محاصيلها الغذائية مهددة.. كيف يؤثر تغير المناخ على دلتا النيل في مصر؟

مزارع مصري في دلتا النيل (الأناضول)

يكافح عشرات آلاف المزارعين للتكيف مع زحف الملوحة في دلتا النيل، وهي مثلث أخضر خصب مكتظ بالسكان ويتجه نحو البحر إلى الشمال من القاهرة، ويمثل أكثر من ثلث الأراضي الزراعية في مصر.

ويقول خبراء ومزارعون لوكالة رويترز، إن ارتفاع الملوحة في الدلتا له أسباب متعددة، بما في ذلك الإفراط في استخراج المياه الجوفية واستخدام الأسمدة ومبيدات الآفات.

وأفاد المتخصصون أن الأمر يزداد سوءًا بسبب تغير المناخ الذي أدى بالفعل إلى ارتفاع مستويات سطح البحر ودرجات الحرارة في مصر، وهو موضوع مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب27) الذي تستضيفه البلاد.

وتتضمن قمة المناخ المنعقدة في مدينة شرم الشيخ المصرية خططًا لمساعدة 4 مليارات شخص يعيشون في المناطق المعرضة للخطر، جنبًا إلى جنب مع تحديد أهداف أكثر صرامة بشأن الانبعاثات المسببة لارتفاع درجة حرارة الكوكب.

عاملة في حقول دلتا النيل (رويترز)

وقال علي أبو سبع، المدير العام للمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، لرويترز إنه بالنسبة لمزارعي الدلتا، تتراوح خيارات التكيف من إنشاء أحواض زراعة مرتفعة، أو استخدام قوالب الزراعة الطولية، لتحسين كفاءة الري والصرف، إلى استخدام سلالات بذور جديدة.

وتساعد الأحواض المرتفعة مزارعين في توفير الأسمدة والمياه، وتضاعف إنتاجية محصول القمح، فيما يسعى آخرون إلى معالجة التربة وغسلها وتجربة محاصيل جديدة أو يعتمدون على الدورات الزراعية.

محاصيل تتحمل الملوحة

وأشار المهندس الزراعي إبراهيم عبد الوهاب، إلى أن عددًا من الأراضي عرفت -منذ حوالي عقد من الزمان- زراعة الطماطم والخيار والبطيخ والأناناس، فيما يضطر مزارعوها اليوم الاقتصار على زراعة المحاصيل الأكثر تحملًا للملوحة مثل القطن والبنجر والأرز.

وأضاف عبد الوهاب أن الملوحة تجعله يحتاج إلى غرس ضعف كمية البذور واستخدام سماد إضافي لتحقيق كثافة المحاصيل الطبيعية، لكن الإنتاجية لا تزال متأثرة.

وتعتمد مصر، التي يبلغ عدد سكانها 104 ملايين نسمة، بشكل كبير على استيراد الغذاء، وعادة تعد أكبر مستورد للقمح في العالم.

ويقتصر إنتاجها الزراعي إلى حد كبير على وادي النيل الأوسع حيث يمكن أن تكون المياه شحيحة، وتكافح السلطات لمنع الناس من البناء على الأراضي الصالحة للزراعة.

عاملة في حقول الياسمين بدلتا النيل (رويترز)

وأظهر تقرير للبنك الدولي نُشر في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أن مصر هي خامس دولة على الصعيد العالمي عرضة للتأثير الاقتصادي لارتفاع مستوى سطح البحر على المدن، وسط وجود مخاطر على الزراعة ومياه الشرب من الفيضانات والتعرية وتسرب المياه المالحة.

ومن المتوقع أن تنخفض غلة المحاصيل الغذائية في مصر بأكثر من 10% بحلول عام 2050 بسبب ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه وزيادة ملوحة مياه الري، وفقًا لورقة بحثية نشرها المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية العام الماضي.

وتشير بعض الدراسات إلى أن التأثير في منطقة الدلتا قد يكون أعلى من ذلك بكثير.

تغلغل الملوحة

وارتفعت مستويات سطح البحر في مصر بمقدار 3.2 ملليمترات سنويًا منذ عام 2012، مما يهدد بفيضان وتآكل الشاطئ الشمالي للدلتا ودفع المياه المالحة إلى التربة والمياه الجوفية التي يستخدمها المزارعون للري.

وتعمل درجات الحرارة المرتفعة على تسريع عملية التبخر، مما يؤدي إلى زيادة تركيز الأملاح، وعلى مدار الثلاثين عامًا الماضية، زادت درجات الحرارة في مصر بمقدار 0.4 درجة مئوية لكل عقد، وفقًا لبيانات من وحدة أبحاث المناخ في جامعة إيست أنجليا.

وتُظهر بيانات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ارتفاع درجة حرارة شمال أفريقيا بمقدار 1.5 درجة مئوية بحلول منتصف القرن، مقارنة بفترة 1995-2014.

ويقول العلماء إن الملوحة تختلف من مكان إلى آخر ومن الصعب قياس المساهمة الدقيقة لتغير المناخ، لكنها تؤثر بالفعل في 15% من أفضل الأراضي الصالحة للزراعة في الدلتا، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، ومن المتوقع أن تزحف جنوبًا.

وقال محمد عبد المنعم أحد كبار مستشاري المنظمة “مع مرور الوقت ومع ارتفاع مستوى سطح البحر تتغلغل الملوحة إلى الدلتا، وسوف تتعمق أكثر”.

وتشير دراسة نُشرت في 2021، في مجلة الاستدامة إلى أن 60% من مساحة 450 كيلومترًا مربعًا في شمال شرق الدلتا ستتأثر سلبًا بنهاية القرن في ارتفاع نسب المياه الجوفية المرتبط بارتفاع مستوى سطح البحر.

مزارعون في دلتا النيل (رويترز)

التبخر

ويهدد تسرب مياه البحر وملوحتها دلتا نهر ميكونج في فيتنام، ودلتا نهري الغانج وبراهمابوترا في بنغلاديش.

وتقول كلوديا رينجلر، خبيرة الموارد المائية والسياسة الزراعية في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، إن الأمر يمثل تحديًا لا سيما في وادي النيل بسبب المناخ الصحراوي الجاف.

وأضافت “يتوجب القيام بعمل أفضل بكثير في مكان مثل دلتا النيل، لأن الماء يتبخر بسرعة وللتكيف حدود”.

وقد تساعد زراعة الأرز في غسل التربة، لكن الحكومة فرضت قيودًا على المحصول في أجزاء من الدلتا، وذلك بسبب شح المياه.

وبالقرب من مدينة المنصورة، إلى الشمال الشرقي من القاهرة وعلى بعد حوالي 70 كيلومترًا من الساحل، قال المهندس الزراعي ومدير الأراضي الزراعية حسام العزباوي لرويترز، إنه حتى بالنسبة لمحصول أكثر تحملًا للملوحة مثل البنجر، يمكن أن تنخفض الغلة بأكثر من النصف في المناطق المتأثرة بالملوحة.

وفي بعض الأراضي التي يديرها، تحول العزباوي إلى زراعة القطن، النبتة التي تمتد جذورها أعمق إلى تربة أقل ملوحة.

وقد أجرى هذا العام تجارب  لسلالة جديدة من الأرز تزيد المحصول بنسبة 18% في حقول الأرض المتشققة والمليئة بالأملاح.

المصدر : رويترز