القوى الإمبريالية عاجزة عن هزيمة الشعب الفلسطيني

تكالبت أراذل الأمم على فلسطين واحتلتها من خلال مجموعات من النازحين خصوصًا من شعوب بحر الخزر شرقي أوربا، بولندا وروسيا وأوكرانيا. وفي السنوات الأخيرة تسارعت محاولات تصفية القضية وفرض سيادة الاحتلال على فلسطين المحتلة وتمكينه في المنطقة، وبنفس الوقت وبجهد أكبر يتم العمل على طمس الهوية والتراث والوجود الفلسطيني، ولكن كلها جهود باءت بالفشل سابقًا وكان مصيرها سلة المهملات، فهل يمكن أن تختلف النتائج في المرحلة الحالية؟

الشعب الفلسطيني أشبه بالفسيفساء الجميلة بمكوناتها المتراصة، حيث تتنوع أشكال مقاومته للاحتلال باختلاف النظام الفكري للمقاومة، فهنالك التيار الإسلامي القوي وكذلك القوى الاشتراكية والديمقراطية والشيوعية وغيرها، والعامل المشترك بين جميع هذه القوى هو تحرير فلسطين من الاحتلال، وهذا أحد أسباب استمرار المقاومة بمرور السنين، ولكنْ هنالك أسباب عميقة أخرى تعمق قوة الفلسطيني في مواجهة الاحتلال وداعميه.

أبرز تلك الأسباب هي أن جذور الشعب الفلسطيني ضاربة في عمق هذا المكان تاريخيًّا، ولذلك لا يزال متمسكًا بحقوقه ويدافع عنها بشتى الوسائل، فهذه الأرض توارثتها الأجيال، ولذلك فإن أصغر طفل فلسطيني يستطيع الحديث عن أجداده وأسمائهم المولودين في هذه القرية أو تلك قبل مئات السنين وأكثر، بعكس قطعان المستوطنين الذين جاء آباؤهم إلى فلسطين من قرى ومدن شرقي أوربا ومحيط بحر الخزر.

قوة المقاومة

في السنوات الأخيرة، تنامت قوة المقاومة الفلسطينية خصوصًا في قطاع غزة، وكذلك الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وفشلت قوات الاحتلال في فرض تفوقها العسكري وخرجت بالخزي والعار في معظم حروبها في السنوات الأخيرة، وأحد الشواهد على ذلك هو كثافة قتل قوات الاحتلال للأطفال الفلسطينيين كأحد وسائل الانتقام لتغطية الفشل في سحق المقاومة.

كذلك فشل الاحتلال في بعض الحروب في الفضاء الإلكتروني، وما حدث من تغطية لجريمة اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة أحد الشواهد.

ونتيجة لهذا الفشل الداخلي المتزايد، عملت القوى الإمبريالية الكبرى الراعية لوجود الكيان الصهيوني -وخصوصًا الولايات المتحدة وبريطانيا- على تمكين وجوده في المنطقة العربية من خلال صناعة نجاحات وهمية واستخدام وسائل الإعلام بشكل مكثف في نشر هذا التطور والنجاح الوهمي يوميًّا، خصوصًا ما يتعلق باتفاقيات التطبيع والزيارات المتبادلة والعلاقات الاقتصادية والعسكرية وغيرها من التطورات مع الدول العربية، وكذلك التركيز على دور الكيان الإقليمي في الصراع الغربي مع طهران حول المفاعل النووي الإيراني.

أسباب الإحباط

وهذا الجهد الغربي الكبير له العديد من الأهداف المعلنة وغير المعلنة، فبالإضافة إلى التمكين الحقيقي لوجود الكيان الصهيوني في الأرض المحتلة والمنطقة العربية، فإنه يهدف إلى قتل الروح المعنوية عند الشعب الفلسطيني بشكل خاص والشعوب العربية بشكل عام من خلال تعظيم قوة الاحتلال وزيادة الفجوة في عمق الأمة العربية ونشر كافة أسباب الوهن والضعف والإحباط بين الشعوب العربية بحيث يصبح الفلسطيني والعربي غير مؤمن بقدراته ولا مستقبله، حتى أصبحت الهجرة هدفًا لشريحة من الشباب العربي!

وتدريجيًّا وبعد نشر أسباب الإحباط بين الشباب العربي، فإن تلك الجهود القذرة تعمل على نشر فكر تقبّل وجود الاحتلال بشكل عقلاني، بحيث يكون الحديث طبيعيًّا عن التطور التقني والطبي وغيره في مؤسسات الكيان المحتل، وهو ما يرافقه مقارنات ونقد للواقع العربي وزيادة التشكيك وانعدام الثقة، وهذا كله يندرج تحت مفهوم الحرب المعنوية التي تسهم كثيرًا في صناعة النصر العسكري.

لكن يمكن رؤية ذلك الجهد الكبير كدلالة فشل للاحتلال وكل القوى الإمبريالية وليس تفوقًا ونصرًا، وما يؤكد هذه الرؤية أن الشعب الفلسطيني لم يرفع الراية البيضاء ومستمر في المقاومة بطرق مبتكرة، ويفرض وجوده وقصص نجاح أبنائه في مجالات عديدة بقوة في الداخل والخارج.

وكذلك تسجل المقاومة الفلسطينية المسلحة انتصارات حقيقية مقترنة بتضحيات كبيرة خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالشهداء، فعندما تكون هنالك حرب على غزة -على سبيل المثال- فإن المقاومة الفلسطينية بإمكاناتها البسيطة تواجه القوى الإمبريالية بجبروتها، لأنها هي من تتبنى الاحتلال وتدعمه بميزانيات معلنة وأسلحة وتكنولوجيا إضافة إلى الدعم السياسي، بينما تتعرض غزة بشكل خاص وفلسطين بشكل عام للحصار المعلن.

لا يمكن هزيمة الشعب الفلسطيني، وهذا ما أثبتته كل التجارب السابقة وتؤكده العديد من الشواهد، والاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين ما هو إلا مرحلة وإن طالت، وسيتبعها قريبًا نهاية وجودهم القبيح وعودتهم إلى أوطانهم الحقيقية وهم يجرّون ذيول الخيبة وراءهم.