3 أسئلة تشرح ملابسات “محاولة الانقلاب” في ألمانيا

ألمانيا تُحبط محاولة انقلاب بقيادة سليل عائلة نبيلة
ألمانيا تحبط محاولة انقلاب بقيادة سليل عائلة نبيلة (غيتي)

في 7 ديسمبر/كانون الأول الجاري، ألقت السلطات الألمانية القبض على أكثر من 25 مشتبهًا بالتورط في مؤامرة مزعومة للإطاحة بالدولة عن طريق العنف والوسائل العسكرية.

ووفق الادعاء العام في ألمانيا، اشترت المجموعة -تضم شخصيات من اليمين المتطرف وضباطًا عسكريين سابقين- أسلحة، ووضعت خططًا ملموسة خلال الأشهر الأخيرة لإثارة الفوضى على مستوى البلاد واقتحام البرلمان الألماني (البوندستاغ) باستخدام العنف.

ويُعَد هاينريش رويس -سليل عائلة نبيلة ويُعرف باسم الأمير هاينريش الثالث عشر- الشخصية الرائدة في المجموعة.

في اليوم ذاته، أعلن بيان لمكتب المدعي العام الفدرالي الألماني أن السلطات المختصة أحبطت مخطط انقلاب عبر شن هجمات تسعى لإحداث فوضى في البلاد، والاستيلاء على السلطة.

وأضاف البيان “شارك في المخطط 25 مشتبهًا به، بينهم مجموعة تابعة لحركة مواطني الرايخ (يمينية متطرفة)، وضباط سابقون”.

ولا تعترف حركة مواطني الرايخ -أُسِّست في نوفمبر/تشرين الثاني 2021- بالنظام السياسي الألماني القائم، ولا بالدولة الألمانية في صورتها الحالية، وتعترف في المقابل بالإمبراطورية الألمانية.

متى بدأ بحث سيناريو الانقلاب؟

تهدف حركة مواطني الرايخ -لا تعترف بالنظام الدستوري القائم في ألمانيا- إلى الإطاحة به من خلال تنفيذ انقلاب، وإعادة تأسيس إمبراطورية، وهي معروفة منذ ثمانينيات القرن الماضي.

ومنذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، انقسمت الحركة إلى العديد من المنظمات الصغيرة والممالك وبدأت بالظهور في شكل متكرر.

على سبيل المثال، أسس عضو في الحركة يُدعى بيتر فيتزيك مملكة في بلدة فيتنبرغ شرقي ألمانيا عام 2012، حيث يتلقى أي شخص يرغب في أن يصبح مواطنًا -مقابل رسوم- بطاقة هوية مُوقّعة من الملك بيتر الأول.

بصرف النظر عن هذه المحاولات الهامشية، غطت وسائل الإعلام على نطاق واسع لفترة طويلة محاولات مواطني الرايخ والمنظمات اليمينية المتطرفة اختراقَ مؤسسات الدولة، خاصة الجيش والشرطة.

ومنذ 2010، فُقدت عشرات المسدسات وكميات ضخمة من الذخيرة والمتفجرات التابعة للجيش الألماني ولم يُعثر عليها.

وعام 2017، كُشف عن أن ملازمًا أول يُدعى (فرانكو. أ) التحق بالجيش الألماني (البوندسفير) بهدف تنفيذ انقلاب واغتيال سياسيين.

لاحقًا -في 20 مايو/أيار 2021- قال المدعون العامون في ألمانيا إن المدعى عليه تصرّف بدوافع يمينية متطرفة، وفق ما ذكرت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية آنذاك.

إلا أن موريتز شميت فريك -محامي فرانكو- دافع عنه، قائلاً إن موكله كان ضحية لحملة تشهير، ونفى أن يكون لديه ميول يمينية متطرفة.

بعد ذلك، مُنع أعضاء مواطني الرايخ من الحصول على تراخيص السلاح في 2018 حتى نهاية 2021، وبالتالي أُلغيت تراخيص الأسلحة التي يملكها 1050 من أعضاء الحركة.

وما زال 500 من أعضاء مواطني الرايخ يمتلكون أسلحة، وفق تقارير إعلامية ألمانية.

وتناقلت وسائل الإعلام الألمانية على نطاق واسع رسائل أعضاء الحركة التي كانت تخطط لانقلاب صباح يوم المداهمة عبر تطبيق تلغرام.

مدبرو محاولة الانقلاب.. من هم؟

ينتمي الأعضاء الذين قُبض عليهم في إطار الحملة الأمنية الأخيرة إلى حركة مواطني الرايخ، وتضم العديد من الشرائح والجماعات.

من المعروف أن هذه الحركة مدعومة من جماعة Querdenker اليمينية (المفكرون الجانبيون)، التي عارضت بشدة عمليات الإغلاق الحكومية المتعلقة بفيروس كورونا المستجد (المسبّب لمرض كوفيد-19).

ووفق تقارير خدمة المخابرات الداخلية الألمانية Verfassungschutz، فإن عدد أعضاء الحركة يبلغ نحو 21 ألفًا، بينهم ألف من اليمنيين المتطرفين.

الحركة غير متجانسة، وتضم معارضي لقاحات كورونا، وأعضاء حزب البديل من أجل ألمانيا، واليمنيين المتطرفين.

ومن بين أعضاء الحركة الذين اعتُقلوا بتهمة التخطيط لمحاولة انقلاب مسلح، هاينريش رويس -أمير سلالة نبيلة- وبيرجيت مالساك وينكمان النائبة السابقة في الحزب اليميني البديل من أجل ألمانيا، و(روديجر فون ب) ضابط سابق بالجيش الألماني.

واعتُقل أعضاء في حركة مواطني الرايخ بتهمة التآمر لقلب النظام الدستوري، وشن غارة مسلحة على البرلمان الألماني، والاستيلاء على السلطة.

وبحسب ادعاءات الجهات الرسمية، خطط أعضاء الحركة وخاطروا بوقوع قتلى في انقلاب مسلح محتمل، ومحاولة اقتحام للبرلمان.

مُرّرت لوسائل الإعلام أن المعتقلين شكلوا مجلسًا لفترة ما بعد محاولة الانقلاب المحتملة، وتقاسموا وزاراتهم في ما بينهم.

وفق هذه الحركة، لا تزال ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية تحت الاحتلال، ويجب محاكمة السياسيين الحاليين ومسؤولي الدولة في محكمة نورمبرغ العسكرية (هي سلسلة من 12 محكمة عسكرية عُقدت بقصر العدل في نورمبرغ لمحاكمة جرائم الحرب) بتهمة الخيانة، اعتقادًا منها أن ألمانيا تحكمها حاليًا دولة عميقة (من المفاهيم الحديثة في العلوم الاجتماعية).

ويعترف أنصار الحركة بحدود الإمبراطورية الألمانية في عام 1871، إلا أنهم يرفضون أي وثائق رسمية، ويُنشئون هوياتهم ورخص القيادة وسندات الملكية الخاصة بهم.

ونظرًا لأنهم لا يعترفون بالشرطة والسلطات القضائية، فإنهم غالبًا ما يميلون إلى ارتكاب جرائم.

يتواصل أعضاء الحركة مع بعضهم عبر القنوات الرقمية وخاصة البرقية، ويستخدمون اللونين الأسود والأبيض رمزًا للعلم الإمبراطوري، ويعيشون في الغالب بالمناطق الريفية الألمانية.

ووفقًا للسلطات الألمانية، فإن قدرة الحركة على اختراق النظام القضائي والجيش وقوات الشرطة والبرلمان من خلال حزب البديل من أجل ألمانيا تجعل الحركة أكثر خطورة.

ما أصداء وانتقادات العملية الأمنية الأخيرة في ألمانيا؟

توصف حملة مكافحة الإرهاب -التي اتُهم فيها 54 شخصًا واعتُقل 25 شخصًا- بأنها أكبر عملية لمكافحة الإرهاب في تاريخ ألمانيا بعد منظمة سلاح الجو الملكي البريطاني.

وحول العملية الأمنية، قال مكتب المدعي العام الفدرالي -في بيان- إن السلطات المختصة تراقب المجموعة منذ نوفمبر 2011، وإن المداهمة نُفّذت أخيرًا.

أكبر الانتقادات بشأن العملية الأمنية أن وسائل الإعلام رافقتها، فضلًا عن تداول التفاصيل مع مختلف وسائل الإعلام قبل أيام.

وبعد الحملة الأمنية الواسعة النطاق في ألمانيا، زعمت النائبة عن حزب اليسار مارتينا رينر -في تصريح صحفي- أن بعض وسائل الإعلام كانت تعلم منذ أسبوعين أن العملية ستُنفذ، الأمر الذي كان من شأنه أن يشكل خطرًا أمنيًّا لمثل هذه العملية الواسعة النطاق.

وانتقدت رينر مشاركة المعلومات هذه التي قد تجعل أعضاء مواطني الرايخ يتخذون الاحتياطات من خلال تحذيرهم مسبقًا.

بينما يصف جميع السياسيين -وخاصة الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير في تصريحاته مؤخرًا-  خطة الانقلاب المزعومة بأنها تهديد خطير للديمقراطية والنظام الدستوري الألماني.

في حين تزعم وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة النشطة في ألمانيا أن الحملة الأمنية الأخيرة هي عبارة عن مسرحية حكومية بهدف تقييد حرية التعبير، وزيادة قمع الحركات اليمينية المتطرفة والجماعات المناهضة للقاحات كورونا.

من الواضح أن الجمهور الألماني بدأ مناقشة الطريقة التي نُفذت بها العملية الأمنية، والتعاون بين وسائل الإعلام والشرطة والمخاطر المحتملة التي تخلقها.

المصدر : الأناضول + الجزيرة مباشر