرائيلَ، لكنَّهُ هُنَا يمارسُ الابتزازَ السّياسيَّ، فإنْ لمْ يُفلحْ بدفعِ الرّئيسِ إلَى ذلكَ، وهُو مَا يعنِي رسميّاً نهايةَ حكمِهِ مُبكّراً، فإنَّهُ قدْ نجحَ فِي المُزايدةِ علَيهِ. وقدْ أكَّدَ أنَّهُ لنْ يُشاركَ فِي مُظاهراتِ عزلِ الرّئيسِ، لأنَّ هذهِ المُظاهراتِ فيهَا دعوةٌ للعنفِ، وإنْ عدَّلَ جزئيّاً فِي تصريحاتِهِ بعدَ ذلكَ، وقالَ إنَّ مُرْسِي لنْ يحقّقَ مطالبَ المصريّينَ، وإنْ كانَ لنْ يمنعَ أنصارَهُ مِنَ المُشاركةِ فِيهَا، وعلّلَ عدمَ مُشاركتِهِ بالإضافةِ إلَى هذَا برغبتِهِ فِي إعطاءِ فرصةٍ للرّئيسِ مُحمّد مُرْسِي لتنفيذِ خُطّةِ المائةِ يومٍ كَمَا طلبَ!. (فَقطْ المائة يَوم)!

المرشح الرئاسي الأسبق حمدين صباحي

هيَ دعوةٌ للعنفِ إذنْ، وقدْ بدأتْ إرهاصاتُها مِنْ خلالِ إطلاقِ النّارِ علَى المقرِّ العامِّ لجماعةِ الإخوانِ وإصابةِ أحدِ حرّاسِهِ، والاعتداءِ عَلَى بعضِ مقارِّ الجماعةِ في بعضِ المُحافظاتِ والتحرُّشِ بهَا.

إنَّ مسؤوليةَ حمايةِ الأمنِ، لا تزالُ فِي يدِ المجلسِ العسكريِّ، وأنَّ أمنَ سيناءَ هُو اختصاصٌ أصيلٌ للجيشِ، والمجلسُ شريكٌ فِي الحُكمِ، ويسيطرُ بأغلبيتِهِ العسكريّةِ علَى مجلسِ الدّفاعِ الوطنيِّ الذِي بيدِهِ عقدةُ الأمرِ هُنَا.

وفِي الحقيقةِ أنَّ الأحزابَ الرسميةَ لَمْ تُؤوِّبْ مَعَ الداعينَ لمُظاهراتِ عزلِ الرّئيسِ، وقدْ أعلنَ السيّد البدوي شحاتة رئيسُ حزبِ الوفدِ، أنَّ حزبَهُ لنْ يُشاركَ فيهَا، وقالَ فِي بيانٍ ألقاهُ: “قَبلْنَا بصندوقِ الانتخاباتِ وارتضينَا نتائجَهُ ومَنْ خرجَ وأدلَى بصوتِهِ سيخرجُ مجدّداً فِي انتخاباتٍ تشريعيّةٍ قادمةٍ نهايةَ هذَا العامِ، ومَنْ يرِدْ إسقاطَ الإخوانِ المُسلمينَ فلْيذهبْ فِي هذِه الانتخاباتِ وَلْيقُلْ لَا للإخوانِ المُسلمينَ”.

الدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد الأسبق

لكنَّ اللافتَ أنَّهُ رغمَ البلاغاتِ الّتي تقدمتْ بها الجماعةُ، والمقدَّمةِ مِنْ أفرادٍ، للنّائبِ العامِّ ضدَّ الثلاثِي، ورغمَ التّهديدِ الواضحِ والصّريحِ مِنْ توفيق عُكاشة بإهدارِ دمِ الرّئيسِ، إلَّا أنَّ النّائبَ العامَّ عبدَ المجيد محمود، لَمْ يُعمِلِ الْقانونَ، علَى نحوٍ يؤكّدُ أنَّه ليسَ اجتهاداً مِنْ أفرادٍ!

النائب العام الأسبق عبد المجيد محمود
الرّئيسُ علَى خطِّ النّارِ:

لقدْ أعلنَ الرّئيسُ مُحمّد مُرْسي الحِدادَ فِي جميعِ أنحاءِ الجمهوريّةِ ثلاثةَ أيّامٍ علَى أرواحِ شهداءِ المجزرةِ، قبلَ أنْ يُسافرَ إلَى رَفَح، وسَافرَ إلَى هُناكَ والمُشيرُ طَنطاوِي معَهُ، وقبلَ سفرِهِ ترأسَ الرّئيسُ اجتماعاً معَ قادةِ الجيشِ والمُخابراتِ والداخليّةِ، كانتِ الصّورةُ المنشورةُ تحملُ دلالةً واضحةً بأنَّهُ حريصٌ علَى القيامِ بدورِ رئيسِ الدّولةِ والقائدِ الأعلَى للقوّاتِ المُسلّحةِ، فقدْ جلسَ علَى رأسِ المائدةِ، وجلسَ طَنطاوِي وسامِي عنان فِي مُواجهةِ بعضِهِمَا، وهُناكَ مساحةٌ كبيرةٌ نسبياً بينَ رأسِ الطّاولةِ وبينَهُمَا!

تناقضُ الرّوايةِ الإسرائيليّةِ:

ومعَ هذَا لمْ تتوقفِ الْألاعيبُ المثيرةُ للريبةِ، لقدِ اتَّهمَ البعضُ فِي جماعةِ الإخوانِ الموسادَ بأنَّهُ وراءَ العمليةِ، مَا أغضبَ الجانبَ الإسرائيليَّ، وقالَ المُتحدّثُ باسمِ وزارةِ الخارجيّةِ الإسرائيليّةِ، نرفضُ الاتّهامَ، وقدْ أبلغْنَا القاهرةَ بالعمليّةِ قبلَ وقوعِها بيومَينِ، وهُنا يُثارُ سؤالٌ: مَنْ أبلغُوهُ بذلكَ: الرئاسةَ؟، أمْ المجلسَ العسكريَّ؟، أمْ وزارةَ الخارجيّةِ؟. وهلْ هذهِ الرّوايةُ صحيحةٌ؟!

إنْ كانتْ صحيحةً فماذَا فعلتِ الجهةُ التِي تلقّتِ البلاغَ منَ الجانبِ الإسرائيليِّ؟، وإذْ لمْ تكُنْ صحيحةً؟ فلماذَا سكتَ المعنيّونَ بالأمرِ ولَمْ يقومُوا بنفْيِهَا، لاسيَّما أنَّ الواضحَ مِنَ السياقِ أنَّهم لا يقصدونَ الرّئاسةَ بذلكَ، وإلّا كانتْ فرصتُهُم ليصُولُوا ويجُولُوا، لاسيَّما أنَّ الردَّ مِنَ الخارجيةِ الإسرائيليّةِ هُو علَى اتّهامٍ موجّهٍ مِنْ قياديٍّ بالإخوانِ، منشورٍ علَى موقعِ الجماعةِ الإلكترونيِّ؟ إنَّها فرصةٌ جيّدةٌ ليقولُوا لقدْ أبلغْنَا الرّئيسَ الإخوانيَّ!

صحيفةُ “هاآرتس” الإسرائيليّةُ أكّدتْ علَى المعنَى السّابقِ، مِنْ أنَّ الموسادَ حصلَ علَى معلوماتٍ عَنْ عمليّةٍ وشيكةٍ علَى الحدودِ المصريّةِ، وأنَّهُ نقلَها إلَى الجانبِ المصريِّ قبلَ وقوعِ الحادثِ، بعدَها كثَّفَ الجيشُ الإسرائيليُّ إجراءاتِهِ الأمنيّةَ وقواتِهِ علَى الحدودِ.

يُقدِّرُ الجيشُ الإسرائيليُّ عددَ المُهاجمينَ بثلاثةَ عشرَ شخصاً، فِي حينِ أنَّ المجلسَ العسكريَّ أكّدَ فِي بيانِهِ أنّهُم ثلاثةٌ وثلاثونَ شخصاً، وأنَّهم سيطرُوا علَى النّقطةِ الحدوديةِ واستولَوا علَى مدرعةٍ وشاحنةٍ تحملُ نصفَ طنِّ مُتفجّراتٍ وسارُوا بسرعةٍ كبيرةٍ باتّجاهِ بوابةٍ حدوديّةٍ، تقولُ الرّوايةُ المِصريةُ إنَّها بوابةُ كَرم أبُو سالم، فِي حينِ تقولُ الرّوايةُ الإسرائيليةُ إنَّها بوابةٌ غيرُ عاملةٍ والتِي تمَّ مِنْ خلالِهَا تسليمُ جِلْعاد شاليط!

الرّوايتانِ المِصريّةُ والإسرائيليّةُ تتّفقانِ علَى أنَّ المُهاجمينَ دخلُوا فِي الأراضِي الإسرائيليّةِ، وتضيفُ الرّوايةُ الإسرائيليةُ أنَّ المدرّعةَ نجحتْ فِي التغلُّبِ علَى العوائقِ الأمنيّةِ لكنَّها غرزتْ فِي الرّمالِ، لتنفجرَ بعْدَ عدةِ دقائقَ، ولا نعرفُ إذَا كانَ التفجيرُ تمَّ بأمرٍ مِنَ المُسلّحينَ أمْ لسببٍ تقنيٍّ!

وقالتْ “هاآرتس” إنَّ المُدرّعةَ كانتْ فِي طريقِها لتنفيذِ عمليّةٍ انتحاريّةٍ فِي إحدَى المُستوطناتِ وعندَما لاحقتْها دوريّةٌ إسرائيليّةٌ غيّرتْ مسارَها باتّجاهِ معبرِ كَرم أبو سالم فتعثّرتْ بعائقٍ أمنيٍّ قربَ المعْبرِ ونجحتْ فِي الإفلاتِ مِنْ قوّةِ صاعقةٍ إسرائيليّةٍ وتمَّ استدعاءُ مُدرّعاتٍ إسرائيليّةٍ لمُحاصرتِها لكنَّ مروحيّةً قصفتْها ولقِيَ 6 مُسلحينَ مصرَعَهم، بينَما واصلَ بقيّتُهم إطلاقَ النّارِ مِنْ خلالِ رشّاشِ المُدرّعةِ، ونجحَ اثنانِ مِنْهم فِي الهربِ والاشتباكِ معَ القواتِ الإسرائيليّةِ فِي الموقعِ حتَّى نجحتْ قوةٌ مدرعةٌ فِي قتلِهِما.

الرّوايةُ الإسرائيليّةُ تبلغُ مِنَ التناقُضِ حدّاً، يدفعُنا لاستدعاءِ القولِ المعروفِ: “يكادُ المريبُ أنْ يقولَ خذُونِي” وبعيداً عنِ التّناقضِ الواضحِ، فهذِه الرّوايةُ تتّفقُ علَى أنَّ الجناةَ لاذُوا بالفرارِ إلَى إسرائيلَ، فكيفَ أمكنَهَم الدّخولُ إليهَا معَ أنَّ الجيشَ الإسرائيليَّ كثّفَ إجراءاتِهِ الأمنيّةَ وقوّاتِهِ علَى الحدودِ، بعدَ وصولِ معلوماتٍ لهُ بالعمليّةِ؟..وكيفَ بجناةٍ ارتكبُوا جريمةً كبيرةً ضدَّ الجيشِ المِصريِّ، أنْ يكونُوا مشغولينَ فِي نفسِ اللحظةِ بارتكابِ جريمةٍ أُخرَى داخلَ إسرائيلَ، بدلاً مِنْ أنْ يكونَ كلُّ هدفِهم هُو الفرارَ والاختباءَ؟ ولماذَا لَمْ تطلبِ السُّلطاتُ المِصريةُ تسلُّمَ الجثامينِ لمُحاولةِ التوصُّلِ إلَى هُويتِهِم؟.. ولماذَا لَمْ يقُمِ الجانبُ الإسرائيليُّ بهذَا الأمرِ؟ فمَنْ هؤلاءِ، ولماذَا اختارُوا إسرائيلَ بالذّاتِ للفرارِ إليهَا؟!

لنصلَ هُنَا إلَى تصرٌّفٍ لهُ دلالةٌ خاصّةٌ، لقدْ رفضتْ سلطاتُ مطارِ القاهرةِ دخُولَ الفلسطينيّينَ إلَى مِصرَ، وقرّرتْ إدارةُ الجوازاتِ برئاسةِ اللواءِ مَجدِي السمّان ترحيلَ الركّابِ الفلسطينيّينَ إلَى جهةِ قدومِهم مرةً أُخرَى وعدمَ السّماحِ لهُم بدُخولِ الأراضِي المِصريةِ، لأجلٍ غيرِ مُسمًّى!

فإلى أيِّ شيءٍ يُشيرُ هذَا الإجراءُ؟، إنَّ حُكمَ الرئيسِ مُرْسي لَمْ يكُنْ لهُ فِي يومٍ مِنَ الأيّامِ خلالَ السنةِ التي قضَاها فِي الحُكمِ سلطةٌ علَى المطارِ، لأنَّ الإخوانَ لمْ يقدّرُوا خطورتَهُ، فرجالُ حبيب العادلي فِي وزارةِ الداخليّةِ عندَما تقرِّرُ التخلُّصَ مِنْهم أرسلُوهم إلَى المطارِ وكأنَّه مكانٌ للتنكيلِ بهِم، ومنْهُ دخلتِ الأموالُ مِنَ الإماراتِ لتمويلِ الانقلابِ العسكريِّ، ولمْ ينتبهِ القومُ إلَى إجراءٍ خطيرٍ عندَما تمَّ توقيفُ مُساعدِ رئيسِ الجمهوريّةِ، ورئيسِ حزبِ النورِ أشرف عبد الغفور، ورئيسِ حزبِ الوطنِ بعدَ ذلكَ، فِي مطارِ القاهرةِ، وتقبّلَ الرجلُ الأمرَ بتواضعِ الشّيوخِ والدعاةِ إلَى اللهِ تعالَى. فقدْ ظلَّ المطارُ فاقداً الأهمّيةَ والخطورةَ لدَى القومِ، فماذَا يعنِي المطارُ إلّا رحلاتِ الحَجِّ والعُمرةِ؟!

والفلسطينيُّ سواءٌ فِي دعايةِ إعلامِ مُبارك أَو إعلامِ الثّورةِ المضادةِ يعنِي حَماس، وحَماس متهمةٌ بأنَّها وراءَ الحادثِ، ونفَى قادةُ حَماس ذلكَ، الواحدَ تلوَ الواحدِ، والمرّةَ تلوَ المرّةِ، لكنَّ هذَا المنعَ يأتِي ليؤكّدَ علَى الفاعلِ، الذِي يحمِيهِ مُرْسي باعتبارِهِ مِنْ أهلِهِ وعشيرتِهِ.

مُخطّطُ الاعتداءِ علَى الرّئيسِ:

وجاءَ يومُ الجنازةِ العسكريّةِ بعدَ يومَينِ مِنَ الحادثِ، ليحدثَ مَا كانَ مثارَ لغطٍ، فقدْ تغيَّبَ الرّئيسُ عَنْ حضورِ الجنازةِ، رغمَ الإعلانِ فِي موعدٍ سابقٍ أنَّهُ سيحضرُ. وقالَ المتحدثُ باسمِ الرّئاسةِ، إنَّ سببَ تغيُّبِ الرّئيسِ يرجعُ إلَى أنَّهُ أرادَ أنْ يُعطيَ فرصةً للمُواطنينَ للمُشاركةِ فِي تشييعِ الجنازةِ وحتَّى لَا يكونَ وجودُ حرسِ الرّئيسِ سبباً فِي التّضييقِ عليهِم. ولَمْ يكُنْ هذَا مُقنعاً أَو صحيحاً.

كانَ توفيق عُكاشة قدْ هدَّدَ عبرَ قناتِهِ “الفَراعِين” الرّئيسَ بالاعتداءِ علَيهِ وإهانتِهِ إذَا شاركَ فِي الجنازةِ، ولَمْ يستدْعِهِ النّائبُ العامُّ للتحقيقِ، فقدْ كانَ معلوماً للجميعِ أنَّ “عُكاشة” لَا يعبِّرُ عَنْ شخصِهِ، وأنَّهُ ليسَ شجاعاً حدَّ أنْ يتحوَّلَ إلَى وحشٍ كاسرٍ فِي مُواجهةِ أجهزةِ الدّولةِ، وهُو الذِي كانَ فِي عهدِ النّظامِ البائدِ ينحنِي ويقبّلُ يدَ صفوت الشّريف. وكانَ النّائبُ العامُّ حتماً يعلمُ ذلكَ، فلَمْ يطبقِ القانونَ، ولَو مِنْ بابِ التقرُّبِ للرّئيسِ، وإنْ كانَ قدْ تقرَّبَ بعدَ انتهاءِ مرحلةِ ازدواجيّةِ السُّلطةِ.

حاولَ الفريقُ الرّئاسيُّ إثناءَ الرّئيسِ مُحمّد مُرسي عنِ المُشاركةِ فِي الجنازةِ لكنَّهُ أصرَّ، وقبلَ دقائقَ مِنَ انْطلاقِ موكبِهِ وصلَ اللواءُ عبدُ الفتّاح السّيسي مُديرُ المُخابراتِ الحربيّةِ، ليقدِّمَ نفسَهُ للرّئيسِ علَى أنَّهُ الحريصُ علَى سلامتِهِ، ويكشفُ لهُ حجمَ المُؤامرةِ التِي يُشاركُ فيهَا قائدُ الحرسِ الجمهوريِّ، وقائدُ الشّرطةِ العسكريّةِ، ومديرُ المُخابراتِ العامّةِ، وأنَّهم ضالعُونَ فِي مُخطّطٍ يستهدفُ تركَ الرّئيسِ لتتمَّ إهانتُهُ بالاعتداءِ عليهِ، وتراجعَ الرّئيسُ عنِ المُشاركةِ فِي تشييعِ الجنازةِ!

وتحقَّقَ مِنْ صحّةِ مَا قالَهُ السّيسي؛ لقدْ تمَّ الاعتداءُ علَى رئيسِ الوزراءِ الدّكتورِ هشام قِنديل، كَما تمَّ الاعتداءُ علَى الدّكتورِ عبدِ المُنعم أبُو الفتوح، وأيقنَ الرّئيسُ أنَّ المسألةَ أكبرُ مِنْ مجرّدِ مُذيعٍ موتورٍ يهدّدُ ويتوعّدُ، أَو أنَّ حدودَ مَا يقولُهُ هُو “كلامٌ تَافهٌ” لَا يستحقُّ الرّدُّ عليهِ، بحسبِ كارم رضوان، عضوِ مجلسِ شورَى الجماعةِ.

وهُنا ضربَ الرّئيسُ ضربتَهُ..

لقدْ أقالَ قائدَ الحرسِ الجمهوريِّ، الذِي عيّنهُ لهُ المُشيرُ محمّد حُسين طَنطاوِي قبلَ إعلانِ فوزِهِ، ضمنَ الإجراءاتِ التِي وصفْناهَا مِنْ قبلُ بأنَّها تستهدفُ السّيطرةَ علَى الرّئيسِ، وقَصْقَصةَ ريشِهِ، لكنَّهُ عيّنَ للأسفِ اللواءَ مُحمّد أحمد زكي.. الذِي عيَّنهُ السّيسي الآنَ وزيراً للدّفاعِ!

الفريق أول محمد زكي

وقامَ بإحالةِ اللواءِ مُراد موافي رئيسِ المُخابراتِ العامّةِ إلَى المعاشِ، وعيَّنَ بدلاً مِنهُ اللواءَ مُحمّد رأفت عبد الواحد شحاتة قائماً بالأعمالِ!

اللواء رأفت شحاتة يؤدي اليمين الدستورية مديرا للمخابرات العامة المصرية أمام الرئيس الراحل محمد مرسي

وأقالَ قائدَ الشّرطةِ العسكريّةِ اللواءَ حمدي بدين، وطلبَ مِنْ وزيرِ الدّفاعِ تعيينَ خلفاً لهُ، وذلكَ وَفقَ اختصاصِهِ فِي الإعلانِ الدّستوريِّ المُكمّلِ.

وأصدرَ تعليماتِهِ لوزيرِ الداخليّةِ بتعيينِ اللواءِ ماجد مُصطفى نوح مُساعداً لوزيرِ الداخليّةِ لقطاعِ الأمنِ المركزيِّ واللواءِ أسامة الصّغير مُساعداً لوزيرِ الداخليّةِ لأمنِ القاهرةِ. كمَا أقالَ مُحافظَ شمالِ سيناءَ فِي هذَا القرارِ.

وبعيداً عمَّنْ يقعُ اختيارُهُ ضمنَ اختصاصِ المجلسِ العسكريِّ، فليسَ معلوماً منِ اخْتارَ لهُ البدائلَ، لكنَّ هذَا ليسَ هُوَ الموضوعَ حينئذٍ، لقدْ كانَ المهمُّ وقتَها هُوَ قراراتِ الإقالةِ، وليستْ قراراتِ التّعيينِ، ولا شكَّ أنَّها قراراتٌ مثّلتِ الصّدمةَ، وقدرةَ الرّئيسِ الجديدِ علَى الحسمِ، وليسَ كَما يُشاعُ عنهُ مِنْ ضعفٍ جرَّأَ المُتطاولينَ عليهِ.

وعندَ إعلانِ هذِه القراراتِ، أخبرَه العاملونَ فِي الإذاعةِ والتلفزيونِ أنَّ هناكَ خللاً فنيّاً فِي آليةِ نقلِ الإرسالِ منَ الرّئاسةِ لمحطّةِ البثِّ، وأنَّه لَابدَّ مِنْ تسجيلِ إعلانِ القراراتِ لبثِّها فِي وقتٍ لاحقٍ، وبدا واضحاً أنَّهم ينفِّذونَ تعليماتٍ مِنَ المجلسِ العسكريِّ، بأنْ يُحاطَ علماً بطلباتِ البثِّ المُباشرِ منَ الرئاسةِ، إذْ قدْ يمثّلُ الأمرُ قراراتٍ مفاجئةً لهُم، يتعذّرُ تداركُ خطورتِها عليهِم!

وموقعُ النقلِ للبثِّ التلفزيونيِّ فِي الرّئاسةِ، يعملُ علَى مدارِ الساعةِ، وهُو ينقلُ إلَى غرفِ كبارِ المسؤولينَ فِي اتّحادِ الإذاعةِ والتلفزيونِ، وفِي اللحظةِ التِي يظهرُ أحدٌ، يكونُ الانتباهُ، بأنَّ هناكَ نقلاً يستدعِي قطعَ الإرسالِ، وأنَّ عليهِم أنْ يكونُوا علَى أُهْبةِ الاستعدادِ لذلكَ، حتَّى بدونِ أنْ يُطلبَ هذَا مِنْهم!

والحالُ كذلكَ، لمْ يجدْ فَنِّيُّو التلفزيونِ بدّاً مِنْ إعلانِ إصلاحِ العطلِ بعدَ عشرِ دقائقَ، وتمَّ إعلانُ القراراتِ علَى الهواءِ مباشرةً، منْ قِبلِ ياسر علي المُتحدّثِ باسمِ الرّئاسةِ، لتبدأَ مرحلةٌ جديدةٌ..

مُساندةِ الرّئيسِ:

لقدْ كلّفتْ جماعةُ الإخوانِ المُسلمينَ شبابَها وقياداتِها بتركِ الاعتكافِ كَي يتظاهرُوا أمامَ قصرِ الاتّحاديةِ لدعمِ قراراتِ الرّئيسِ، وتوجّهتْ مجموعةٌ مِنَ القوَى السياسيّةِ والأحزابِ إلَى مقرِّ الرّئاسةِ لتنظيمِ مسيرةٍ لتأييدِ الرّئيسِ أمامَ القصرِ.

وحضرَ ألتراس أهلاوي للقصرِ الجمهوريِّ.. وكانتْ حركةُ شبابِ السّادسِ مِنْ أبريل “جبهةُ أحمد ماهر” مِنَ الدّاعينَ للاحتشادِ أمامَ القصرِ لإعلانِ تأييدِ قراراتِ مُرْسي والمُطالبةِ بمزيدٍ مِنَ التّطهيرِ للمؤسّساتِ لمساندتِهِ فِي معركتِهِ الحاليةِ والمُقبلةِ ضدَّ الدولةِ العميقةِ، وأشارتْ فِي بيانٍ لهَا، إلَى أنَّ هذِه الخطوةَ انتظرَها الكثيرونَ وينبغِي مساندتُهُ.

كانتْ أجواءُ مدٍّ ثوريٍّ دفعتْ لتجاوزِ مرحلةِ الغَبنِ وخيبةِ الأملِ بسببِ تشكيلِ حكومةِ القاماتِ المُنخفضةِ.

وشعرَ الرّئيسُ أنَّهُ ليسَ وحدَهُ، وأنَّهُ ليسَ مجرّدَ عضوٍ فِي جماعةِ الإخوانِ المُسلمينَ، ولكنَّهُ مُمثلُ الثّورةِ، وهَا هُم الثّوارُ مِنْ حولِهِ وهتفُوا باسمِهِ عندَما ذهبَ يصلِّي الجُمُعةَ بمسجدِ الحُصَرِي بالسّادسِ مِنْ أكتوبر، وأعلنَ أنَّه سيؤدِّبُ المتجاوزَ مِنَ المُواطنينَ أَو الجيشِ أَو الشّرطةِ، وقالَ إنَّه يقودُ بنفسهِ العمليّاتِ الجاريةَ فِي سيناءَ لتطهيرِهَا مِنَ الإرهابيّينَ، ويتابعُها ساعةً بساعةٍ، ووصلَ إلَى العريشِ ومنْهَا لرفَح فِي موكبٍ رئاسيٍّ خاصٍّ وهيَ الزّيارةُ الخامسةُ لكنْ كانَ لهَا طعمٌ مُختلفٌ. كانَ يرافقُهُ وزيرُ الدّفاعِ المُشيرُ محمّد حُسين طَنطاوِي، الذِي كانَ قدْ تضاءَلَ، ومُرْسي يقولُ: “القانونُ فوقَ الجميعِ.. ولنْ يُظلمَ أحدٌ فِي دولتِي”. نعمْ قالَها هكذا “دولتِي”، فلَا شريكَ لهُ فِي الحُكمِ معَ وجودِ الإعلانِ الدّستوريِّ المكمّلِ، الذِي أعْطَى للمجلسِ العسكريِّ سُلطاتٍ أوسعَ مِنْ سُلطاتِ الرّئيسِ!

وقامتِ المنطقةُ الإعلاميّةُ الحُرّةُ بوقفِ بثِّ قناةِ الفراعين لمدّةِ 45 يوماً!

وتدخّلَ مندوبُ الفلولِ فِي مجلسِ الوزراءِ اللواءُ أحمد زكي عابْدين، وزيرُ التنميةِ المحليّةِ لإنقاذِ مَا يمكنُ إنقاذُهُ، فصرَّحَ أنَّ وزارةَ الدّفاعِ ستختارُ مُحافظَ شمالِ سيناءَ خلفاً للواءِ السيّدِ عبدِ الوهاب مبروك الذِي أقالَهُ الرّئيسُ مُحمّد مُرْسي!

إنَّه يذكِّرُ بأنَّ المجلسَ العسكريَّ – معَ كلِّ مَا جرَى – لَا يزالُ صاحبَ صلاحياتٍ فِي الحُكمِ، وحشرَ وزيرَ الدّفاعِ فِي جملةٍ مفيدةٍ، عندَما قالَ إنَّ حركةَ المُحافظينَ الجديدةَ مسؤولٌ عنْها رئيسُ الجمهوريةِ، والقائدُ العامُّ للقواتِ المُسلّحةِ، ورئيسُ الوزراءِ، والجهاتُ الرّقابيةُ، مَعَ أنَّ الإعلانَ الدستوريَّ لَا يرتبُ اختصاصاً لوزيرِ الدفاعِ – القائدِ العامِّ للقوات المسلّحةِ- فِي عمليةِ اختيارِ المُحافظينَ!

كانَ مَا قالَهُ جملةً اعتراضيةً فِي كتابِ الثّورةِ، لمْ يتمَّ الالتفاتُ إليهِ، ولمْ يكترثْ بهِ أحدٌ، فهَا هُو الرّئيسُ يقرّرُ، ويعلنُ أنّهُ سيؤدِّبُ، ويعزلُ قياداتٍ عسكريةً كبيرةً.

قبلَ يومٍ مِنْ هذِهِ القراراتِ كانتْ مُنظمةً “هيومان فيرست” الأمريكيّةُ قدْ ذكرتْ أنَّ المجلسَ العسكريَّ غيرُ مستعدٍّ لتخفيفِ قبضتِهِ علَى السُّلطةِ، وإنْ أشارتْ إلّى أنَّ تعيينَ المُستشارِ محمُود مَكِّي نائباً للرّئيسِ إشارةٌ إلَى تحدِّي الجيشِ!

المستشار محمود مكي (يسار) يؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس الراحل محمد مرسي

كانتْ أصواتُ المُرجفينَ مِنَ القوَى المدنيّةِ، قدْ طالبتْ بأنْ يكُونَ نائبُ الرّئيسِ مِنَ الجيشِ؛ وذلكَ لطمأنةِ الجيشِ علَى وضعِهِ فِي النظامِ الجديدِ، وهُم هُنا لَا يتحّدثونَ عنِ الجيشِ بحسبِ المفهومِ العامِّ، لكنَّهُم يقصدُونَ المجلسَ العسكريَّ.

وربَّما تمنَّى طَنطاوِي أنْ يجمعَ بينَ منصبِ نائبِ الرّئيسِ ووزيرِ الدّفاعِ، ولَا حرجَ علَى فضلِ اللهِ، فمِنْ قبلُ كانَ عبدُ الناصر رئيساً للوزراءِ ووزيراً للداخليةِ، لكنَّ اختيارَ مَكِّي كانَ رسالةً قويةً، وهُو ليسَ واحداً منْ آحادِ القضاةِ، إنَّه قاضٍ مِنْ رموزِ انتفاضةِ القضاةِ التِي خرجتْ تطالبُ بالإشرافِ القضائيِّ الكاملِ علَى الانتخاباتِ وباستقلالِ القضاءِ، فِي عهدِ مُبارك، وجاءَ اختياراً ليغطِّي علَى سوءِ الاختيارِ بالنسبةِ للحكومةِ. وفِي يومِ عزلِ قياداتِ الجيشِ، عيَّنَ الرّئيسُ السفيرَ رفاعة الطَهطاوِي رئيساً لديوانِ رئيسِ الجمهوريّةِ، والرجلُ كانَ هُو وأبناؤُهُ فِي ميدانِ التّحريرِ أيامَ الثّورةِ، وقدْ قدَّمَ استقالتَهُ مِنْ مشيخةِ الأزهرِ بسببِ هذِه المُشاركةِ حتَّى لَا يضعَ شيخَ الأزهرِ فِي حرجٍ.

وبهذِهِ الإجراءاتِ الشجاعةِ للرّئيسِ، لمْ يعُدْ هنَاكَ معنَى لمَا قالتْهُ “هيومان فيرست” مِنْ أنَّ المجلسَ العسكريَّ غيرُ مستعدٍّ لتخفيفِ قبضتِهِ علَى السُّلطةِ، لأنَّ القرارَ لمْ يعُدْ قرارَهُ بعدَ اليومِ.

وأمامَ القصرِ الرّئاسيِّ فِي مظاهراتِ تأييدِ قراراتِ الرئيسِ عادَ الثّوارُ مِنْ جديدٍ يهتفونَ بسقوطِ حُكمِ العسكرِ، فمَا نيلُ المطالبِ بالتمنِّي.

معضلةُ المائةِ يومٍ:

وبعدَ هذِهِ القراراتِ، لمْ يعُدْ أحدٌ يتحدّثُ عَنْ مظاهراتِ 24 أغسطس، التِي وصفَها رئيسُ حزبِ الوفدِ بـ “المصطنعةِ”، ولمْ يعُدْ أحدٌ يتكلّمُ عَنْ ضرورةِ أنْ يُغادرَ لفشلِهِ فِي بَرنامجِ المائةِ يومٍ، وهُو التحدِّي الذِي وضعَ الإخوانُ أنفسَهم فيهِ.

كانَ المِصريونَ قدْ ملُّوا مِنْ حالةِ عدمِ الاستقرارِ، وقدْ خاطبَ المُرشحونَ لمنصبِ رئيسِ الجمهوريةِ، هذَا الشّعورَ، ولا يكادُ يخلُو بَرنامجُ مرشحٍ رئاسيٍّ جادٍّ مِنْ جزءٍ يخاطبُ هذا الشّعورَ، وخاطبَ عمرُو مُوسى هذَا الشّعورَ بقولِهِ إنَّه قادرٌ علَى الحُكمِ مِنْ أوّلِ يومٍ، كانَ هُناكَ تخوُّفٌ مِنْ فكرةِ الرئيسِ، الذِي قدْ يقضِي دورتَهُ الأُولَى يتعرّفُ علَى الدّولةِ.

وكانتْ خُطةُ المائةِ يومٍ تقومُ علَى عودةِ الأمنِ، وضبطِ حالةِ المرورِ، وتحقيقِ النّظافةِ، وحلِّ مُشكلاتِ التّموينِ، والقضاءِ علَى الزّحامِ سواءٌ أمامَ محطاتِ الوقودِ، أَو أمامَ المخابزِ.

وهُو تحدٍّ كبيرٌ، لمْ يضعْ فِي الاعتبارِ معوّقاتِ الدّولةِ العميقةِ، التِي كانتْ تقفُ وراءَ كثيرٍ مِنْ هذِهِ المُشكلاتِ، وقدْ أذاعَ وزيرُ التموينِ فِي عهدِ المجلسِ العسكريِّ أنَّ هُناكَ مَنْ يقومُونَ بتفريغِ الوقودِ فِي الصّحراءِ وفِي نهرِ النيلِ، وسمعْنا بعيداً عنهُ قصصاً مِنْ شهُودِ عِيانٍ فِي هذَا الصّددِ، ممَّنْ قالُوا إنَّهُم رأوُا الجريمةَ رأْيَ العينِ، لنكتشفَ أنَّ توكيلاتٍ لَا تزالُ ساريةً لشركاتٍ يملكُها صهرُ الرّئيسِ المخلوعِ حُسين سالم، هيَ التِي تقومُ بذلكَ!

وكانتْ وزارةُ الداخليّةِ يقومُ أداؤُها علَى الانتقامِ مِنَ الشعبِ المِصريِّ، لأنَّهُ قامَ بالثّورةِ، إذنْ فلنصلْ بهِ إلَى حالةِ تمنِّي عودةِ الأمنِ، ولنْ نعودَ، وكانتْ عباراتٌ مثلُ “اِشْربُوا” يواجِهُ بهَا الضباطُ مَنْ يطالبونَهُم بالعودةِ، وكانتِ الثّورةُ قدْ طالبتْ بإعادةِ هيكلةِ وزارةِ الداخليّةِ، وكانتِ الوزارةُ فِي انتظارِ هذَا، بلْ كانتْ مُستسلمةً تماماً لاستقبالِ أوَّلِ وزيرٍ مدنيٍّ منذُ انقلابِ 1952، وأوّلِ وزيرٍ مِنْ خارجِها منذُ تولِّي البكباشِي جمال عبد النّاصر منصبَ وزيرِ الداخليّةِ بعدَ هذَا الانقلابِ، ورشّحتْ بورصةُ الأخبارِ المُستشارَ زكريّا عبد العزيز رئيسَ نادِي القضاةِ السّابقِ لهذَا المنصبِ، لاسيَّما فِي حكومةِ عصام شرف.

وكانتْ هُناكَ عباراتٌ تطلقُ للتّضليلِ مِنْ قبلِ القياداتِ الأمنيّةِ لتبريرِ هذَا الغيابِ، مثلَ أنَّ الضبّاطَ “مجروحُونَ نفسيّاً”، ومِنْ واجبِهِم علينَا أنْ ننتظرَ حتَّى يُداوُوا جراحَهُم.

وحدثَ تقاعسٌ فِي جمْعِ القُمامةِ بعدَ الثّورةَ، فِي البدايةِ بحجّةِ الفوضَى الأمنيّةِ ثمَّ استمرَّ الأمرُ ضمنَ سياسةِ مَن أُطلقَ عليهِم “الطّرفُ الثّالثُ” الذِي كانَ ينشرُ الفوضَى ويقفُ وراءَ المُظاهراتِ الفئويّةِ، لدفعِ الناسِ لكُرْهِ الثّورةِ، وقدْ يقبلُونَ علَى إثرِ هذَا استمرارَ المجلسِ العسكريِّ فِي الحُكْمِ، باعتبارِهِ القادرَ علَى ضبطِ الإيقاعِ معَ الوقتِ، فِي حينِ أنَّ غيرَهُ قدْ يتسبّبَ فِي تفاقُمِ المُشكلاتِ.

فهلْ كانَ مَنْ وضعُوا بَرنامجَ المُرشّحِ الرّئاسيِّ لجماعةِ الإخوانِ يقفُونَ علَى حجمِ هذِه التحدّياتِ؟ أمْ أنَّها فكرةٌ المُغامرةِ والوعودِ البرّاقةِ لكثيرٍ مِنَ المُرشّحينَ فِي أيِّ انتخاباتٍ، حتَّى وإنْ لمْ يكُنْ فِي النَّوايا الوفاءُ بِهَا، وممّا باتَ يُعرفُ بـ “الوعودِ الانتخابيّةِ” التِي تعْنِي أنَّها تُطلقُ بهدفِ إدخالِ الغشِّ والتدليسِ علّى النّاخبِ؟!

ولأنَّ بَرنامجَ المائةِ يومٍ يمثّلُ ثغرةً مُهمةً للمُتربّصينَ بالرّئيسِ، فقَدْ نفذُوا مِنْها وظلُّوا يُحاسبُونَ الرّئيسَ بالسّاعةِ، وبالغَ ضبّاطُ الداخليّةِ فِي سياسةِ الغيابِ الأمنيِّ، وتفاقمتْ أزمةُ الخدماتِ، مِنْ نقصٍ فِي الوقودِ، وانقطاعٍ مُستمرٍّ فِي الكهرباءِ، إلَى استمرارِ أزمةِ الحصولِ علَى الخبزِ!

وفِي مجالِ النّظافةِ، كانَ الشّعبُ هُو شاهدَ عِيانٍ علَى قيامِ جامعِيهَا بإلقائِهَا فِي الشّوارعِ، التِي تحوّلتْ إلَى تلالٍ مِنْ القُمامةِ، وحشدَ الإخوانُ شبابَهم فِي المُحافظاتِ، مِنْ أجلِ مُواجهةِ هذِه التّحدياتِ، فيحملوَنَ علَى أكتافِهِم أنابيبَ الغازِ لتوصيلِها للبيوتِ، ولَو اضْطُرُّوا لصعودِ الأدوارِ العُليَا، لكنَّ هذِهِ أزماتٌ أكبرُ مِنْ أيِّ تنظيمٍ، وأكبرُ مِنْ هذِه الحلولِ الفرديّةِ، وشهادةُ النّاسِ علَى عمليّةِ الإفشالِ لَا تدفعُهُم لالتماسِ العذرِ للرّئيسِ، إنَّها تخصمُ منْهُ باعتبارِ أنَّ القوّةَ شرطٌ للحُكمِ، وعجزُهُ فِي مُواجهةِ مَنْ يقومُونَ بإفشالِهِ، هُو دليلٌ علَى أنَّهُ لَمْ يكُنْ يصلحُ لهذِا المنصبِ الرّفيعِ.

وجاءتْ أزمةُ قتلِ الجنودِ، ليتجاوزَ المُتربّصونَ بالرّئيسِ بَرنامجَ المائةِ يومٍ، فهذَا تحدٍّ أكبرُ لاسيَّما معَ الدّعايةِ المُنتشرةِ بأنَّهُ يغلُّ يدَ الجيشِ عنِ القبْضِ علَى الجناةِ، لأنَّهُم مِنْ أهلِهِ وعشيرتِهِ!

بَيدَ أنَّ الضّربةَ التِي ضرَبَها الرّئيسُ، بإقالةِ قياداتٍ فِي الجيشِ، أفقدتِ المُتربّصينَ بهِ توازنَهم، وجمعتْ حولَهُ الثّوارَ مِنْ جديدٍ، فخرجُوا يناصرُونَ قراراتِهِ القويّةَ، ويطالبُونَهُ بالمزيدِ، فلَمْ يخذلْهُم.

وكانتِ الضّرْبةُ الكُبْرَى.

لمتابعة الحلقة الأولى يرجى الضغط هنا
لمتابعة الحلقة الثانية يرجى الضغط هنا
لمتابعة الحلقة الثالثة يرجى الضغط هنا
لمتابعة الحلقة الرابعة يرجى الضغط هنا
لمتابعة الحلقة الخامسة يرجى الضغط هنا
لمتابعة الحلقة السادسة يرجى الضغط هنا
لمتابعة الحلقة السابعة يرجى الضغط هنا

 

المصدر : الجزيرة مباشر