تركيا وإفريقيا.. تنامي التعاون الثنائي على حساب فرنسا

لم يعد خافيا على أحد الدور التركي المتنامي في القارة الإفريقية، وذلك تطبيقًا للسياسة الخارجية التركية الجديدة تجاه هذه القارة الغنية بشعوبها وثرواتها وأهميتها الاستراتيجية وثقافاتها وإمكانياتها الكبيرة.

الزيارات الكثيرة المتبادلة بين المسؤولين الأتراك ومسؤولي الدول الإفريقية تعطي مؤشرا واضحا على القرار التركي والقرار الإفريقي بالانفتاح المتبادل وتعزيز العلاقات، فلا يكاد يمر أسبوع على سبيل المثال إلا ونرى مسؤولا إفريقيا في تركيا يبحث سبل تطوير علاقات بلاده مع أنقرة.

لقد استطاعت تركيا أن تتبوأ من خلال سياساتها الجديدة تجاه الشعوب في القارة السمراء، حجز نفوذ جيوسياسي لها في القارة الإفريقية، على حساب النفوذ والدور الفرنسيين.

تتمثل السياسة التركية في القارة السمراء بمساعي توسيع التعاون الثقافي والسياحي والتجاري والاستثماري، فضلا عن المساعدات الإنسانية الضخمة التي تقدمها تركيا لمختلف الدول الإفريقية.

وهو ما جعل تركيا تتقدم في إفريقيا على حساب قوى أخرى وخاصة فرنسا، والسياسة التركية هناك قائمة على مبدأ “رابح ـ رابح”، تركيا تربح والدول الإفريقية تربح، على عكس سياسات الآخرين، وخاصة سياسة فرنسا التي مصّت دماء الأفارقة مئات السنوات، وقد أدرك الأفارقة اليوم التداعيات السلبية للسياسات الفرنسية في إفريقيا.

ونتيجة لإيجابية التعامل التركي في إفريقيا عكس التعامل الفرنسي، بدأت الشعوب الإفريقية تميل لتركيا بشكل علني، فمع تركيا الكل يربح، ومع فرنسا فقط فرنسا تربح.

انظر الى الصومال

فها هو الصومال، خير دليل على السياسة التركية الإيجابية في إفريقيا، حيث افتتحت أنقرة قاعدة عسكرية في مقديشو بقيمة 50 مليون دولار في 30 سبتمبر/أيلول 2017، فتركزت فيها قيادة فرقة العمل التركية المكونة من 300 فرد مهمتها الأساسية تدريب الضباط وضباط الصف الصوماليين الذين سيفيدون الصومال لا تركيا.

ونتيجة إقبال الدول الإفريقية على تركيا، تعزز قطاع أساسي بين الطرفين وهو قطاع الصناعات الدفاعية، فمثلا بوركينا فاسو زادت وارداتها من الصناعات الدفاعية التركية من 92 ألف دولار إلى 8 ملايين دولار، وتشاد من 249 ألف دولار إلى 14.6 مليون دولار، والمغرب من 505 آلاف دولار إلى 82.8 مليون دولار، ووصلت تلك الواردات في تونس إلى 63.9 مليون دولار بزيادة 645%.

كما وقعت تركيا اتفاقيات عسكرية أمنية مع العديد من دول المنطقة كالسنغال ومالي وموريتانيا وتشاد والنيجر.

هذا التمدد الاستراتيجي التركي في منطقة الساحل وغرب إفريقيا أثار القلق في أروقة صناعة القرار الفرنسي من تراجع نفوذ باريس، حتى قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن “تركيا تسعى لتعزيز المشاعر المعادية لفرنسا في إفريقيا”.

من خلال هذا التصريح، نستطيع أن ندرك صحة ما بدأنا به حديثنا في هذا المقال، وهو أن تركيا تتوسع في إفريقيا ولكنها تحاول من خلال ذلك التوسع أن تستفيد هي وتفيد الآخرين، وأن ترمّم الجراح التي تسببت فيها فرنسا لمئات الملايين من الأفارقة.

تسعى تركيا لأن تكون الشعوب الإفريقية هي أول المستفيدين من ثرواتها ثم لاحقا يستفيد الآخرون منها من خلال علاقات إيجابية متبادلة، لا كما كانت فرنسا تفعل ولا تزال، حيث تسلب الثروات وتقتل الأبرياء وتتحكم في مصير البلاد السمراء.