الحل الجذري للخلافات الزوجية

شهدت الأعوام الأخيرة تصعيدا شديدا في الخلافات بين الأزواج، فمنذ سنوات قليلة كنا نقول إن بيوت المسلمين أصبحت على صفيح ساخن، وما لبث الأمر طويلا حتى أصبحت بيوتهم على جمر متقد، ولكنني أقول الآن -آسفة غير مبالغة- إن بيوت المسلمين أصبحت تحيط بها ألسنة اللهب من كل جانب، خصوصا في ظل التطور المستمر والمتسارع في كل مناحي الحياة، ولعل أبرزها الوضع الاقتصادي المتفاقم الذي بات يمثل منحنى صاعدا لا يستطيع أحد إيقافه أو حتى وضع تصور منطقي للتعامل معه، فأصبح أمرا واقعا يفرض نفسه بل ويسيطر على كل مناحي الحياة، فتلاشت مع واقعيته كثير من المشاعر والذكريات التي ربما ظل الزوجان يحتفظان بها لسنوات عديدة، فصار البيت وكأن ساكنيه شركاء متشاكسون، لا قدرة للزوجة على تحمّل معاناة زوجها، ولا الزوج أصبح يرى أن للمرأة عاطفة أصلا، وما بات عند كليهما يقظة تجاه احتياجات الأبناء المعنوية والعاطفية.

فبين صراخ الأب العائد من عمله منهكا، وأنّات الأم التي كفاها ما تحملته طيلة اليوم من معاناة مع كل شيء ومن كل شيء، تبدو على الأبناء لامبالاة تُخفي تحتها نارا مستعرة في دواخلهم، تقودهم في النهاية إلى ما لا يُحمد عقباه من إزهاق متعمد لأراوحهم بالانتحار أو لعقيدتهم بالإلحاد أو لأخلاقهم بالانحراف بشتى صوره.

    الخلاص

قال الله تعالى: {ما كانَ اللهُ لِيَذرَ المؤمنينَ على ما أنتم عليهِ…}.

فكل شيء يقع تحت سمع الله وبصره {ألمْ تعلمْ أنَّ اللهَ يعلمُ ما في السماءِ والأرض}.

يحكي لنا القرآن الكريم ما كان من سيدنا موسى -عليه السلام- الذي كان بنو إسرائيل حينها ومنهم موسى في قمة الاستضعاف، حين أرسله الله إلى أعتى أهل الأرض وهو فرعون.

ولكن موسى -عليه السلام- فطن إلى أقوى سلاح يستطيع أن يواجه به هذا الطاغية، فقال {ربِّ اشرحْ لي صدري}.

فكان ذاك الشرح لصدره كفيلا بأن يعينه على تحمّل كل الأعباء التي سيلقاها في الدعوة مع فرعون ومع بني إسرائيل، وبالفعل أتم الله النعمة على موسى -عليه السلام- فأكمل مهمته على أكمل وجه، فقال تعالى فيه: {ثمَّ آتينا موسى الكتابَ تمامًا على الذي أحسنَ}.

فكان السبب في أن أتم الله عليه نعمته أنه أحسن في المهمة التي أوكِلت إليه قدر استطاعته، فكان شرح الصدر سببا في وهبه طاقة على التحمل تفوق طاقته البشرية بمراحل عديدة.

‏ولا عجب، فضيق الصدر لا يكاد يطيق نفسه فضلا عن أن يتحمل غيره، لذلك كان القرآن حريصا على علاج ضيق صدر النبي صلى الله عليه وسلم أولا بأول، فقال تعالى: {ولقد نعلمُ أنَّكَ يضيقُ صدرُكَ بما يقولون}، ‏{فلعلَّكَ تاركٌ بعضَ ما يُوحى إليكَ وضائقٌ به صدرُك}، ‏ولذلك امتن الله على نبيه ﷺ بشرح الصدر: فقال: {ألمْ نشرحْ لكَ صدرَك}.

    الخلاصة

إذا كان شرح الصدر قد أعان الأنبياء على أداء أعظم المهمات وأصعبها في تاريخ البشرية، فكيف بما دون ذلك من مشكلات؟!

لذا، فلا خلاص من الوحش المرعب الذي يكاد يقضي على الأخضر واليابس -ليس في العلاقات الزوجية فحسب بل في كل العلاقات على حد سواء- إلا أن يكون الحل هبة منه سبحانه بعد الاستعانة به وحده.

    ختاما

للوقوف على الأمر بواقعية، بعيدا عن التنظير، وبناء على معطيات الواقع المعاصر، فإن تطبيق هذا الأمر سيقع غالبا على عاتق المرأة!

نعم المرأة، ولكنها بحق ستكون الرابح الأكبر في الحياة، وستكتشف أن بيتها قد دبت فيه الحياة بعدما كان على وشك الانهيار، وسيُصلح الله حال الأولاد تباعا ببركة طاعة الأم التي شرح الله صدرها فكانت من الفائزين بما منَّ الله به على أنبيائه وأوليائه، وكفى بها نعمة.