على خُطى حاتم علي

المخرج السوري حاتم على

رحيل “حاتم علي” لن يُحدث شرخًا في قضية لجوء الفلسطينيين، بل جسدّ وحدتهم؛ فالكلُ أجمع على التغريبة الفلسطينية التي أحيّت مشاعرهم ومشاعر الأمة العربية والإسلامية. “فحاتم علي” أيقونة فنية تأبى الموت وإن مات؛ فالموت حياة لمن ضجت أعماله بضجيج الثورة الفلسطينية، التي فجرت حركات المقاومة الفلسطينية على اختلاف أيدولوجياتها وأفكارها ورؤيتها فيما يخص إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

‌أجل، رحل علي، لكن رحيله كان قوة للقضية الفلسطينية، قوة تُضاهي حضوره اللافت في إخراجه لمسلسل التغريبة الفلسطينية بل وأدائه لأحد الأدوار المهمة دور “رشدي” الذي شُرد عن أمه وغُيّب عنها، وتمكن من اللقاء بها بعد ثلاثة وعشرين عامًا من الغياب والاختفاء القسري..!

‌”حاتم علي” الحيُ بإحساسه الذي أمدنا به وأشعرنا به؛ فأحيا مشاعرنا بل وحافظ عليها من الذوبان في واقعٍ. مليءٍ بالضغط على اللاجئين المشردين للقبول في مشاريع التوطين والوطن البديل،  فإحساسه ومشاعره الجياشة، جيشت الأجيال المتعاقبة نحو متابعة مسلسله الأشهر الذي يعرض بدقةٍ متناهيةٍ قضية التغريبة الفلسطينية ليكون اسمها اسمًا على مسمى،  تهجيرٌ واغتراب، فراقٌ ولقاء، مسلسلٌ كان ضليعًا في إبراز كل تناقضات الحياة الفلسطينية، إلى حدٍ أبهر الفلسطينيين أنفسهم؛ الذين لم يتوقعوا يومًا أن تكون حياتهم تحت مجهر مخرجٍ سوريٍ وليس فلسطينيا،  وهو ما يجعلهم يؤكدون أن العربي بإحساسه وعروبته وفنه وعمله هو شقيق الفلسطيني بل هو فلسطيني وقد يسبق الفلسطيني في التعبير عن همه وأمله، وهوما نجح فيه “حاتم علي” المخرج السوري الأصل،  الفلسطيني الفعل والتأثير والإحساس!

‌فلا فرق في الإبداع الفني المعاصر بين سوري وفلسطيني ولبناني ومصري

هذا يقودني إلى أهمية الدفاع باستماتة عن أصحاب الفن والإبداع، ويأتي في مقدمتهم أصحاب المشاعر الجيّاشة التي لها نصيب الأسد في تحريك عاطفة الجماهير نحو التشبث بالبقاء والتجذر  بالأرض،  فإن نجحت التغريبة الفلسطينية في نزف جراحات اللاجئ الفلسطيني وغير اللاجئ فإن لها أيضًا سبق البراعة في طرق الخزان فيما يخص معاناة السوريين واللبنانيين من فلسطيني الأصل ومن غير الفلسطينيين..! ‌لتُجسد بذلك أهمية العودة مجددًا إلى أمجاد العروبة، فتغني الأجيال من جديد “بلاد العرب أوطاني وكل العرب أخواني”!

‌فلا فرق في الإبداع الفني المعاصر بين سوري وفلسطيني ولبناني ومصري….. إلخ المهم أن يحرص المبدعون على اختراع قوالب إبداعية جديدة، في ظل إعلام ٍ يجب أن يقاوم بقوة كل مشاريع التطبيع والتنازل عن الحقوق وفي مقدمتها وحدة مدينة القدس المحتلة غير القابلة لحلول التقسيم!

‌وفي ظل معركة الفن وتأثيره لا غرابة أن ينتصر الفلسطينيون لحاتم علي رحمه الله بإطلاق اسمه على شارعٍ في محافظة طولكرم بالضفة المحتلة، لكن الأجمل من هذه الخطوة واللافتة الإنسانية من الفلسطينيين أن يحموا كل من بداخله مقومات التأثير والفن والموهبة، بحيث يكون الحال إن رحل المخرج حاتم علي فإن فلسطين والعرب قادرون على إنجاب أمثاله، وفعليًا وواقعًا هم موجودون، لكن ينقصهم التعريف عن إبداعهم ومواهبهم وقدراتهم، والمستقبل القريب قادر على أن يحتضنهم جميعًا بإذن الله.