قوة تركيا تدفع يريفان للتطبيع مع أنقرة

قبل فترة قصيرة بدأت الأطراف المعنية الحديث عن مرحلة جديدة لتطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا، وفعلا ونحو هذه الخطوة عينت أرمينيا ممثلا خاصا لها بشأن تركيا، وكذلك ستفعل الأخيرة.

للتذكير هنا، فقد أغلقت تركيا حدودها مع أرمينيا عام 1993، وذلك بعد فترة وجيزة من إعلان أرمينيا الاستقلال عام 1991، واحتلال إقليم “ناغورني كاراباخ” الأذري.

طبعا ما كنا اليوم لنرى هذه المرحلة من العلاقات بين أنقرة ويريفان، لولا ما حصل في إقليم “ناغورني كاراباخ” الأذري، عام 2020.

يومها حققت أذربيجان انتصارا عسكريا كبيرا بدعم تركي واضح، ضد الاحتلال الأرميني في إقليم “ناغورني كاراباخ”، وذلك بعد حرب استمرت 44 يوما.

الحديد والنار

أكثر من 3 عقود وأذربيجان تسعى بالسياسة لتحرير الإقليم، دون أي مجيب على المستوى العالمي، ولكن ومجرد 44 يوما من استخدام الحديد والنار بدعم تركي كبير، تم إجبار أرمينيا على الانسحاب من الأراضي الأذرية التي تحتلها.

بالحسابات السياسية والعسكرية، ما حصل ليس بالأمر العابر، لذلك وبعد أن أدركت أرمينيا أنها أمام قوة جديدة حقيقة في المنطقة -هي تركيا- لم يعد أمامها أي خيار إلا البحث عن مسارات لتحسين وتطبيع العلاقات مع هذه القوة التي إن كان هناك علاقات معها، فإن الأمر سينعكس إيجابا على أرمينيا نفسها وعلى المنطقة كلها.

أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعربت أرمينيا عن استعدادها لتطبيع العلاقات مع تركيا دون شروط مسبقة.

وقال فاهان هونانيان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأرمينية يومها إن “أرمينيا أبلغت الجانب الروسي، استعدادها لبدء تسوية العلاقات مع تركيا دون شروط مسبقة”.

وأضاف هونانيان في حديث لوكالة (تاس) الروسية أن “ذلك جاء بعد أن أعلنت موسكو استعدادها لدعم عملية التطبيع بين تركيا وأرمينيا”.

وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه لا مانع لدى تركيا من تطبيع العلاقات بشكل تدريجي مع أرمينيا، شريطة أن تقوم الحكومة في يريفان بإبداء إرادتها الخالصة مع أذربيجان.

وفي 19 سبتمبر/أيلول 2021، كشف أردوغان أن رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان طلب عبر أحد الوسطاء عقد لقاء معه.

وقال أردوغان إن “رئيس الوزراء الأرميني أرسل لنا رسالة عبر رئيس الوزراء الجورجي (إيراكلي غاريباشفيلي) لعقد لقاء معنا”.

وتابع أردوغان “إذا كان يرغب (باشينيان) بلقاء مع رجب طيب أردوغان، فلا بد من اتخاذ خطوات معينة هنا.. نحن لسنا منغلقين على المفاوضات”.

وشدد أنه على أرمينيا أن “تتخذ نهجا إيجابيا تزامنا مع هذا الطلب.. وإذا كان (باشينيان) صادقا حقا في توجهه، فسأظهر أنا أيضا صدقنا في هذا الأمر”.

اليوم، يمكن الحديث عن توجه أرميني حقيقي لتطبيع العلاقات مع تركيا التي لن ترفض بطبيعة الحال، ولكن لن ترفض لأنها هي الأقوى وهي الأكثر تأثيرا وهي المنتصرة مع الحليف الأذري.

منطقة خالية من الصراعات

كلنا يقين أنه لو لم يتم تحرير إقليم “ناغورني كاراباخ” الأذري بالقوة ما كانت أرمينيا لتتجه لتطبيع علاقاتها مع تركيا ولو بعد مئة عام مقبلة، ولكن القوة تكلمت في نهاية المطاف، وأرمينيا فهمت أن مصلحتها الاستراتيجية بعلاقات جيدة مع الجار تركيا، لا بعلاقات عدائية أو الاستقواء بدول ما وراء البحار.

التطبيع المقبل بين تركيا وأرمينيا من شأنه أن يحول منطقة جنوبي القوقاز إلى منطقة خالية من الصراعات والحروب، يعمها السلام والازدهار الاقتصادي، وتزدهر بالمشاريع في مجال الطاقة والنقل والبنية التحتية، خاصة مع افتتاح ممر “زنغيزور” الذي يربط البر الرئيسي في أذربيجان مع جمهورية نخجوان ذاتية الحكم، وبالتالي يربط دول العالم التركي بعضها بالبعض الآخر.

إذن، استطاعت تركيا أن تفرض نفسها في المنطقة، وأن تدفع أرمينيا نحو عملية تطبيع معها، الأمر الذي سيسمح لتركيا بالبروز بشكل أكبر كقوة إقليمية مهمة، إضافة للانعكاسات الإيجابية على المستوى العالمي.