الشيخوخة الفكرية

موناليزا

موناليزا والتراث

عندما آتي إلى موناليزا وأغيّر ملامحها أو ضع بعض الألوان على أنها ألوان حديثة، فأنا أضعت التراثية ولم أنتج جمالا، وعندما آتي بممثل ليقوم بدور لشخصية تاريخية وكانت نيتي تشويهها فلن آتي بأرقى فناني العصر ليجسدها وإنما أضع شخصا التقطه من الشارع لا يعترض على سيناريو وحوار أضعه على حركاته والحوار.

بهذا المثل المبسط، تمثلت الحالة التي يعيشها الإنسان ومنطقتنا بالذات ويصنع تأثيرها بطريقة أو أخرى على الحضارة الفكرية العالمية وبنية المجتمعات لأنها تشكل نمط حياتي قد يخافه بعض الناس فيسعى لتشويهه وقد يحاول البعض التقريب وإزالة التحدي فيشوه موناليزا.

الفكرة هي ليس بتغيير ملامح موناليزا أو إضافة اصباغ حديثة عليها، وإنما برسم لوحة عصرية بألوان عصرية بيد فنانين ومن المصدر ذاته الذي علم فن تجسيد الحياة ووظف البشر لمهمة البناء وديمومة السلالة وبناء النموذج الصالح وفق آليات صحيحة ليكون معروضا كنموذج ناجح يقتدى به.

وأما تشويه الفكرة التي يقوم بها من يعاديها سواء بصنع النموذج السيئ الذي يكوّن انطباعات سلبية وحاجبة لأي فكرة ايجابية تطرح كلاما، أو بتفعيل ماكينة إعلامية تسطح المفاهيم بالاجتزاء.

كذلك من يضعون الأصباغ بتقريب الظاهر دون البعد الإيديولوجي فهم يسطحون المفاهيم لدرجة تقول للمتلقي أنا لا أقدم لك شيئا جديدا لكن ما أقوله أفضل مما عندك، أو كأنها تقسيم للملكية جغرافيا تفقد القيمة الموجهة كرسالة للأدمية.

شيخوخة الافكار

الأفكار تشيخ إن مر زمن فاعليتها كالإنسان تماما، والإنسان يتجدد بالسلالة وولادة الأبناء فالأحفاد، أما أنا وأنت فإلى الهرم والتلاشي، كذلك الأفكار والمفاهيم لها عصر وزمكان يصبح بعدها الإنسان المتمسك بها كما هي خارج عصره مقدسا لأمر ميت يحتاج إلى امتداد وأبناء يعيشون عصرهم ووسائل جديدة للإعلان عن وجود منظومتهم وفاعليتهم في الحياة، وعندما نتحدث عن الإسلام والقرآن في هذا الاتجاه فإن فاعلية الاسلام تتجدد مع الزمان فهي مثاني تفتح عبر العصور والإنسان يستنبط منها لعصره، فإن تمسك باجتهاد الأجداد فهو قيد الأصل المطلق وحدد الشمولية الإيجابية بقيد الانجرار إلى ماضٍ لم يعد موجودا.

من الواضح أن حركة العصر اضحت بإيقاع سريع، وأن اللغة اختلفت فأضحى التناغم بين القديم والعصري ينتج نوعا من الصدمة تجعل النفاق والارتزاق أقرب من أفكار لا تجد لها من يتبعها بالحرف إلا جاهل أو متخلف، أو يركب عليها أفاك يطلب دنياه بغيبوبة الآخرين، وهنا يشار إلى فشل الجماعات الإسلامية بإقامة دولة كما يزعمون، والنماذج الحرفية التي تمكنت كانت أرضية تنتج الفساد والتخلف المدني ولا أثر لما يزعمون، اللهم إلا من سلك التجديد بفهم لأصل الإسلام، فالغاية ليست السلطة وإنما العدل وكرامة الإنسان.

قال لي صديق علينا إحداث صرخة وأن نتوجه للعبادات والتربية الأخلاقية، نوع من الارتداد الطبيعي عندما لا يكون هنالك رؤية واضحة عن الدولة والعمل في الدولة وفقدان سيطرة الصالحين على جشع الفساد والنفاق المنفك المرتبط، هذا الاسلوب يا صديقي هو عودة للصفر لكن الطرق سدت بالفوضى فلن تجد من يؤيدك كما أيدك ذوو الأحلام والمنهزمون من الواقع الذين تحولوا إلى فاسدين عند التمكين، أو يؤيدك من قلبه على القيم وهو رأى رؤية العين ما فعله دعاتها من سلبيات كانوا يجرمون الآخرين عليها، وهذا واضح ورأي عام على كل لسان حتى على ألسنتهم أنفسهم وليس تشخيصا لكاتب أو رؤية فلسفية.

إن الصرخة لا تنفع بالعودة الى القديم لأنها كهروب الرجل الفاشل إلى أمه العجوز فلا هي تنفعه ولا هو صغير لتعلمه.

استعادة الشباب

الشباب ليس عمرا لإنسان هنا وإنما شباب الفكر بالتوالد، وتوالد الفكر في الذهن وليس الأرحام، وهذا يحتاج فكرا يدير العصر وليس العودة إلى عمق التاريخ.

ذات الأمر التقليدي عند الرجعيين الجدد من دعاة العلمانية دون فهم معناها، أو التمسك بأفكار أضحت تاريخية لكنها لا تمتلك مقومات التجديد لأنها صورة وتقليد، بينما توجه العالم وصناعته للمدنية تجاوزت المرحلة الفكرية التي يعيش بها هذا الطيف من الناس، فالمدنية تتغير وتتغير معها ما تفرزه من قيم مرافقة تحتاج إلى تأهيل بيئي.

خلاصة مهمة

ما يدعو إليه الداعون اليوم في بلداننا محض قوالب فكرية مستوردة من تاريخنا أو تاريخ أمم غيرنا، لا تتناسب وواقعنا ليلبسها لبوس الاصلاح، وهذا أمر مهم التفكير به بدل الاختلاف لجعل الرأي بالإصلاح وليس بالتترس بساتر التخلف باسم الدين او التمدن والثيوقراطية العلمانية التي باتت موضع تقديس وتكفير للمخالف أيضا.