القضاء الباكستاني يحرم الفائدة البنكية

المحكمة الباكستانية

المحكمة الشرعية الفيدرالية (FSC) في ‎باكستان تُمرّر قرارًا تاريخيًّا بحظر ‎الربا بأشكاله كافة بما فيها ربا ‎البنوك. وتعد نظام ‎الصيرفة الإسلامية الحلّ البديل بوصفه نظامًا خاليًا عن مخاطر ‎الفائدة الربوية والاستغلال.

علمًا بأن المحكمة الشرعية الفيدرالية مؤسسة دستورية يخوّلها الدستور بموجَب مادة ٢٠٣ (و) الحقَّ في اعتبار أي قانونٍ أو نصّ منه منافيًا لأحكام الشريعة، وبالتالي إصدار مذكرة حكم للحكومة بإلغائه بعد مدة محدّدة سيفقد بعدها هذا القانون مفعوليته تلقائيًّا.

وقد وجّهت المحكمة مذكّرة إلى الحكومةَ الباكستانية في قرارِها بتعاطي تحويلاتها الداخلية والخارجية حسب النظام اللاربوي بدون فوائد، لأنّ تعاطي الزيادة على رأس المال يدخل تحت مسمى الربا.

أمهل القرار حكومةَ باكستان مدة 5 سنوات لكَي تستطيع التخلّص من النظام الربوي السائد بحلول الواحد والثلاثين (31) من شهر ديسمبركانون الأول 2027، وأعلنت المحكمة أن جميع القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية ستُعد مُلغاةً غير سارية المفعول بحلول غرة يونيو/حزيران المقبل، بما فيها “قانون الفائدة (1839 Interest Act)”.

وقد جاء في قرار المحكمة أنه من المفروض أن يكون قد تم القضاء على الربا قبل عقدين من الزمن بموجَب “مادة 38 (ف)” من القانون، ولكن الحكومة لم تكنُ جادّة ولم تزل بين أخذٍ وردٍّ وتسويفٍ وتأجيلٍ، وليس من المعقول أن تتمادى الحكومة في هذا الموضوع أكثر من ذلك.

وقد حان لها أن تتخذ خطوات حاسمة في حدود 5 سنوات لتطهير النظام المالي من آفة الربا، وهي مدة كافية لصياغة بديل للنظام المالي القائم على الفائدة ولتأسيس اقتصاد الدولة على أسس الاقتصاد الإسلامي الخالي عن الربا.

قرار حاسم

وأشارت المحكمة في قرارها إلى أهمية تطبيق الصيرفة الإسلامية لا سيما وأن الصين هي الأخرى تفضّلها لتسيير المشروع الصيني الباكستاني “سي بيك” (C.pak)، وأشادت بالخطة الاستراتيجية للبنك المركزي التي طلبت من المصارف توصيل حجم الصيرفة الإسلامية إلى 30%. يشكّل قطاع الصيرفة الإسلامية حاليًا حوالي 18.5% من مجموع أصول الصيرفة الباكستانية رغم غياب الإدارة السياسية الواعية، وعليه فإن الصيرفة الإسلامية هي الحلّ الأفضل والأمثل لتحسين الوضع الاقتصادي في الدولة.

يُعد قرار المحكمة الشرعية الفيدرالية لحظر الربا قرارًا حاسمًا ومبشّرًا بخير كثير لمستقبل الدولة شرطَ أن تأخذه الجهات المعنية في الاعتبار، ويُحسب للجماعة الإسلامية كونها البادئة في تقديم دعوى حظر الربا، وقد رحّب العلماء والخُبراء بهذا القرار.

ولكنه ليس القرار الأول من نوعه، فقد سبقته محاولات عديدة في دور التقنين والقضاء لكنها تعرّضت لِغياب جدّية الحكومات في أكثر الأحيان.

معلومٌ أن باكستان دولة قامت على عقيدة الإسلام، وعليه فإن إلغاء “الفائدة” يحتل جزءًا أساسيًا له مكانته وقدسيته في دستورها. وتوجد هناك تصريحات للقائد الأعظم مؤسس باكستان محمد علي جناح تؤكد على تأسيس اقتصاد الدولة على أصول الاقتصاد الإسلامي والتجنّب من النظام الاقتصادي الغربي الذي جرّ على الشعوب الويلات والويلات.

والربا محظورٌ حسب القوانين المنبثقة من الدستور، إذ تدعو المادة 28 من دستور باكستان لعام 1956 إلى إلغاء “الربا” في أقرب وقت ممكن وينص دستور عام 1962 في مبادئ السياسة على أنه يجب إلغاء “الربا”، وهناك أحكام مماثلة في دستور 1973.

ولكن لم تأخذ هذه القوانين مجرى التطبيق العملي على المستوى الحكومي رغم كل الوسائل والاقتراحات وبرامج العمل التي تقدم بها “مجلس الفكر الإسلامي” (CII) إلى الحكومة، والتي كانت ولم تزل كفيلةً بإعادة تنظيم الجهاز المصرفي في باكستان بما يتفق وأصول الشريعة، ولكنها هي الأخرى لم تؤدّ إلى تقدم ملموس على المستوى التطبيقي لأسباب أو أخرى يطول ذكرها.

وقد أصدرت المحكمة الشرعية الفيدرالية، عام 1991، بتوجيهٍ من السادة العلماء قرارًا من هذا النوع، وفي 1999-2002 أصدرت المحكمة العليا للتمييز الشرعي بقيادة مفتي باكستان القاضي محمد تقي العثماني قرارًا بحظر فائدة المصارف، وأنها من الربا الذي يحرّمه الكتاب والسنة ولكنها لم تلقَ استجابةً من قبل الجهات الحكومية والبيروقراطية يومَها، وأُدخلت دعاوى استئناف ضدها لتدخل في طيّ الإهمال والمماطلة من جديد وإلى يومنا هذا.

في ظلّ الاستبشار الغامر بهذا القرار المهم هناك مخاوف من الجهات الحكومية والمصارف الربوية التقليدية -لا سمح الله تعالى- أن تحاول استئناف هذا الحكم سعيًا منها لِعرقلة تطبيق هذا القرار وتعطيله أو تبطئته مثلما حصل في الماضي.

المسؤولية الآن تتوجّه إلى الحكومة ولا سيما إلى الأحزاب الدينية السياسية أولاً ثم إلى مؤسسات الإعلام لكي تقوم بحملة إقناعية مخطّطة للتعريف بنظام اقتصادي لا ربوي وترسيخ ثمراته في أذهانهم لكي يتبنّوه بحماس المؤمن الصادق.

فالله تعالى نسأل أن يكلّل هذا القرار بالنجاح، وأن يرى نورَ التطبيق العملي، ويجعله فاتحة خير ووسيلة ازدهار، وما ذلك على الله تعالى بعزيز.