تصوّرها رومانسية.. هل تحرّض الدراما على القتل مقابل الرفض؟

الطالبة نيرة أشرف التي قتلت على يد زميلها (مواقع التواصل)

صنّفت دراسة سابقة لمؤسسة تومسون رويترز مصر كونها “أسوأ مكان في العالم العربي يمكن أن تعيش فيه المرأة”، وقد جرى نقاش واسع على مواقع التواصل الاجتماعي مع ارتكاب جرائم متعاقبة بحق النساء المصريات خلال الأيام الماضية.

وطفا على السطح نقاش حول الأسباب والدوافع، وذهب البعض إلى أن الدراما والسينما قد تكون أحد أهمها، في مجتمع يعيش طفرة في الأعمال المحلية والأجنبية.

في 2020، تصدرت أغنية “سالمونيلا” لصانع الإعلانات المصري تميم يونس بأكثر من 5 ملايين مشاهدة خلال أول 5 أيام من إطلاقها.

ترفض كلمات الأغنية أن تقول المرأة كلمة “لا” في وجه رجل يريد الارتباط بها، ولأن رفضها يجرح رجولته يبدأ صاحب الأغنية بالوعيد.

أما مسلسل “حب أعمى” التركي، الذي عُرض في 2015، وحظي بانتشار منقطع النظير في الوطن العربي لسنوات، فتقوم فكرته على العنف ضد الرفض، بل ويلمس المشاهد في سلوك بطلِه “رومانسية” ودفاعًا شرسًا عن قصة حبه، وغيرهما أمثلة درامية أخرى كثيرة.

يترجم المُشاهد، وفق الناقدة السينمائية علياء طلعت، هذه اللقطات على أنها “رجولة” وتعبير عن الحب وعدم تنازل عن المحبوب، بل يعد أنها تعبّر عن الرومانسية، وفي أحيان أخرى عن الكوميديا.

وقالت الناقدة لموقع الجزيرة مباشر، إن المجتمع يُطبّع مع هذه المشاهد، دون أن يعترض أحد على كونها شاذة وغير طبيعية، ومن المفترض عدم تناولها في أعمال تعرض على الجمهور وتؤثر فيه.

وأشارت علياء طلعت إلى أن الدراما ليست وحدها المؤثرة، إنما أيضًا مواقع التواصل الاجتماعي، مثلما ألهمت جريمة قتل الطالبة المصرية نيرة أشرف شخصًا آخر في الأردن، وقد تُستخدم الجريمة وسيلة تهديد في حالات أخرى.

وخلصت الناقدة إلى أن الفن قد يجعل الناس تُطبّع مع فكرة العنف عمومًا، وضد المرأة خصوصًا، وأن الدراما تصوره على أنه تعبير عن الحب.

من عمر الدراما

الناقد الفني عصام زكريا رأى أن الفكرة متداولة في الأعمال الفنية لكونها سلوكًا إنسانيًا، و”من الطبيعي أن يتطرق لها كتّاب السيناريو بأشكال مختلفة”.

وتابع في تصريحات لموقع الجزيرة مباشر “أما فكرة الانتقام من المحبوب الذي يقابل الحب بالرفض فهي فكرة من عمر الدراما، تختلف معالجتها فنيًا حسب الشخصيات والأحداث”.

وأعطى زكريا مثالًا بمسرحية “أوبرا كارمن” التي تدور قصتها حول قتل العاشق لمحبوبته عندما ترفضه.

ولم ينفِ الناقد أن تكون تلك المعالجة من “التيمات” المثيرة للمشاهد، مثل باقي الحوادث عمومًا، بدليل رد فعل الرأي العام على الحوادث الأخيرة في مصر، كونها غريبة ومخيفة في الوقت نفسه.

ورأى زكريا أن هذا النوع من الأحداث يخاطب جانبًا بداخل كل شخص، وإن كان بدرجات متفاوتة.

وأضاف عصام زكريا أن الأمر يختلف من مجتمع لآخر بحسب الخلفيات، مشيرًا إلى أن الواقع هنا هو تعرّض النساء للمحاصرة والاضطهاد وطغيان الفكر الذكوري، ما يجعل الرجل يرى أن رفض المرأة يجرحه وأن عليه الانتقام لذكورته، إضافة إلى مقولات وأعراف من قبيل “الشرف يُنظّف بالدم فقط”.

ومضى إلى أن معالجة الأمر في الدراما العربية عمومًا، ستكون بالتأكيد مشبعة بهذا النوع من الأفكار المسيئة للنساء والتي تشكّل خطرًا عليهن.

عوامل محرضة

من جهته، يجد الطبيب النفسي ومدير موقع (بيت سلام) لاستشارات الصحة النفسية ملهم الحراكي، تحليل الدافع من سلوك البشر أمرًا معقّدًا وعادة ما تُسبّبه مجموعة عوامل تفسر وتعطي صورة للإجابة عن سؤال “لماذا؟”.

ورجّح الحراكي في حديث لموقع الجزيرة مباشر، أن يكون تصرف قاتل نيرة أشرف متعلّقًا باضطراب في شخصية الفرد، مثل “الشخصيات المضادة للمجتمع” ومن سماتهم الاندفاع والعدوانية.

وتجعل بعض الاضطرابات النفسية، وفق الحراكي، من الشخص يميل للعنف والاندفاع مثل اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه عند الكبار، والذي يمكن أن يترافق مع اضطراب في الشخصية.

ومن بين الاحتمالات التي رجحها المعالج النفسي أن يتعلق الأمر بإدمان للمخدرات التي تؤثر في الحالة العقلية وتسبب اندفاعية وسلوكًا عدوانيًا، وأحيانًا بعض التوهمات والأفكار المرضية حول الآخرين وتدفعهم لتصرفات مثل القتل.

وأدخل الأخصائي مشاهدة مَشاهد عنف عن طريق الدراما أو مواقع التواصل الاجتماعي -خصوصًا بالنسبة للشباب والمراهقين- في خانة العوامل المحرضة.

ورأى أن التعرض لمثل هذا المحتوى يجعل من العمل الإجرامي أمرًا سهلًا وفي متناول التفكير، ومضى إلى أن الاضطرابات الشخصية والنفسية قد تكون سببًا رئيسًا تُشعله مشاهد العنف.

وحذّر الحراكي أيضًا من ألعاب العنف التي يدمنها الشباب، معتبرًا أنها قد تشجّع وتحرض حامل فكرة الانتقام على اللجوء إليه عن طريق العنف.

واستند في حديثه إلى نظرية “التعلم الاجتماعي” للعالم النفسي ألبرت باندورا الذي تحدث عن “التعلم بالقدوة”.

وفسّر أن ذلك ما يحدث عندما يتعلق الأمر بالشخصيات الدرامية الشهيرة التي يحبّها الناس، والتي تعرض رجولتها بالتسلط والعنف، ما قد “يُلهم” الشاب ويجعله معتادًا على العنف من خلال التعلم بالقدوة.

المصدر : الجزيرة مباشر