شاهد: مزارعات في غزة عُرضة للموت لتوفير “لقمة العيش”

تزامنًا مع يوم المرأة العالمي، تواجه المزارعات الفلسطينيات على حدود غزة خطر الموت جراء ممارسات الاحتلال الإسرائيلي المتمثلة بإطلاق النار، واستهداف أراضيهن بالمبيدات الحشرية السامة.

المزارعة سناء أبو جامع (53 عامًا)، تضمد جراح قلبها وتكفكف دموعها؛ بعد أن قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي زوجها، الذي اعتادت على مساعدته بأعمال الأرض، خاصة في أيام حصاد المحاصيل وجني الثمار.

وكان جيش الاحتلال قد قتل زوجها محمد أبو جامع (59 عامًا)، بتاريخ 3 مارس/آذار الجاري، حينما كان موجودًا في حقله القريب من الحدود.

وتقول سناء، إن المزارعين العاملين على حدود القطاع، يتعرضون لإطلاق نار بشكل دائم وعشوائي، من قبل قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي المتمركز على الجانب الآخر من الحدود.

وتسترجع سناء، ذكرياتها الأخيرة، مع زوجها، إذ تقول إنها طلبت منه اتباع أقصى درجات الحيطة والحذر.

وأخبرها زوجها، حينها أنه “سيتوكل على الله”، واعداً إياها بمغادرة الحقل في ساعة العصر المبكّرة، قبل حلول الظلام، كي يتسنى له اصطحابها للمستشفى، من أجل إجراء فحوصات طبية معينة.

ومساء ذلك اليوم، أخبرها ابنها أحمد (27 عامًا) أن والده أُصيب برصاصة من جيش الاحتلال في ظهره، أثناء سجوده وهو يؤدي صلاة العصر، قبل ساعات من إعلان المستشفى استشهاد أبو جامع، متأثرًا بإصابته.

وبالقرب من أرض أبو جامع، تنهمك الفلسطينية رموز أبو دقة (41 عامًا)، بحصاد محصول “البازلاء” الخضراء، من أرضهم الحدودية.

ولا تشعر “رموز” بالراحة بينما تبحث عن ثمار البازلاء الناضجة، وتترقب في ذات الوقت الجانب الآخر من الحدود، تخوفًا من أن تُلاقي وزوجها الذي يعمل بقربها مصير جارهم “أبو جامع”.

وتصف المزارعة الفلسطينية، وهي أم لتسعة أبناء، السياج الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل بـ”خط النار”.

وتشعر بالخوف أثناء عملها في الأرض الحدودية، لكن ذلك الشعور سرعان ما يتبدد “اضطراراً”؛ لأن هناك 9 أبناء بانتظارها وزوجها في المنزل، والزراعة هي مصدر رزقهم الوحيد.

وتقول “رموز” إنها تضطر لأن تتقمص شخصية “الرجل” بخشونته وقوته، في سبيل توفير حياة كريمة لعائلتها.

وتضيف “المرأة الفلسطينية باتت تضع حياتها كاملة على قارعة الموت، في سبيل توفير لقمة العيش لعائلتها.

وتوضح “رموز”، أنها خريجة جامعية درست تخصص “المراقبة الصحية”، إلا أن شحّ فرص العمل في قطاع غزة أدى بها إلى مزاولة مهنة الزراعة.

وتبيّن أنها ليست الوحيدة التي ألقت بها “البطالة” إلى “خط النار”، مشيرةً إلى أن فئة كبيرة من العاملين في الزراعة على حدود غزة  من الخريجين الذين لم يجدوا فرص عمل بمجالاتهم.

وبينما تتحدث “رموز”، تقترب طائرة زراعية إسرائيلية وتشرع برش مبيدات “كيميائية” قرب الأرض الزراعية.

تقول “رموز” وهي تشير إلى الطائرة، إنها تصوّب نظرها دائمًا باتجاه الجانب الحدودي أثناء عملها في الأرض، بسبب تحركات جيش الاحتلال الإسرائيلي على مسافة قريبة منهم.

وتتسبب تلك المبيدات “الكيميائية” بتلف المحاصيل الزراعية وحرقها، ما يؤدي إلى تكبّد المزارع لخسائر مالية كبيرة، كما تقول “رموز”.

وفي موسم الحصاد الحالي، تكبّدت عائلة “رموز” خسائر تقدّر بقيمة ألف شيكل (يعادل 285 دولارا أمريكيا).

وتشعر المزارعة رموز بـ”الأسى” بعد أن ترى جهدها وساعات طويلة مُتعبة تقضيها في الأرض الزراعية، تذهب سدىً بفعل المبيدات الكيميائية.

وتُصنف “رموز” سياسة رش المبيدات الكيميائية ضمن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق المزارعين، خاصة النساء منهم، لأنها تتسبب في حرمان العائلة من مصدر الرزق، الذي تسعى إليه المرأة على حساب أطفالها وعائلتها.

ويغطي القطاع الزراعي وفق إحصائيات وزارة الزراعة حوالي 11% من نسبة القوى العاملة في قطاع غزة، أي ما يقارب 44 ألف عامل.

وبالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة الذي يوافق الثامن من مارس/آذار من كل عام، تُطالب “رموز” المجتمع الدولي والمؤسسات المعنية بحقوق المرأة بتوجيه أنظارهم نحو النساء الفلسطينيات، للتعرف على معاناتهن.

ويقول المرصد “الأورومتوسطي” لحقوق الإنسان (مقره جنيف)، إن الاحتلال الإسرائيلي يصعّد من انتهاكاته بحق المدنيين الفلسطينيين خاصة ضد المرأة، تزمنا مع اليوم العالمي للمرأة.

وتضيف مها الحسيني، مديرة المرصد في الأراضي الفلسطينية “الانتهاكات تستهدف المزارعين الفلسطينيين، حيث تلقي تلك الانتهاكات بظلال خطيرة على فئات المجتمع، سيما المرأة والطفل”.

وتوضح أن استهداف الاحتلال الإسرائيلي للمزارعين الفلسطينيين “يؤثر على الأسرة الفلسطينية بشكل عام، والمرأة بشكل خاص”.

وتبيّن أن انتهاكات الاحتلال التي تتسبب بمقتل مزارعين فلسطينيين تكبّد المرأة الفلسطينية التي تجد نفسها فجأة دون معيل للأسرة، والأطفال، معاناة كبيرة.

ووثّق المرصد، خلال أعوام الحصار الـ12، العشرات من الحالات النفسية التي تفاقمت بسبب حوادث إطلاق النار على الحدود؛ والتي تحدث بشكل يومي.

وإلى جانب ذلك، فإن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد استهداف المحاصيل الزراعية “بشكل ممنهج”، على حدّ قول مها.

وتضيف “الاحتلال يستخدم مبيدات ومواد تتلف التربة والمحاصيل بشكل دائم، فالمرأة التي تقضي أيامها لإنتاج محصول من أجل إعالة الأسرة، تأتي إسرائيل بأقل من ساعة وترش المبيدات، وتتلف تلك المحاصيل”.

وبحسب جمعية “چيشاه-مسلك” الحقوقية الإسرائيلية (غير حكومية)، فإن الاحتلال الإسرائيلي يهدف من عمليات الرش إلى “إزالة الأعشاب بهدف تسهيل عملية مراقبة الحدود”.

ويقول مركز الميزان لحقوق الإنسان، إن عدد المزارعين الذين استشهدوا أثناء ممارسة أعمالهم في الأراضي الزراعية الحدودية خلال الفترة الممتدة بين (2009-2018)، بلغ 16 مزارعاً، بينهم إمرأة، و4 أطفال.

المصدر : الأناضول