إنسان ثنائي الأبعاد

تُرغمنا الحياة أحيانًا أن نغيّر مسارنا والدروب التي نسيرها وقد يخيّل إلينا في لحظة ضعفٍ أن نتخلّى عن أحلامنا، أن نبتعد عن الأشياء التي أحببناها، عن كل ما تمنينا، عن تلك الأمنيات الصغيرة التي قد يتولّد عنها أحلامنا الصغرى والكبرى ولمواجهة ضعفنا يلزمنا أن نتحول إلى جندي من فئة قائد متمرس متسلح بذراع صلب، غالبا ما يكون هذا الدرع عبارة عن أهداف واضحة وعزيمة من حديد ورؤيا شاملة متطلعة لمستقبل أفضل يملك في بعده الأول مرونة اكتسبها جعلته يتقلب مع الظروف كما تتقلب سنابل القمح مع الرياح، دون الخوف من الانكسار والخسارة، وفي بعده التأني قوة خيال إبداعية.

في مقالنا هذا سنتحدث عن البعد الثاني، عن قوة الخيال تلك القوة الرائعة التي لا يجب الاستهانة بها أبدًا، التي هي بمثابة الريشة التي ترسم بها الطريق وبمثابة الحدس الذي ينير الدرب، والشمعة التي تساعدك على رؤية أوضح لتشق طريقك والبذرة التي تزرع في مخيلتك لتترجم بعد ذلك لأفعال ثم أعمال.

البعد الثاني ليس هروبا من الواقع ولا مجرد أحلام اليقظة

ولعل العديد من نوابغ الجيل الذهبي قد التمسوا ذلك أمثال محمد علي كلاي الذي قال إن الرجل الذي ليس لديه خيال ليس له أجنحة، وقد أكد توفيق الحكيم على أهمية الخيال أيضًا عندما قال ”الخيال.. هو ليل الحياة الجميل، هو حصننا وملاذنا من قسوة النهار الطويل. إن عالم الواقع لا يكفي وحده لحياة البشر إنه أضيق من أن يتسع لحياة إنسانية كاملة”.

كما أكد العلماء أيضًا أهمية الخيال العلمي أمثال ألبرت أينشتاين الذي اعترف في مقولته الشهيرة “الخيال أكثر أهمية من المعرفة. المعرفة محدودة ولكن الخيال يحيط بالعالم. العلامة الحقيقية للذكاء ليست المعرفة بل الخيال”.

البعد الثاني ليس هروبا من الواقع ولا مجرد أحلام اليقظة ولا متاهات ولا سراب، إنما العلم في أصله خيال جامح، كل ما حولنا من مخترعات وأنماط حياة حديثة كانت في البداية بذرة في الخيال، ولولا الخيال ما اخترع الإنسان الأول الأدوات، ولا حوّل الإنسان المعاصر العالم إلى قرية صغيرة يتواصل أفرادها بالصوت والصورة رغم آلاف الأميال التي تباعد بينهم، ولما تمكن الإنسان من التجول في الفضاء.

اترك لعقلك حرية الانطلاق في التخيل، لا تتركه مختنقا.. لا تقيِّده بقوانين أو أعراف أو ممارسات، اترك له حرية التصرف في تشكيل العوالم، قد يكون ذلك على شكل قراءة كتاب أو رسم لوحة فنية في غاية الإبداع، أو تأليف قطعة موسيقية، أو كتابة رواية، أو إخراج فيلم سينمائي، واختراع علمي.. اكتشف عظمة هذا العقل الإبداعي الرائع.