فقدَ زوجته وأبناءه.. ناج من غرق قارب الهجرة قبالة طرطوس يروي للجزيرة مباشر اللحظات الأخيرة (فيديو)

ألقى اللاجئ الفلسطيني محمد إسماعيل بنفسه وأسرته على قارب للهجرة غير النظامية هربا من سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في لبنان.

عمِل محمد ممرضًا في مكانين في الوقت نفسه حتى يوفّر لأسرته عيشا كريمًا، ولم يكن يتجاوز دخله الشهري 40 دولارًا.

يحكي محمد للجزيرة مباشر بغصة تملأ حلقة أن غلاء الأسعار وتراجع العملة في لبنان دفعه ليغامر بأوراح أسرته الصغيرة، سعيا إلى ما سماه الوهم الأوربي حيث الفرص والحياة الأفضل.

رحلة الموت

قال الشاب إن سيارات كانت بانتظار المهاجرين غير النظاميين عند نقطة التجمع لأخذهم لشاطئ المنية ومنه عبر القوارب إلى إيطاليا.

كان من المتفق أن يخوض المغامرة 80 إلى 100 شخص على قارب مساحته 20 مترًا، حسب الاتفاق مع المهرب، ليفاجأ محمد والبقية أن العدد أكبر من ذلك بكثير قدّره الشاب بـ170 شخصًا، فيما لم تتجاوز مساحة القارب 15 مترًا.

وتابع محمد إسماعيل وصف أحداث ليلة الرعب لكاميرا الجزيرة مباشر، قائلا إن الطقس كان سيئًا والأمواج عالية، واضطر المهاجرون ركوب القارب قبيل فجر الأربعاء 21 سبتمبر/أيلول.

زاد الوضع سوءا كلما توغل القارب في عرض البحر، ثم بدأ محرك القارب بالتوقف، وبعد مغادرة المياه الإقليمية توقف نهائيًا، وفق محمد.

يصف محمد كيف جعلت الأمواج العالية القارب يتمايل يمينا ويسارا، إلى أن حملته واحدة منها ورمت من عليه في عمق البحر.

آخر ما يتذكره محمد من الحادث المؤلم، أنه كان يمسك بيد زوجته التي كانت بدورها تمسك بيد أطفالها، وفيما كان يحاول أن يتجه نحو القارب للتشبث به انفلتت يدها من يديه.

جثث طفت

يقول محمد بقهر للجزيرة مباشر “أمسكت بالقارب وهم نزلوا إلى الأسفل”، ظل الشاب وأقرانه يقاومون إلى أن قلبوا القارب على ظهره مرة أخرى، وبين الغرقى وجد طفلته إلا أنها كانت قد فارقت الحياة، قبل أن يزيد “لم أجد زوجتي وطفليّ الآخرين”.

غلب محمد دموعه وهو يروي أحداث القصة كما غلبه الموج وهو يغطس تحت الماء بحثا عن أسرته الصغيرة، قال إنه حاول إنقاذهم أو أيا ممن كانوا على متن القارب.

تابع بحسرة: “حبست أنفاسي تحت الماء وبحثت كثيرًا لكني لم أتمكن من فعل شيء”، ظل الناجون يراقبون المشهد إلى أن لفظت الأمواج على السطح جثثا قدّرها محمد بالتسعين ورما بها بعيدًا، قبل أن يزيد “أكيد عيلتي كانت بينهم.. لكني لم أرهم”.

أكد الناجي أن المشهد كان صعبًا وإن لم تكن أسرته الصغيرة بينهم، كان العدد مهولًا ضم شبابا ونساء وأطفالا، تحولوا في لمح البصر إلى جثث تطفو فوق سطح الماء، وقال إنه كان أبشع مشهد.

عجز الكلمات

ظل محمد على سطح القارب إلى عصر الأربعاء، ثم نزل منه وسبح لمدة 30 ساعة نحو الشاطئ إلى أن صادف وآخرون، مركبًا للبحرية السورية نقلهم إلى مستشفى بطرطوس.

عجزت كلمات الناجي عن وصف المشهد الأخير، وقال إن التكبيرات تعالت في هذا الوقت، وساد الرعب مما هو آت.

زارت الجزيرة مباشر منزل محمد إسماعيل، الذي تزوج منذ 12 سنة ورُزق بطفله الأول بعدها بسنة واحدة وطفلة قبل 10 سنوات ثم آخر منذ 4 سنوات؛ ذهبت الأمواج بسنوات محمد الجميلة.

قال إنه لا يستطيع وصف الشعور، وإن ما حدث قد يؤثر في شخص غريب عرف الأسرة من بعيد، فكيف بمن فقدَ لحمه ودمه.

عادت الغصة إلى حلق محمد وهو يقول: أرى صورهم وأسمع أصواتهم في أرجاء المنزل، وزاد “الأمر مؤلم لكنه مؤنس بالوقت نفسه، لا أشعر بغيابهم”.

دفن الشاب زوجته واثنين من أبنائه فيما لا يزال طفله الثالث في عداد المفقودين وابن أخته الذي كان مع والده، وقال إن همّه الآن أن يُكرمهم بالدفن بعد العثور عليهم.

قال محمد إنه لم يفكر بالهجرة من قبل وإن الظروف دفعته إليها، مع أنه كان يعلم خطرها إلى أنه اضطر لها.

وحصيلة غرق هذا المركب التي تعد من أعلى ضحايا المراكب في منطقة شرق المتوسط، ارتفعت تباعًا منذ العثور على أول الجثث في 22 سبتمبر/أيلول الماضي، وقد نجا 20 شخصا فقط من أصل 150 راكبًا. وكان غالبية ركاب هذا المركب الذي انطلق من مدينة طرابلس بشمال لبنان، لبنانيين ولاجئين سوريين وفلسطينيين وبينهم أطفال ومسنون.

والهجرة غير النظامية ليست ظاهرة جديدة في لبنان الذي شكل منصة انطلاق للاجئين خصوصًا السوريين والفلسطينيين باتجاه أوربا، لكن وتيرتها ازدادت على وقع الانهيار الاقتصادي الذي يعصف بالبلاد منذ نحو 3 سنوات والذي دفع لبنانيين إلى المخاطرة بأرواحهم بحثًا عن حياة أفضل.

وبحسب الأمم المتحدة، فإن 38 مركبا على الأقل تقل أكثر من 1500 شخص غادرت لبنان أو حاولت الانطلاق منه بشكل غير قانوني بين يناير/ كانون الثاني ونوفمبر/ تشرين الثاني 2021.

المصدر : الجزيرة مباشر