ملائكة ومسوخ

فرنكشتاين

الناس حين تحب لا تريد ان ترى او تسمع أي وصف يدل على نقص او سلوك خاطئ او خطيئة فيمن تحب، فهو كامل الاوصاف وملائكي الطلعة والسلوك، ذات الشخص وبمجرد الاختلاف معه او في نظر آخرين يبدو كتلة من المساوئ لا خير فيه ولا يرتجى الخير منه.

فرنكشتاين داخلنا

وكمسخ فرانكشتاين في رواية لماري شيلي، يتحول القائد الفذ المثالي الذي بلغ حد التقديس، الى الدكتاتور المرعب، وكذلك الشعب العظيم الى منافق اناني في نظر ذلك الفذ، أصل هذا المسخ في ذهننا اذن؛ عجزنا لم يطابق صنع خيالنا مع الواقع فرفضنا بشريته من صيغة الملاك الى ان حولناه شيطانا يتصور أن سيادته حق واستحقاق، لكن لو نظرنا الى عجزنا وأصلحنا أنفسنا لوجدناه انسانا يحتاج الى تدبيرنا، ولو نظر لوجد شعبا تصنع سلوكه المعاناة؛ مشكلة البشر الازلية انهم يصنعون من البشر آلهة لكي تحقق امنياتهم ولكنها واقعا محض بشر لها امنياتها، الانسان لا يحب الا ان يرى من يتقدمه الها لأنه ببساطة يريد الامر جاهزا لا يتعب فيه فلو كان من يتقدمه بشرا فهذا سيرتب عليه واجبات المساعدة، ومتى ما فشل في الوهيته كسره؛ الاله يبقى إلها عند البعض حتى يذيقهم جهنم الدنيا بانحراف سلوكه، ورغم مغادرته الا انه يترك ايتام الوهم ممن يتغنون بحمده، او اناس تلوم من تخلص منه لأنها لم تذق ناره ومازال في تفكيرها انه ذلك الاله الصالح وليس ابن النار، والعقبة ان ابن النار يرى نفسه ملاك نور.

الالوهية بالمثالية

مشكلة الامم العاجزة تأليه في تأليه، تاليه للقوة رغم انها تدمرهم وتاليه للبشر رغم استبداده وتاليه للفكرة رغم ان لا تطبيق لها.

تاليه الاسلامي للحكم بالإسلام فلا يجد غير الاسم في التطبيقات وحقيقته انه ارهاصات بشر لا يتعب في استنباط ما يلائم عصره، بل يحبط من يفعل ولا يرى تخلفه بفكر فاعل يزعم حمله.

وتاليه العلماني للعلمانية رغم ما انتجته من طغيان واستبداد بتكرار ممل رجعي متحجر كنوع مغيب من التخلف.

في استقراء الامثلة

1- للإسلامي: الاسلامي بدل ان يتمسك بتسميات عليه ان يفكر ويستنبط ويستقرئ الواقع ليرى ما هي القوانين والحلول المناسبة لحل مشاكل الانسان ولا يفكر بكلمتي (الرجوع الى الاسلام وكانه سيذهب الى الماضي) او (استئناف الحياة الاسلامية وكأنها توقفت امس)، بل ان يفكر بالمثاني (الطيات الفكرية في القرآن وليس كما يفسرونها بالتكرار) ويقدم شيئا يطرحه للناس وهي مسؤولة عن تبنيه او رفضه لكنه أبرأ  ذمته، اما توكيل النفس عن الناس فهو أمرٌلم يُمنح لمحمد رسول الله ﷺ ليمنح لك انت المقلد الذي تعيش خارج الواقع بعقلك، بفعلك بنزقك وفاعلية غريزة حب السيادة عندك.

الاسلام رؤية في كل عصر تتجدد بمنظومة الانسان العقلية، هذه الرسالة التي تحمل الكرامة الانسانية والحفاظ على الاهلية عند الانسان ونشر العدل بين الناس….. هذا كله يحتاج الى فهم ومنهجية تفكير.

2- للعلماني: ان يطرح فكره ان كان عنده رؤية وفكر وتفصيل وحلول، ولا ينشغل بانتقاد الاخرين وفق انطباعات غير صحيحة وشيطنتهم وجعل من الطغاة ملائكة او نسيان انهم ظلمة مارقون، لكن ما نراه رجعية وتخلف في الفهم وما يريد الا التحرر وميل للهوى وكلام عن قيم لا تجدها.

فهم يرون من يخالف رأيهم علمانيا او اسلاميا شيطانا ومن يطابقه ملاكا، ولا فرق بين المتطرفين من اية ملة ودين او العاجزين في تصنيف الناس والناشطين بالذات الى مسوخ او ملائكة.

نقطة نظام

ان الانسان آدمي سليل آدم الذي هبط وزوجه نتيجة معصية لم يستخدما كرامتهما بمنظومة العقل في منعها وليسوا سلالة جبريل وميكائيل واسرافيل، وليسوا كذلك سلالة ابليس الذي أصر على الفسوق، لكن سلوكهم من يقربهم لنقاء الآدمية دون كمال وطلب الغفران، وخطأهم شطط يقربهم من شطط ابليس في مخالفة الرحمن.

لذا فلنوازن نفوسنا ونعمل بدل عجزنا ونبحث عن حقيقة هويتنا ومهمتنا، ونسعى للفهم والتفهيم والتعامل مع الحياة بالمهمة التي هي عمارة الارض وإدامة السلالة وما تحويه من كرامة الانسان وأهليته وحقه في الاختيار فهو من يحاسب امام ربه.