التلسكوب الفضائي جيمس ويب يبدأ البحث عن النجوم الأولى والكواكب الصالحة للحياة

خمس مجرات تظهر قريبة من بعضها في السماء، اثنتان في المنتصف وواحدة باتجاه الأعلى وأخرى في أعلى اليسار وواحدة باتجاه الأسفل (رويترز)

كُشف في الأيام الأخيرة عن الصور المذهلة الأولى التي التقطها التلسكوب الفضائي جيمس ويب، إلا أن مهمّته في اكتشاف تاريخ الكون لا تزال في بدايتها، فقد حجز علماء من حول العالم مواعيد للاستعانة بهذه الأداة الجديدة الأكثر تطورًا في مراقبة الكون.

وفي ما يلي لمحة عن مشروعين سيتولى التلسكوب من خلال أدواته ذات القدرات الفائقة إنجازهما في المراحل الأولية.

النجوم والمجرات الأولى

تبرز من بين أهم خصائص التلسكوب جيمس ويب قدرته على دراسة المراحل الاولى من تاريخ نشأة الكون عقب الانفجار العظيم الذي حصل قبل 13.8 مليار سنة.

وكلما كانت الأجرام بعيدة عن الأرض، يستغرق ضوؤها وقتًا أطول ليصل إلينا، فالنظر إلى تاريخ الكون يعني -إذَن- العودة إلى ماضيه البعيد.

وقال دان كوي، وهو عالم فضاء في معهد مراصد علوم الفضاء ومتخصص في نشأة الكون “ننظر إلى هذه المرحلة المبكرة لنرصد أولى المجرات التي تشكلت عند نشأة الكون”.

واستطاع علماء الفضاء أن ينجزوا 97% من مرحلة العودة إلى الفترة التي تلي الانفجار العظيم، لكننا “لا نرى النقاط الحمراء الصغيرة إلا عندما ننظر إلى المجرات البعيدة جدًّا”.

وأضاف كوي “نستطيع أخيرًا بفضل جيمس ويب أن ننظر إلى داخل المجرات لنتعرف على مكوناتها”.

وبينما تتمتع المجرات حاليًّا بأشكال حلزونية وإهليجية، كانت تلك الموجودة في مراحل الكون الأولى “متكتلة وغير منتظمة”، ويُفترض أن يكشف جيمس ويب عن أقدم نجوم حمراء فيها عجز التلسكوب هابل عن رصدها.

“المنحدرات الكونية” صورة من تلسكوب جيمس ويب (رويترز)

وأشار كوي إلى مشروعين يعتزم جيمس ويب تحقيقهما، يتمثل أحدهما في مراقبة MACS0647-JD، وهي إحدى أبعد المجرات المعروفة وأسهم هذا العالِم في اكتشافها عام 2013، بينما سيراقب التلسكوب في المشروع الثاني إيرندل، وهو أبعد نجم يُرصد على الإطلاق واكتُشف في مارس/آذار الماضي.

وبينما أُدهِشت البشرية بصور جيمس ويب الأولى التي التقطها التلسكوب بالأشعة تحت الحمراء لأن الضوء المنبثق من الكون البعيد امتد إلى هذه الأطوال الموجية تزامنًا مع توسّع الكون، إلا أن العلماء يولون اهتمامًا بالغًا كذلك لتقنية التحليل الطيفي.

ومن شأن التحليل الطيفي لضوء أحد الأجرام أن يكشف عن خصائص هذا الجرم، كدرجة حرارته وحجمه وتركيبته الكيميائية، فهذه التقنية هي -إذَن- بمثابة طب شرعي خاص بعلم الفلك.

ويجهل العلم حتى اليوم الشكل الذي تبدو عليه نجوم الكون الأولى التي ربما بدأت تتكون بعد 100 مليون سنة من الانفجار العظيم.

وقال كوي “ربما نرى أشياء مختلفة بشكل كبير”عند رصد جمهرة النجوم الثالثة التي يُفترض نظريًّا أنها أكبر من الشمس بكثير ومكوَّنة فقط من الهيدروجين والهيليوم.

وتعرضت هذه النجوم في النهاية إلى مستعر أعظم (انفجار نجمي هائل)، مساهمةً في إثراء الكون بالمواد الكيميائية التي كوّنت النجوم والكواكب الموجودة حاليًّا.

وينتاب بعضَ علماء الفلك شكوكٌ في شأن إمكانية اكتشاف نجوم الجمهرة الثالثة، لكن ذلك لن يثني المتخصصين والعاملين في الفلك عن العمل لمحاولة اكتشافها.

إحدى الصور المذهلة للكون التي التقطها التلسكوب الفضائي جيمس ويب (رويترز)

كواكب صالحة للعيش

واختير العلماء الذين سيديرون المشروعات العلمية الخاصة بجيمس ويب استنادًا إلى عملية انتقاء تنافسية كانت مفتوحة أمام الجميع بغض النظر عن مستوى تقدّمهم في مسيرتهم المهنية.

ومِن بين مَن اختيروا أوليفيا ليم، وهي طالبة دكتوراه في جامعة مونتريال تبلغ 25 عامًا.

ويتمثل هدف أوليفيا في مراقبة كواكب صخرية تتشابه في الحجم مع الأرض وتدور حول نجم يحمل اسم (ترابيست 1).

وهذه الكواكب قريبة من بعضها لدرجة أنه من على سطح أحدها يمكن أن تظهر الكواكب الأخرى بشكل واضح في السماء.

وقالت أوليفيا إن “نظام عمل (ترابيست 1) فريد من نوعه”، مضيفة أن “المعايير الموجودة في (ترابيست 1) مواتية للبحث عن إمكانية وجود حياة خارج نظامنا الشمسي”.

وتقع ثلاثة من كواكب (ترابيست 1) السبعة في النطاق الصالح للحياة على مسافة ليست بعيدة أو قريبة جدًّا عن النجم، مما يوفر درجات حرارة مناسبة لوجود المياه على سطحها.

ويبعد (ترابيست 1) 39 سنة ضوئية فقط عن الأرض، ويمكن رؤية الكواكب تمرّ أمام النجم، مما يجعل ممكنًا رصد انخفاض اللمعان الذي يحصل عقب عبور النجم واستخدام تقنية التحليل الطيفي للتعرف على خصائص الكواكب.

الصور المذهلة الأولى التي التقطها التلسكوب الفضائي جيمس ويب (رويترز)

ولم يُعرف بعد ما إذا كانت هذه الكواكب تتمتع بأغلفة جوية، وهو ما تسعى إلى اكتشافه أوليفيا.

وفي حال كان للكواكب أغلفة جوية، فسيُصفى الضوء الذي يمرّ عبرها من خلال الجزيئات الموجودة فيه، مما يؤدي إلى بعث إشارات على جيمس ويب التقاطها.

أما الإنجاز الأكبر لأوليفيا فسيكون في رصد وجود بخار الماء وثاني أكسيد الكربون والأوزون على هذه الكواكب.

ويشكل (ترابيست 1) هدفًا بالغ الأهمية لدرجة أن عددًا من الفِرق العلمية خصصوا وقتًا لمراقبته.

وأوضحت أوليفيا أن العثور على علامات تشير إلى أن الكواكب صالحة للعيش -إن كانت موجودة بالفعل- سيستغرق وقتًا.

وأضافت “لكن كل ما نقوم به هذه السنة يشكّل خطوات مهمة نحو تحقيق الهدف النهائي”.

المصدر : الجزيرة مباشر + وكالات