إسطنبول صاحبة المشهد الأبرز.. كيف تسير الحياة في المدينة الصاخبة بعد الزلزال؟

حي بشكتاش باسطنبول ينبض بالحياة
حي بشكتاش في إسطنبول ينبض بالحياة (الجزيرة مباشر)

أسبوعان مرّا على الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا، وخيّمت رائحة الموت على المدن العشر المنكوبة، وامتدت آثار الحزن إلى إسطنبول وغيرها من المدن التي لم تصل إليها الكارثة.

ورغم الشعور بالألم والانشغال بحملات الدعم لمنكوبي الزلزال، فإن الحياة في إسطنبول تسير بشكل طبيعي وإن شابها بعض التخوفات، ولا جديد يذكر على المدينة التي ضربتها عدة زلازل من قبل.

ففي إسطنبول تستمر الحياة مع مرور الوقت، بين حياة اجتماعية طبيعية وأخرى مشغولة بتبعات الزلزال، وفي جولة لموقع الجزيرة مباشر بين أحياء إسطنبول، العاصمة السياحية الأولى لبلاد الأناضول، رصدنا الحياة الطبيعية لأهل المدينة.

على المستوى الرسمي، اتخذت الحكومة بعض الإجراءات الاحترازية، كهدم المدارس والمنشآت القديمة وتحويلها إلى أخرى موافقة لشروط المباني الحديثة، وإغلاق الجامعات مع استمرار التعليم عن بعد.

وشعبيًّا، تنامت مخاوف طبيعية لدى الناس، فاشتدّت رغبة المواطنين والوافدين في معرفة ما إذا كانت المنازل التي يسكنون فيها مقاومة للزلازل أم لا.

هنا إسطنبول

تحولت إسطنبول إلى مظاهرة تضامنية مع ضحايا الزلزال سواء من قدم إلى المدينة هربًا من الكارثة، أو من بقى هناك فجمعوا لهم التبرعات المادية والعينية وعملوا على نقلها إلى المناطق المتضررة.

طابور طويل في أحد المراكز اللوجيستية لمساعدة ضحايا الزلزال
طابور في أحد المراكز اللوجستية لمساعدة ضحايا الزلزال (الجزيرة مباشر)

في منطقة أكسراي، تحولت ساحة رياضية كبرى إلى مركز لتجميع المساعدات. تجوّلنا في المنطقة بعد منتصف الليل، وفي درجة حرارة تنخفض عن الصفر ففوجئنا بطابور من الشباب والشابات من الأتراك والجنسيات الأخرى ينتظرون في طابور طويل استغرق منا أكثر من ساعة لكي ندخل إلى المركز فقط.

إبراهيم عطية، مصري مقيم في إسطنبول منذ نحو 8 سنوات، يحكي أنه فوجئ أيضًا بهذه الأعداد من الشباب. وفي الداخل كان العدد كبيرًا جدًّا، خلايا نحل تعمل في تنظيم جيد، ولا يهم مَن أنت؟ ولا من أين جئت؟ ما يهم أن تعمل في خط إنتاج بكفاءة وهمة.

خلايا نحل تعمل لتعبئة الشاحنة المغادرة إلى هاطاي المنكوبة
خلايا نحل تعمل لتعبئة شاحنة مساعدات متجهة إلى هاطاي المنكوبة (الجزيرة مباشر)

المشهد الأبرز

لكن المشهد الأبرز كان عند اكتمال تعبئة الشاحنة والتأهب لانطلاقها، تصفيق حار من الجميع في المكان، وصفارات تملأ أرجاء المركز، مشاهد تشبه احتفال جمهور كرة القدم بأهداف أنديتهم في مرمى غريم لدود، وهكذا مع كل شاحنة تكتمل.

ما ميزهم جميعًا هو صغر سنهم، والرغبة الجامحة في المساعدة، وكذلك الرغبة الكبيرة في سماع أي تعليمات من أي شخص بالتوجيه لفعل شيء معين داخل هذه الخلية.

غالبية المتطوعين كانوا من الشباب في أحد مراكز مساعدة ضحايا الزلزال
غالبية المتطوعين في أحد مراكز مساعدة ضحايا الزلزال كانوا من الشباب (الجزيرة مباشر)

من هاطاي إلى إسطنبول

أحمد ترك، مواطن تركي من هاطاي، أحد أكثر المدن تأثرًا بالزلزال، يعيش أحمد في إسطنبول رفقة أسرته الصغيرة، لكن أسرته الكبيرة ما زالت تعيش في هاطاي، وفور وقوع الزلزال تهدمت بيوتهم جميعًا، وجاؤوا إلى إسطنبول.

17 أسرة من أقاربه تركوا كل شيء خلفهم، بيوتهم وأموالهم وحاجياتهم وفروا اتجاه أحمد في إسطنبول، ثم توجه بعضهم إلى المستشفيات لعلاج إصاباتهم الخطيرة، واحتاج البقية إلى سكن يأويهم.

يتحدث أحمد العربية شأن الكثير من سكان هاطاي ويحرص على الود والتضامن مع الجميع وقد ردّ له الجيران والأصدقاء هذا العمل الجميل؛ فخلال يومين فقط وفّروا السكن لأقاربه النازحين، كما وفّروا لهم جميع المؤن الغذائية ومساعدات مادية، كأنهم عائلاتهم جميعًا، غمروهم بحب كان يُنتظر أن يظهر يومًا ما.

سكان المجمع السكني يتبرعون في بهو المجمع بمساعدات لضحايا الزلزال وأسرة أحمد ترك
سكان المجمع السكني يتبرعون في بهو المجمع بمساعدات لضحايا الزلزال وأسرة أحمد ترك (الجزيرة مباشر)

على الجانب الآخر من المشاهد المتأثرة بالزلزال، بدت الحياة طبيعية تمامًا في المدينة الصاخبة، مراكز التسوق والمقاهي والمطاعم مكتظة بالزوار، والأماكن السياحية تستقبل زوارها بشكل اعتيادي، كما تقوم المكاتب الحكومية بخدمتها بشكل طبيعي.

آيا صوفيا

في مسجد آيا صوفيا، أحد أبرز معالم إسطنبول السياحية على الإطلاق، كانت أعداد السائحين كبيرة، وفود من دول مختلفة، يحترم الرجال المسجد بخلع الأحذية، والنساء بارتداء شيء يستر شعر رؤوسهنّ.

السائحين في مسجد آيا صوفيا
سائحون في مسجد آيا صوفيا (الجزيرة مباشر)

مع الأذان يقوم رجال الأمن بتوجيه النساء للوقوف خلف سياج يبتعد قليلًا عن مكان الصلاة، إلى أن ينتهي المصلون من صلاتهم، ويفتح لهنّ العبور من جديد.

جامع الفاتح في اسطنبول
جامع الفاتح في إسطنبول (الجزيرة مباشر)

منطقة الفاتح

وفي منطقة الفاتح، قلب إسطنبول التاريخية، سارت الحياة كالعادة في حركة لا تنقطع، وجوه كثيرة، تركية وعربية، سائحون من كل قارات العالم، المحالّ والمقاهي والمطاعم تعمل بشكل طبيعي.

منطقة الفاتح في اسطنبول
منطقة الفاتح في إسطنبول (الجزيرة مباشر)

بيشكتاش.. الحي الذي لا ينام

وفي بيشكتاش، الحيّ الذي لا ينام أبدًا، استمرت الحياة بشكلها المعهود، حيّ مزدحم ليلًا ونهارًا، يتجمع فيه الشباب جالسين في المقاهي والمطاعم الفاخرة.

يتجاذب الشباب أطراف حديث لا ينقطع في المقاهي، حديث يدور نصفه عن ترقب زلزال يضرب إسطنبول قريبًا لا تقل قوته عن الذي ضرب جنوب تركيا قبل عدة أيام، والنصف الآخر عن المدن الساحلية المفضلة لقضاء عطلة الصيف.

أحد مقاهي إسطنبول
أحد مقاهي إسطنبول (الجزيرة مباشر)

مرمره بارك

“مرمره بارك” أحد أبرز مراكز التسوق ظل مكتظا بالزوار طيلة الأيام التالية للزلزال، في الداخل تعمل آلات التدفئة بكفاءة، وبعض الموسيقى أيضًا، موسيقى حزينة، وهي جزء أصيل من الموروث الفني التركي استُخدم تناغُمًا مع الأحداث التي تمر بها البلاد.

المركز التجاري مرمرة بارك مليء بالزوار
المركز التجاري مرمرة بارك مليء بالزوار (الجزيرة مباشر)

بورصة.. درّة السياحة التركية

لم تكن إسطنبول وحدها النابضة بالحياة، ففي مدينة بورصة -درة السياحة التركية- التي تقع بالقرب من إسطنبول، كانت مظاهر السياحة الشتوية في أوجها، نظرًا إلى أن المعلم الرئيسي للمدينة هو الثلج الكثيف الذي يعتلي قمم الجبال، والذي يجذب هواة التزلج من داخل تركيا ومن خارجها.

بجانب مناطق التزلج العديدة، توجد مقاهٍ ومطاعم للاستراحة، وهناك من يأتي فقط ليجلس بتلك المقاهي ليرى مشهدًا سينمائيًّا مبهرًا يتكون من لونين فقط، أزرق ممتد في السماء، وأبيض مماثل له على الأرض.

مدينة بورصة درة السياحة التركية والقريبة من اسطنبول
مدينة بورصة درة السياحة التركية (الجزيرة مباشر)

بعد ساعتين من التزلج المرهق، جلسنا قليلًا في مقهى نحتسي كوبًا من الشاي متأملين بديع صنع الله، وفي هذه الأثناء جلس بجانبنا بعض المواطنين، تجاذبنا أطراف الحديث، فقال لي أحدهم: هل تعلم أن تركيا أفضل من بلدان أوربية عدة؟

واستطرد في حديثه قائلا “في تركيا يمكنك التمتع بالفصول الأربعة على أكمل وجه، في الصيف هناك عشرات المدن الساحلية، وفي الشتاء توجد مدن كاملة مغطاة بالثلوج ومجهزة للتزلج، وفي الربيع والخريف توجد مئات المناطق السياحية، تاريخية كانت أو حداثية، في تركيا كل شيء يمكن أن يغنيك عن زيارة عدة بلدان أوربية مجتمعة”. هكذا قال لنا، وهكذا اقتنعنا.

مطعم بأحد مناطق التزلج في مدينة بورصة التركية
مطعم بأحد مناطق التزلج في مدينة بورصة التركية (الجزيرة مباشر)
المصدر : الجزيرة مباشر