صعود الصحافة الطبية

نبذة تاريخية

منذ نحو ثلاثة قرون تم إصدار أول نموذج لصحيفة طبية في اسكتلندا وتحديدا عام 1731، وذلك عندما أصدرت أكاديمية رويال أكاديمي أوف أدنبره مجلة ” مقالات وملاحظات طبية ” “Medical Essays and Observation”. وكانت من أول الإصدارات التي جمعت مجموعة من مقالات مراجعة الأقران الطبية.

ولكن يبدو أن تخصص المجلة في المواضيع الطبية فقط لم يكن كافيا لجذب القراء، فتوسعت المجلة في عام 1737 لتشمل الفلسفة والأدب والفن لتخرج عن سياقها كصحيفة متخصصة في الطب.

وفي الولايات المتحدة صدرت أول مجلة طبية عام 1797، بعنوان “المستودع الطبي” وكانت تصدر فصليًا، ولكنها توقفت في 1824 بعد 27 عامًا، بسبب فقدان الدعم المادي..

وفي سبتمبر 1811 تبلور أخيرا نموذجاً واضحاً وناجحاً لصحيفة طبية متخصصة، وذلك عندما أسس جون كولينز وارن مع جيمس جاكسون “مجلة نيو إنغلاند ” وصدرت كمجلة طبية وفلسفية، وتم نشر العدد الأول في يناير 1812 لتبقى حتى الآن واحدة من أهم مصادر المعلومات الطبية والصحية.

الإعلام الصحي قبل كورونا

بعد إصدار نيو إنغلاند توالت إصدارات صحف ومجلات متخصصة في الطب والصحة، كما بدأت بعض الصحف التقليدية بتخصيص صفحة للطب.

وزاد اهتمام الإعلام بقضايا الطب والصحة ولكن في سياق تخصصات صحفية فرعية نوعية.

الصحافة الطبية في زمن كورونا

قبل سنوات قليلة كانت التقارير الصحفية الطبية نادرة ولا تحظى باهتمام صالات التحرير وقلما احتل الخبر الصحي مكانا في العناوين الرئيسية.

بيد أن عدة عوامل جعلت الخبر الصحي من أولويات وسائل الإعلام. وتعد جائحة كورونا العالمية من أهم الأسباب التي فرضت أهمية الصحافة الطبية، وجعلت الخبر الطبي في عناوين النشرات، واستمرت على مدار عام تقريبا هي العناوين الرئيسية الوحيدة نظرا لاختفاء الأحداث مع فرض حجر صحي على مستوى العالم.

ولكن كورونا لم تكن السبب الوحيد بل كانت الجائحة بمثابة ذروة سطوع نجم الصحافة الطبية والمحتوى الطبي.

كما برزت أهمية رصد ومتابعة مخرجات الاتصال الصحي وفاعليته ومدى تأثيره في الجمهور وقدرته على تغيير المجتمع إلى أنماط الحياة الصحية..

ومن الأسباب الأخرى التي ساعدت على صعود الإعلام الصحي انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي لعبت دورا أساسيا في نقل المعلومات والأخبار الطبية ونشر البيانات الصحية وتعميم الإجراءات التي تفرضها الجهات الصحية المختصة.. وهذا بالطبع إلى جانب اعتماد الأطباء والمستشفيات ومقدمي الرعاية الصحية على نشر الأخبار والمعلومات الصحية من أجل التواصل مع الجمهور والمرضى والإعلان عن خدماتهم من خلال الترويج بالمحتوى الطبي..

ومن خلال مواقع التواصل يتحقق الاتصال الصحي في أوضح صوره، فهو المصطلح الأكثر شمولا من الصحافة الطبية والإعلام الصحي. لأن الاتصال يتضمن رسالة من المُرسِل إلى المُرسَل إليه من خلال وسيلة إعلامية ويتحقق الاتصال مع تلقي رد فعل أو استجابة من المتلقي وهو ما تتيحه بالفعل مواقع التواصل التي تفتح المجال للتعليقات والتفاعل مثل فيسبوك وتويتر وتيك توك وإنستغرام ويوتيوب. وهو مثال على التفاعل المباشر، بينما تكون الاستجابة غير المباشرة من خلال تغيير السلوكيات من خلال نشر الوعي الصحي بين المتلقين.

الحاضر والمستقبل

حاليا يختلف حاضر الصحافة الطبية بوضوح عن الماضي القريب، فوسائل الإعلام أدركت أهمية الأخبار الطبية ومدى اهتمام الجمهور بها، وصارت المستجدات الطبية والصحية تناقش في اجتماعات صالة التحرير اليومية.

وكذلك أيقنت الجهات الصحية الرسمية أهمية توجيه رسائلها عبر الإعلام بوسائطه المتنوعة.

وعلى صعيد الأطباء والمستشفيات والمراكز الطبية، فالعلاقة مع الصحافة الطبية يمكن وصفها بالعلاقة التبادلية المزدوجة، فالأطباء حريصون على متابعة جديد الدراسات والأبحاث والابتكارات الطبية من خلال الصحافة الطبية

والصحافة الطبية تعتمد على الأطباء مصدرا للأخبار والمعلومات الصحية وأيضا تعتمد عليهم في توضيح وتفسير المستجدات الطبية وتبسيطها للجمهور، إضافة إلى أن المحتوى الصحي صار وسيلة لترويج الأطباء والمستشفيات ومقدمي الخدمات الطبية، وكثيرا ما يصير الطبيب نفسه هو صانع المحتوى ومقدما للصحافة الطبية..

70 ألف بحث في الدقيقة عن معلومات طبية

ويبدو أن نجم الصحافة الطبية سيواصل سطوعه في المستقبل القريب لتحتل مكانة أكبر بين تخصصات الصحافة، خاصة مع الترصد لمزيد من الأوبئة والاهتمام بمتابعة أخبارها من الجهات الرسمية والمؤسسات العلمية وعامة الجمهور، فضلا عن أن التوعية والتثقيف الصحي بدأ يجني ثماره ويجذب جمهورا كبيرا يهتم بصحته وبتغيير حياته إلى نمط صحي أفضل، بالإضافة إلى الشغف العام باكتشاف العلاجات الجديدة خاصة للأمراض المستعصية وغيرها..

وقد صدرت إحصائية ملفتة عام 2019 تسلط الضوء على الصحافة الطبية وأهميتها والتوقعات بشأن مستقبلها، وتشير إلى أن محرك البحث غوغل يستقبل 70 ألف بحث في الدقيقة عن معلومة طبية، بما يعادل مليار بحث في اليوم، وتمثل عمليات البحث عن مواضيع صحية في غوغل 7%.

هذه الأرقام تفتح المجال أمام مستقبل واعد للصحافة الطبية وفرص عظيمة لإنتاج المحتوى الطبي قد نتحدث عنها في مقالات قادمة ستتناول أيضا تجربة برنامج مع الحكيم على شاشة الجزيرة مباشر

—————————————————————–

المصادر:

https://medium.com/swlh/googles-new-healthcare-data-search-engine-9e6d824b3ccd

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4608339/#:~:text=The%20first%20peer%2Dreview%20collection،was%20published%20in%20five%20volumes.