تجارة الوهم!

ابراهيم الفقي

حينما بدأت أقرأ كتباً خارج المنهج الدراسي -الذي لم يكن ممتعاً حقّاً- بدأت بقراءة كتب التنمية. كنت عاشقة لقلم وأفكار خبير التنمية البشرية المصري د. إبراهيم الفقي -رحمه الله- قرأت مفاتيح النجاح، والثقة بالنفس، وقوة التفكير، وغيرها.. بل واستمعت إلى محاضراته المصوّرة، وقرأت للكاتب الكندي بريان تريسي، كتابه عن علم نفس النجاح. واشتهرت الكاتبة الأسترالية بكتابها السر فتلقّفته بنهمٍ، وكُتب أخرى عن الكاريزما وفنون الحياة وأكثر من نفس المجال.

فكتب التنمية هي تجارة قديمة تبيعنا الوهم

وبالفعل كنت أتأثر بها بشكل ملحوظ، ولكن بشكل مؤقت. وعندما بدأت بالتبحّر في الروايات العالمية والكتب الأدبية أصبحت كتب التنمية نوعاً، لا أستسيغه بسهولة، تحوّلت من الانجذاب والمتعة الى النفور لأسباب جمة؛ منها أن الكتب الأدبية والعالمية وجدت بها عمقًا وواقعية، لم أجدها بالأولى.

فكتب التنمية هي تجارة قديمة تبيعنا الوهم، بابتسامة عريضة ومسحة من الرضا الساذج، كما يقول نعوم تشومسكي “باختيارٍ مِنا، يُمكِنُنا أن نعيشَ في عالمٍ من الوهم المريح”، وهذا ما قد يختاره البعض منّا، الهروب من الواقع. تصوّر لنا الحياة كعالم وردي جميل، وكل مشاكلنا من التوتّر وعدم الثقة بالنفس إلى الفقر والفقد هي مُشكلات هينة تتخطاها بمجرد التركيز على شيء آخر، أو كما يشرح كتاب السر -على سبيل المثال- بجذب فكرة سعيدة بدلا من الانشغال بفكرة اخرى عابسة وكئيبة. أو أن تحقق أرباحاً طائلة بمجرد تمدُّدِك على فراشك وتخيّل نفسك تسبح بين فئات الدولار والإسترليني، كما في كتبٍ أخرى تبيعك وهم الثراء في 7 أيام أو عشرة!

حقيقة، أقدر المشاعر الإيجابية التي تُحاول بثها تلك الأنواع من الكتب، ولكنها غير عمليّة ولا واقعيّة، قد تخطُفك من عالمك المرير لحظات أو تؤثر بنفسيتك مؤقتًا، ولكنها سرعان ما تتبخّر وتغوص أنت مرة أخرى بالواقع.

إذا قررتُ يومًا ما أن أكتب كتابًا يُحفز الآخرين سأجعله مليئا بالتجارب الفاشلة

الأجدر بهذه الكُتب أن تُحفزك على العمل والسعي الدؤوب لتحقيق النجاح، بدلًا من تكرار جُمل رنانة عقيمة. أن تُعلمك كيفية البدء باستثمار طاقاتك وإمكانياتك بدلًا من التمدّد وتخيّل الثراء، أن تصنع من نفسك شخصًا أقوى يُواجه الحياة بطرقٍ علميّة مدروسة تُعيد صياغة مفاهيمك وتوضح أساليب التغلب على المُشكلات بمنطقيّة، بدلًا من التهرب منها، أملًا في اختفائها، أن تؤكد أن الحُزن والألم والفقد أجزاء لا تتجزأ من حياتنا، وأننا لا بد أن نُفسح المجال لأنفسنا لنعيشها بكاملها، أن نطلق العنان لدموعنا بالانهمار، أن نحزن ونبكي، وأنه لا بأس بذلك لأنها وسيلة أولية لنعترف بأننا أحياء ونتأثر بداية لنتخطّى تلك المرحلة الصعبة ونعيشها كما يجب، لتنقشع شمس الأمل من جديد ويُصبح المُستقبل جليًا ومشرقًا لا مليئَا بالضباب، وخيبات الماضي تُلاحقنا.

أن تعلمنا أن الحياة ليست دائما مُشرقة، وبأنها ليست وردية، بل إنها مزيجٌ من الألوان، وهذا ما يُميّزها. في أوقاتٍ مُعينة لا بد أن نُقاتل لنصل إلى أهدافنا، وفي أوقات أخرى لا بد أن نرتجل أساليب تُسعفنا بالحياة ليست بالضرورة ناجحة، أو أن نرتجل عن مقعد القيادة ونجعل الأقدار تقودنا حيثما شاءت، إن نحن ضللنا الطريق.

إذا قررتُ يومًا ما أن أكتب كتابًا يُحفز الآخرين سأجعله مليئا بالتجارب الفاشلة، لأثبت لكم أن الحياة لا تحفل بالفشل بل تمضي على أي حال وأنت ما عليك سوى أن تتأقلم وتتخطى وتنهض من جديد، أن تعيش جميع المشاعر بلا هرب أو تأجيل، أن تعيش الحياة بحذافيرها؛ فذلك المغزى منها.