انتخابات الرابع عشر من مايو التركية وما ينتظر المنطقة!

 

تاريخيًّا، لعبت القرارات التي اتخذها الملوك والحكام أو مَن حولهم مِن المسؤولين الذين يديرون الدفة في الدولة دورًا فعالًا في تحديد مصير الأمم، وتوجيه الأحداث في ناحية بعينها. بينما شهد العصر الحديث التأثير القوي لإرادة الأمم من خلال الانتخابات ودورها في تحديد مصيرها وضبط بوصلتها. وبرأينا، فإن الأهمية تكمن في الوصول إلى القرار الصحيح من خلال عملية تقييم سليمة ودقيقة، وليس في مَن هو أو مَن هم الذين يأخذون القرار.

فكل اختيار له دعائمه وأهدافه وأجواؤه وقيمُه الخاصة، كما أن كل خيار مهم في حد ذاته، إلا أن بعض الاختيارات والترجيحات لا يمكن التراجع بعدها، سواء تسببت في نجاحات أو دمار يترك أثرًا عميقًا في المحيط الذي اتُّخذت فيه. وبغض النظر عن كل المناقشات الدائرة حاليًّا، فإن تركيا على موعد مع اختيار مصيري. فتأتي انتخابات الـ14 من مايو/أيار بحساسية وأهمية كبيرة ليس لتركيا فحسب بل للمنطقة الجغرافية المحيطة بها، حيث سيقرر الشعب التركي فيها شكل تركيا التي يحلم بها والمستقبل الذي يتطلع إليه، إلى جانب تقريره لرأيه إيجابًا أو سلبًا في أداء حزب العدالة والتنمية ورجب طيب أردوغان الذي ظل في الحكم منذ 21 عامًا متواصلة.

وباستقراء التجارب التاريخية لا سيما التجربة التركية، نجد أن أفق كل مجتمع يكون على قدر أفق قائده، وغالبًا ما يتعلق مصير المجتمعات بحكمة القائد ورؤيته للمستقبل. ولذلك فإنه مهما كانت طبيعة مؤسسات الدولة وقوتها فإن المجتمعات التي تفتقد القيادة الحقيقية واسعة الأفق لا شك ستفقد تأثيرها، وستغيب عن الساحة وتتلاشى بمرور الزمن.

واللبيبُ الحُرُّ لا ينخدع

وقد حقق أردوغان بسياساته ومنهجه في تركيا أرقامًا قياسية، وأنجز في أوقات قصيرة في عمر الأمم مشروعات يصعب تحقيقها. وتدرك الأمة التركية ذلك، وتفتخر بالإنجازات العظيمة التي تمت لا سيما في مجال الصناعات الدفاعية. فقد تم إخراج المشروعات التي كانت طي النسيان لعقود طويلة إلى النور، وتم تنفيذها في وقت قصير جدًّا، الأمر الذي يبدو وكأنه تم بعصا سحرية ونجاح غير مسبوق، مما يحفظ ثقة الأمة التركية في زعيمها ثقةً حية قوية.

أضف إلى ذلك ما مرت به تركيا وقت زلزال 6 فبراير/شباط، الذي تكبدت خسائر ضخمة جرّاءه لكنها سرعان ما تمكنت تحت قيادة أردوغان من استجماع قواها والعودة إلى الحياة الطبيعية في وقت قصير، ونجحت بسرعة في إعادة إحياء المنطقة المتضررة. وهكذا يمكننا القول إن الأمة التركية واثقة في أردوغان وقدرته على مواجهة الأزمات والتعافي منها أكثر من أي وقت مضى.

وهناك قول مأثور معناه أن تركيا ليست أبدًا تركيا فقط؛ لأنها لا تزال تتميز بأنها الدولة التي تقدّم أكبر قدر من المساعدات بما يتناسب مع قوتها الاقتصادية في العالم. فأينما كانت هناك حاجة إلى المساعدة تجد تركيا دائمًا أول من يركض للدعم وتضميد الجراح. وهذا الموقف الذي نجحت تركيا في إيجاده يؤدي حتما إلى علاقة تضامن وتكافل دولي، كان نتيجته أن تلقت تركيا في زلزال 6 فبراير دعمًا غير مشروط من كل أنحاء العالم شرقًا وغربًا. وأصبحت تركيا قوة ممتدة خارج حدودها ثقافيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا. ولهذا السبب فلن يكون تأثير انتخابات 14 مايو مقتصرًا على الشعب التركي فحسب بل سيمتد تأثيره إلى المنطقة بأكملها، لا سيما بعد ترحيب جميع دول العالم بالنجاح الدبلوماسي لتركيا بقيادة أردوغان في الأزمة الروسية الأوكرانية وعلى وجه الخصوص في ما يتعلق بممر الحبوب الذي لا يزال مفتوحًا.

فشمِّروا وانهضوا للأمر

وخلاصة القول في هذا الحدث الضخم في مثل هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ تركيا أن الشعب التركي حين يخرج للتصويت فلن يصوت فقط لتحديد مصيره ولكن أيضًا لوضع خارطة المنطقة كلها، وأن أي تغيير للسلطة في تركيا -على الرغم من صعوبة حدوثه- سيؤثر بشكل مباشر في مصير المنطقة المحيطة. ومن ناحية أخرى، تُظهر استطلاعات الرأي أن هذه الانتخابات ستعطي لأردوغان الفرصة لاستكمال مشواره القيادي. لكن اليوم الواحد مهم وفارق في السياسة، فما بالك بـ10 أيام؟ ولأن أردوغان سياسي يدرك قيمة ذلك، فإنه كما هو حاله دائمًا تجده بين أبناء شعبه في كل مكان في الداخل والخارج، يخرج إليهم ويشاركهم أحلامهم وأفراحهم وأحزانهم. ولذلك أعتقد أن الملايين من محبيه وداعميه يدعون ويأملون تحقق الحلم التركي الذي يشتركون فيه جميعًا، ألا وهو أن يكون القرن المقبل هو القرن التركي.