هل بدأت متاعب روسيا على الأراضي السورية؟

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (يسار) خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين

قبل أيام، التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في سوتشي لبحث مستقبل الشمال السوري بعد عملية “نبع السلام”، التي شنتها القوات التركية على الأكراد.

روّجت وسائل إعلام غربية وأخرى روسية للقاء على أنه انتصار غير مسبوق للدبلوماسية الروسية، فهل يعد ذلك انتصارًا؟

شهدت الأروقة الروسية تقييماً أكثر حذرًا للاتفاق المبرم مع تركيا، ونجحت موسكو في تفادي صدام عسكري مع أنقرة على الملعب السوري، لكنها تواجه سيلًا من التحديات والمخاطر في المنطقة ذاتها.

وعلَّق مدير الأبحاث في مركز حوار الحضارات، أليكسي مالاشينكو، على المباحثات الروسية التركية الأخيرة قائلًا “يمكن التحدث بلهجة المنتصر بعد إنهاء المباراة، لكن في هذه الحالة، المباراة قائمة على الأراضي السورية والمخاطر مازالت تتهدد المصالح الروسية”.

من جانبه، يرى خبير شؤون الشرق الأوسط بمجلس الشؤون الدولية الروسي، كيريل سيمينوف، أن “المخاطر موجودة وتفوق الأرباح التي حققتها موسكو حتى الآن، وأن التوازن الذي حققته روسيا شمالي سوريا هش للغاية”.

وفي لقائهما، كشف بوتين وأردوغان عن خطة من عشرة بنود لإقصاء وحدات حماية الشعب الكردية من شمال شرق سوريا، سيجري تنفيذها على مرحلتين.

ماذا حدث في ذلك اليوم؟
  • أولاً، مع منتصف ليل 23 أكتوبر/تشرين الأول ولمدة 150 ساعة، تعين على وحدات حماية الشعب الكردية الانسحاب الكامل إلى أكثر من 30 كيلومترًا في العمق السوري، بتسهيلات من الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري.
  • بعد انتهاء المهلة، بدأت روسيا وتركيا تمشيط المنطقة في دورية مشتركة لمنطقة تمتد عشرة كيلومترات داخل سوريا من الحدود التركية.
  • شددت موسكو على ضرورة التزام الأكراد بشروط اتفاق بوتين-أردوغان، وإلا فعليهم تحمل تبعات خرق الاتفاق.
  • صرح المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أنه إذا فشلت وحدات حماية الشعب الكردية في الانسحاب قبل انتهاء المهلة المحددة، فإن ذلك سيضعهم في مرمى النيران العسكرية التركية.
أطلق الجيش التركي عملية "نبع السلام" في منطقة شرق نهر الفرات ضد الوحدات الكردية (رويترز)
  • من وجهة نظر موسكو، ووفق الملازم الروسي المتقاعد، يفغيني بوزينسكي، فإن الأكراد جنوا على أنفسهم حين أعطوا ظهرهم لموسكو. واستطرد “مطلع 2015، عرضت موسكو على الأكراد التعاون معها، لكنهم رفضوا وتوهموا أن الأمريكيين سيحموهم على المدى الطويل ويساعدوهم لإقامة دولتهم المستقلة، كانت حساباتهم خاطئة، واليوم يواجهون تبعات قرارهم غير الواقعي”.
  • أضاف بوزينسكي “عندما لجأ الأكراد مؤخرًا إلى روسيا طلبًا للمساعدة، قيل لهم بأدب: لقد اخترتم حليفًا من قبل؛ حسنًا! فلتتحدثوا معه الآن لعله ينقذونكم”.
لا خيارات بديلة
  • في رده على سؤال: ما احتمال الاستجابة الكردية لتحذير موسكو والانسحاب في الوقت المناسب؟  جزم بوزينسكي أنهم لا يملكون خيارات بديلة، خصوصًا مع التفوق التركي عسكريًا، فضلًا عن تخلي واشنطن عنهم في الوقت القاتل.
  • حذر سيمينوف من أن التفاهم الروسي مع الأكراد لم يكن موثوقًا به تمامًا، بحجة أنه يمكنهم تغيير رأيهم بشأن الانسحاب، وإحراج موسكو مع أنقرة وربما يتدهور الأمر إلى مواجهة عسكرية. وأضاف “ربما وافق الأكراد اليوم على الانسحاب، لكن إذا وعدهم الأمريكيون -على سبيل المثال- بشيء فقد يرفضون الانسحاب فورًا. وهنا يكون السؤال: إلى أي مدى يمكن أن نثق ببعضنا بعضا في ظل هذه الظروف؟ في هذه الحالة، يغير الجانبان القواعد باستمرار، ولا مجال للثقة”.
  • ليس الأكراد وحدهم المنوط بموسكو رصد تحركاتهم وبدقة، بل إن الرئيس السوري بشار الأسد يجب أن يوضع تحت المجهر، حتى وإن أبدى تأييده للصفقة بين بوتين وأردوغان، إذ رصدت موسكو علامات السخط غير المعلن في أروقة النظام السوري.
مأزق النظام
  • تابع سيمينوف “ضع نفسك في موقف الأسد. بوتين صديقك المقرب، وأردوغان أسوأ عدو لك، يقرران مصير بلادك وأنت خارج اللعبة. إنه لأمر مهين للغاية، لا سيَّما وأن الأسد يريد أن يحظى بمكانة رئيس سوريا وليس مجرد عميل روسي”.
  • قال سيمينوف “إن تركيا ربما تكون قد أوقفت عملية نبع السلام، لكنها ستستمر في الحفاظ على وجودها العسكري في سوريا في شكل دوريات مشتركة مع روسيا، وهذه في حد ذاتها نتيجة تؤرق الأسد وتهز صورته كرئيس. ومما يزيد الأمر تعقيدًا، الخطوات التي اتخذتها إدارة ترمب مؤخرًا للسيطرة على حقول النفط شرقي سوريا، حيث تضاعف من تشويه صورة الأسد، وفي الوقت ذاته تؤزّم موقفه التفاوضي مع الأكراد”.
  • سيمينوف: عدم انسحاب الأمريكيين كليًّا شكّل ضربة إضافية لخطة الأسد، إذ كان يمني نفسه أن تعتمد القوات السورية الديمقراطية (قسد) عليه وحده، ما يحفظ له ولو قليلًا من ماء وجهه.
  • حذر مالاشينكو من عقبة كبيرة أخرى يواجهها الأسد، وهي تخطيط تركيا لإعادة توطين ما يصل إلى مليون لاجئ سوري في “المنطقة الآمنة” شمال شرقي سوريا، إذ يمثل هؤلاء اللاجئون قنبلة موقوتة في وجه الأسد، خصوصًا وأن أغلبهم من معارضي النظام. وتبقى إدلب كابوسًا إضافيًا للنظام، فهي آخر معاقل المعارضة السورية وتحظى بدعم تركي.
زار الأسد قواته على الخطوط الأمامية لإدلب وتعهّد باستعادة زمام الأمور في كل شبر من سوريا
هجوم على إدلب؟
  • عشية اجتماع بوتين وأردوغان، زار الأسد قواته على الخطوط الأمامية لإدلب، وشجب الرئيس التركي ووصفه بأنه “لص”، وتعهّد باستعادة زمام الأمور في كل شبر من سوريا.
  • يرى سيمينوف أن زيارة الرئيس السوري إشارة إلى هجوم جديد على إدلب، بقطع النظر عما إذا كانت هذه الخطوة حازت الضوء الأخضر من موسكو.
  • لكن بوزينسكي يستبعد تحرك الأسد منفردًا، لا سيّما بالنظر إلى الوضع الحساس لإدلب في المعادلة السورية. ويضيف “يبدو أن ثمة تفاهما متبادلا بين بوتين وأردوغان، يقضي هذا الاتفاق باستعادة الأسد إدلب كجزء الصفقة”.
  • أما رئيس تحرير مجلة الدفاع الروسية، فيكتور موراكوفسكي، فيشير إلى ضرورة انتباه موسكو لإمكانية تعرض قواتها للنيران بطريق الخطأ أو عن قصد في الأراضي الملتهبة شرقي سوريا. وأردف “الوحدات العسكرية الكردية لن تهدأ، نعلم أنها تخوض حربًا مريرة ضد الأتراك على أراضيهم وعلى أراضي سوريا، لكن الفرصة متاحة لعناصر متطرفة تتأهب للانقضاض على القوات الروسية وحكومة الأسد”.
  • أضاف موراكوفسكي “سيظل هذا الخطر موجودًا دائمًا في هذه المنطقة بينما يظل النزاع في مرحلة حادة، وعلى الرغم توسيع موسكو دائرة نفوذها على الأراضي السورية، لكنها قد تعود منها خالية الوفاض”.
المصدر : ذا ناشيونال إنترست