ويستمر المغرب في صناعة أسباب “الفرح” لأمة في أشد الحاجة إليه

أفراح بالفوز في كل مكان

 

يا لها من فرحة غامرة عمت أرجاء الوطن العربي وكل مكان يحب العرب أيضا، المنتخب العربي المغربي استمر بنشر الفرح في الأرجاء ووحد الجماهير العربية خلف راياته المرفوعة جنبا إلى جنب مع راية فلسطين، رايات الانتصار على العديد من الأطراف، بالفوز على البرتغال وصل المغرب إلى نصف نهائي كأس العالم، مرحلة لم يصل إليها العرب سابقا، ونحن أهل لها من خلال رجال المغرب أسود الأطلس.

لا يمكن تفسير وحصر أسباب حجم الأفراح التي عمت المدن العربية بفوز المغرب على البرتغال، ففوز وتفوق دولة عربية على دول أوربية من نخبة المنتخبات التي تضم في صفوفها أهم لاعبي كرة القدم في التاريخ هو حدث جديد وكبير ويستحق الفرح، لكن الموضوع لا يمكن حصره في كرة القدم فقط، فقد تم كسر شوكة العالم الغربي.

تاريخ حافل

للمنتخب العربي المغربي تاريخ حافل وإنجازات على مستوى قارة أفريقيا، وأيضا سبق له تحقيق حضور جيد في بطولات كأس العالم سابقا وحقق انتصارات تاريخية، ولكن تجاوزه لمنتخبات أوربية، بلجيكا وإسبانيا والبرتغال على التوالي، له نكهة خاصة جدّا عند الجماهير العربية، ويفتح الأبواب أمام الشباب العربي في المناسبات القادمة لكي نجعل من المستحيل واقعا وممكنا، حيث رفع المغرب من سقف طموحاتنا وأصبح ما فعله وأنجزه هو القاعدة التي يجب أن يبدأ من عندها البقية في المناسبات القادمة.

تستحق الشعوب العربية عموما أن تتوافر لها أسباب الفرح والفخر كما وفرتها لها دوحة العرب والمنتخب العربي المغربي، وتستحق أن يكون هناك الكثير من العمل لكي تعيش في سعادة ليست وليدة صدفة غير متوقعة، فنحن أهل الحضارة والتاريخ يشهد، فلماذا لا يتم العمل على إعادة الهيبة ونحن أهل لها؟ أليست هذه الوحدة الشعبية العربية أكبر حافز لكي تتوجه بوصلة القرار السياسي والاقتصادي باتجاه مصلحة الشعب العربي وسعادته؟

الفتوحات الاسلامية

بالعودة إلى التاريخ، ولماذا لا نستذكره؟ فقد وصلت الفتوحات الإسلامية سابقا إلى إسبانيا والبرتغال، وصنعت فيهما حضارة دامت ثمانية قرون ولا تزال بعض معالمها ماثلة اليوم، ومما يُذكر عن نهايتها أن السلطان أبو عبد الله انتظر على سفح جبلٍ مرورَ موكب الملكَين الكاثوليكيَّين فيرناندو وإيزابيل، ليسلمهما مفاتيح المدينة وهو منكسر يبكي، وعاتبته أمه بمقولة ما زال صداها يتردد حتى اليوم: “ابكِ كالنساء على مُلكٍ لم تحافظ عليه كالرجال”.

بعد ذلك أقيمت محاكم التفتيش الكاثوليكية التي فتكت بالمسلمين، ومن استطاع منهم الهروب وصل إلى المغرب، هذا جزء من التاريخ الذي لا ينسى، ولذلك نفرح ونحن في عز انكساراتنا لأن الفوز جاء وهم في أوج عنفوانهم وقوتهم.

بالعودة إلى الجانب الكروي، فالمغرب وصل إلى نصف النهائي وسيواجه منتخب فرنسا في مباراة قوية جدّا، وفرنسا الدولة الاستعمارية التي استباحت العالم العربي وقارة أفريقيا، وتاريخها الاستعماري الأسود مستمر حتى اليوم، ولذلك فإن الجهد أمامها يُفترض أن يكون مضاعفا، وبالإمكان الفوز عليها وقد فعلتها تونس في الدور الأول وهزمتها.

ومن مفارقات فوز منتخب المغرب أن أعداد لاعبيه وأجهزتهم الفنية والإدارية والطبية قد لا تصل إلى أربعين شخصا، وهؤلاء الأبطال الذين يشبهوننا استطاعوا في بضعة أيام صناعة أسباب السعادة في بيوت العرب، في وقت عجزت فيه عشرات القمم العربية السياسية على مدار سنين عديدة أن تصنع يوما ساعة فرح في بيت واحد!

المنتخب الفلسطيني

أما حضور فلسطين في مونديال قطر فقد قيل فيه الكثير، وقد يكون أبرز ما قيل إنها المنتخب رقم 33 في البطولة، ونقول إنها كانت الأجمل بين الحضور.

لم تعد كرة القدم مجرد لعبة رياضية، بل إن مونديال قطر قد رسخها كصراع حضارات خصوصا بين العرب والغرب، وقد أثلج صدورنا أن عددا لا بأس به من الشعوب غير العربية قد أظهرت وقفتها مع الحق في الصراع الرئيسي بالعالم، وكانت فلسطين بوصلة الحرية للضمير الإنساني، بعيدا عن صراع المصالح في السياسة والاقتصاد.

وللاعبي المغرب وأجهزتهم الفنية والإدارية والطبية، نقول لكم: استمروا يا رجال في صناعة التاريخ والإلهام، فلا ندري فقد تكون انتصاراتكم سببا في انتصارات أكبر من مستوى كرة القدم.