المسخ الذي أتحوّل إليه

رواية المسخ

وأخيرًا بعد مدة ليست بالقصيرة من صمت الكاتب الذي ألمّ بي وعجزي عن الكتابة أعود لأسطر هذه الكلمات لستُ متيقنة إن كانت ستُمحى كأخواتها أم ستنجو من محرقة الكلمات التي تشتعل في أوراقي وجوفي قبلها.

مررت بأحداث كثيرة، وأنا الشفافة التي لا تتذكرني الأيام، مررت بالكثير، كي أستلهم منها بعض الحكايات والعبر ولكنها لم تسعفني لأكتبها في مقال كعادتي، ولكنني الآن عازمة على كتابة هذه الأسطر..

بماذا أبدأ ولا شيء حولي يوحي بالإلهام، لا شيء داخلي، إنني أعيش أياما قد تستمر لسنوات، أعيش ما لا رغبت بعيشه، تلك الحياة الباهتة الروتينية التي تجبرني بضجرها أن أعمل بلا شغف، تجبرني على النوم مبكرًا كطفلة مشاكسة أرهقت والديها وها هي تُغمض جفنيها بلا رغبة، وأستيقظ بكسل وأحايين كثيرة بقلق لأبدأ يوما آخر لا يختلف عن مثيله بشيء. وكأن أحلامي تتهاوى أمامي وأنا أراقب أحداث حياتي الجديدة، أهي جديدة لأنني كبرت عاما آخر أم لأنها تقحمني بكل الصفات والتفاصيل التي مقتُّها؟

إنني أتحول

إنني أتحوّل إلى أكثر الأشخاص الذين أكرههم، أتحوّل تدريجيا ودفعة واحدة أصبح شخصا آخر، إنه شخص كئيب على الرغم من ابتسامة باهتة تلوح على وجنتي، وغريب في مكان لا ينتمي إليه بالرغم من تأكيدات الآخرين حوله بأنه في مكانه المناسب. إنني بتحوّلي هذا أكاد أشبه غريغور سامسا مسخ فرانس كافكا الذي تغيّر فجأة وتحوّل فكرهه الآخرون بلا ذنب إلا أنه استيقظ يوما بشكل آخر وهيئة عجيبة، شخصا اعتياديا اكتشف فجأة أن حياته وإنجازاته عبارة عن أكذوبة، عبث يعيش حياة ليست بحياته، في تحوّله هذا أدرك أنه لم يعش يوما.

متسائلا عن سر تحوّله “كيف أصبحت الشخص الذي أنا هو؟ هل أنا نفسي فعلا أم صنع مني الآخرون بالأحرى الشخص الذي أنا هو؟” هذا السؤال الذي لا ينفك يطاردني ويغزوني كالكابوس الذي عانى منه غريغور وحيدا في غرفة نومه وعلى فراشه الضخم.

إن غريغور يُشبهني كثيرا، لديه أذرع وأرجل كثيرة، ولديه أحلام أكثر ولكن الفرق بأنني ما زلت أحمل الأمل بداخلي، أحمله بيدين مرتجفتين أخاف أن أُخذل مرة أخرى، أحمله كشمعة مضاءة أحاول بجهد إبقاءها بعيدا عن الرياح وكل ما قد يطفئها ويفقدها الحياة.

قد تكون كتابتي هذه بدايتي، بداية حياتي التي أود لو تسير بما أهوى لا كما يهوى من حولي، بداية استفاقتي ورغبتي بالتمسك بأحلامي ومصيري الذي أود تقريره بنفسي بعيدا عن الضغوطات حولي أو توقعات الآخرين مني، وعلى الرغم من محاولة الآخرين وضعي في قالب مُعلب لا يشبهني، سأبقى تلك الطفلة الحالمة التي بكل طفولة العالم حلمها أن تكون ناجحة ومشهورة والأهم حرة لا تقيدني عادات ولا توقعات المجتمع الذي يرى بأن الأحلام رغبات طفولية لا أكثر.

ولأنني وعلى عكس غريغور الذي وعند اقتراب نهايته أيقن ببؤس شديد أن “هنالك ما يسمى بالنهايات السعيدة، لكنها ليست لأمثالنا من الخنافس القبيحة”، سأتأمل نهاية سعيدة وحياة مديدة بها من الإنجازات ما يُرضي قلبي.