ارحموا طفولتهم.. يرحمكم الله!

 

في صغري، كنت أسمع زميلاتي بالمدرسة يقولون بعض الجمل التي لا أفهمها، ويرددون بعض الأغنيات التي لا أعرفها، وإذا سألتهم أخبروني بأنها من فيلم كذا أو مسلسل كذا، كنت أعود وأحكي لأمي وأرجوها أن أشاهد كل شيء مثلهن، لكنّ جوابها كان الرفض دائمًا. واستمر الوضع هكذا سنوات بعد ذلك، أصبحت خلالها مقتنعة بصحة موقف أمي، خاصة بعد بعض القراءات الدينية والثقافية، لكنني تيقنت منه بعد زواجي بفترة، واطلاعي أحيانًا على بعض المقاطع المتداولة هنا أوهناك، وكان كثير منها يصيبني بالصدمة، ويبرز السؤال القديم في عقلي: لماذا يُري الأهالي أولادهم مثل هذه الأفلام والمسلسلات رغم ما تحتويه من مشاهد لا تناسب سنّهم البتة؟! هل يرجون فائدة تربوية وأخلاقية أو جمالية تعود على أبنائهم بالنفع؟

كنت أسمع في صغري مبررات واهية يرددها كثير من الأمهات والزميلات، من قبيل أن هذه الأفلام تعلّم تجارب الحياة! فهل مشاهد البلطجة والقتل تعلم شيئًا؟ وهل مشاهد الغزل والعري والسكر والانحلال نموذج يجب على الأبناء الاقتداء به؟!

وسأستشهد بمثال خطير -أصبح مألوفًا الآن- يبيّن تأثير هذه الأفلام والمسلسلات على سلوك الأبناءِ، ففي دراستي الجامعية كنت أُشاهد فتيات عاديات للغاية يلبسن الحجاب ككل الفتيات وكنت أعرف أهليهن، ومن منطلق التقليد الأعمى للحب الساذج في المسلسلات، أراها تجلس مع زميل لها لمدة أربع أو خمس ساعات في جامعتها، ضاربة بالأخلاق عرض الحائط ومتجاهلة سمعتها وسمعة أهلها!

وأما عن أثر العنف والبلطجة والألفاظ البذيئة فحدّث ولا حرج، فقد صارت الأخلاق في انحدار غريب وارتفعت أعداد الجرائم وأعمال العنف بشكل مخيف، وهذا مما لا يَخفى على أحد.

الخلاصة

خلاصة القول: إن كلّ أمنياتي، أن يعيش الأطفال طفولتهم، أن يروا أشياء تناسب عالمهم، بعيدة كل البعد عن الانحلال والعنف والسباب والنكات السخيفة والتلميحات غير المهذبة، وأن يتوقف الناس عن الاقتداء بهذا الفن الهابط، وترديد كلماته وتمجيد أهله، وأن يعلموا جيدًا أنه صناعة تدر ربحًا، فلا يكونوا رهنًا لها، بل يؤدي الآباء والأمهات دورهم بوعي ومسؤولية، لحماية أطفالهم من التأثر بهذا الغث، فالحياة ستعلّمهم في معتركها عاجلًا أم آجلًا، لا مشاهد تمثيلية وكاميرات تصوير خادعة.