“أنت غالي علينا”.. هل ينجح الأزهر في الحد من حالات الانتحار في مصر؟

تشكك الحكومة المصرية في هذه الأرقام وتعدها "تقديرات غير دقيقة" (مواقع التواصل)

“أنت غالي علينا”، عنوان حملة أطلقها الأزهر الشريف للحد من حالات الانتحار في المجتمع المصري، بعد انتشار أخبار عن انتحار عدة أشخاص الأسبوع الماضي.

وأبلغ مكتب النائب العام المصري في يناير/كانون الثاني الماضي، عن وقوع 2584 حالة انتحار خلال العام الماضي، وأظهرت إحصاءات البنك الدولي أن 4 من بين كل 100 ألف مصري انتحروا عام 2019، وتصدرت مصر قائمة البلدان العربية من حيث أعداد المنتحرين لعام 2016، وفق منظمة الصحة العالمية، إذ شهدت 3799 حالة انتحار.

وتشكك الحكومة المصرية في هذه الأرقام وتعدها “تقديرات غير دقيقة”، بينما أصدر مركز البحوث الاجتماعية والجنائية تقريرًا عام 2020، أشار فيه إلى أن معدل الانتحار لا يتجاوز 1.29 شخصًا لكل 100 ألف نسمة خلال 2018.

ورصد التقرير انتشار الانتحار بين سكان الريف وكذلك بين سكان المدن المكتظة، أما المعهد المصري للدراسات، فيرى أن الحكومة المصرية “لا تتعامل بشفافية مع الظاهرة”، إذ لا تصدر وزارة الصحة أو الداخلية إحصاءات واضحة عنها.

استقرار الفرد

أشاد الدكتور عبد الرحيم الريفي المعالج المتخصص في علم النفس الإكلينيكي والمدرِب في العلاج السلوكي، بمبادرة الأزهر الشريف، لكنه وجدها غير كافية، إذ يمكن أن يكون قطاع من الشباب لا يتأثر بالأزهر، مثل الشباب المسيحي مثلًا، وبالتالي فإن الكنيسة لديها دور أيضًا.

وحدد الريفي لموقع الجزيرة مباشر أسباب الانتحار في الأزمة الاقتصادية ونقص الأمن المالي الأسري، وأوصى بمبادرات تهتم بهذه الجوانب إلى جانب استقرار الفرد المرتبط بالسكن.

وحبّذ الريفي وجود تأمين صحي خاص للحالات النفسية ذات الميول الانتحارية، وشدد على ضرورة الاهتمام بالصحة النفسية في صعيد مصر وجنوبها، وهي مناطق قد تكون محرومة من هذا النوع من الخدمات.

وأكد ضرورة مكافحة تعاطي المخدرات، التي قد تكون أحد عوامل الانتحار، وأوصى بسياسة مجتمعية لتدريب الشباب على حل المشكلات والتعامل مع المحن والأزمات.

تدريب مكثف

وشدّد المعالج النفسي على ضرورة وجود تدريب مكثف للأشخاص الذين يتولون مهمة الرد على الاتصالات الهاتفية في أوقات الأزمات، معتبرًا أن المتصل الذي قد يكون معرضًا للانتحار يحتاج لشخص مدرّب بشكل جيد للتعاطي معه.

ومن بين الوسائل الوقائية التي اقترحها الريفي، وجود مراجعة للمنشورات والتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي التي قد تبوح بميول انتحارية، وذلك من طرف متخصصين.

وقالت وسائل إعلام مصرية إن الشاب الذي ألقى بنفسه من أعلى جسر الجامعة في مدينة المنصورة، الأسبوع الماضي، كتب عبر صفحته على فيسبوك قبل الحادثة “أنا على حافة الانتحار”.

ورفض الدكتور عبد الرحيم الريفي التحدث عن “تفش” لظاهرة الانتحار في المجتمع المصري، وذكر أنه تركيز إعلامي على حالات قد يكون لها تأثير في صحة من هم معرضون لخطر الانتحار وصحة ورفاهية المقربين من الحالات.

ويرى المتخصص أن وجود بروتوكول نفسي داخل المؤسسات الإعلامية يخضع له المحتوى الخاص بما يتعلق بالانتحار، أمر بالغ الأهمية، بهدف تكثيف الجهود المدنية للحد من الظاهرة.

مرض نفسي

ومضى المتخصص النفسي إلى القول إن “هناك 3 أنواع للانتحار: المكتمل، والشروع في الانتحار، ثم التفكير الانتحاري، وهي أنواع شائعة”.

وأوضح أن العوامل التي تزيد من خطر الانتحار هي التعرض للأذى والعنف وسوء المعاملة والتنمر.

وأشار إلى أن العوامل التي يمكنها الحماية منه، تبدأ من دعم الأسرة والمجتمع، وسهولة الوصول للرعاية الصحية والنفسية.

وينظر الطب النفسي للانتحار بأنه “ظاهرة عابرة للتشخيص” أي أنها ليست مرتبطة باضطراب نفسي محدد، إنما ترتبط باضطرابات نفسية عدة.

وقال الدكتور الريفي إن معظم النظريات النفسية التي حاولت فهم ظاهرة الانتحار ركّزت على أن المريض النفسي يحاول الخروج من تجربة شعورية أو مزاجية أو ألم نفسي لا يطاق ولا مفرّ منه.

ويرى المريض، وفق الدكتور، أن “الانتحار هو السلوك الفعّال الوحيد الذي قد يُخرجه من الآلام النفسية الرهيبة”.

وتابع الريفي أن هذه الحالات أطلقت عليها مصطلحات كثيرة منها: الكرب واليأس والألم النفسي.

ومن الاضطرابات النفسية التي تدفع المرضى للإقدام على سلوك الانتحار، هي الاكتئاب والهوس الاكتئابي والقلق الشديد والفصام (ومنها جنون العظمة) واضطرابات الشخصية (الحادية والنرجسية).

ويمثل الانتحار ظاهرة تحدث في جميع دول العالم بما فيها البلدان الغنية، لكن أكثر من 79% من حالات الانتحار العالمية عام 2019 حدثت في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

وأرجعت دراسة للمعهد المصري للدراسات أسباب الانتحار في مصر إلى تدني دخل الفرد، وتدني مستوى الخدمات الطبية وانتشار سوء التغذية، والفقر والبطالة، والاستبداد السياسي وغياب الديمقراطية.

وعن طرائق الانتحار فإن 20% من حالات الانتحار العالمية تكون بالتسميم بالمبيدات، ومعظمها يقع في المناطق الزراعية الريفية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، ومن أساليب الانتحار الأخرى الشائعة قتل النفس شنقًا أو بإطلاق الرصاص.

المصدر : الجزيرة مباشر