الرحلة

“هل تعلم أنّ الحياة ليست إلا رحلة، ولذتها ليست في الوصول وإنما في الطريق؟ استمتع بالطريق وافخر بنضالك وأنت تتغلب على عثراته وارفع رأسك فوق، فأنت لن ترضى بالهزيمة”.  أسعد طه

أتذكر حينما تخرجت من الثانوية لم أفرح كثيراً مع أنني قد تحصلت على مجموع مرتفع جدا، ليس كمن يفرح بالتخرج بالعادة. والآن بعدما تخرجتُ من الجامعة أشعر بذات الشعور، شعور عادي وليس كما كنت أتخيل دائما بأنني سأكون فرحة وسعيدة كمن رافق النجوم. لذا تأملت بهذه الأحاسيس المختلطة. وسألت نفسي حقيقة لما لم أفرح بتلك اللحظات الهنيئة؟ لأنه ليس بموضوع عابر أو موقف بسيط ولكنها لحظات العمر التي يود المرء أن يحققها ويعيدها في الذاكرة ليستشعر معنى الانجاز.

أسباب اللاشعور

واليوم أدركت ما السبب. سبب شعوري -اللا شعور- الذي راودني في تلكما الحالتين. فوجدت بأنني في كلا المناسبتين كنت قد استنزفتُ طاقتي بالعمل في سبيل تحقيق معدل معين أو إنجاز هدف ما، في طريقي إلى التخرج كنت قد استهلكتُ وقتي وجهدي وتفكيري حتى تخرجت بالفعل فاكتشفت بأنني وصلت أخيرًا ولكن وأنا منزفة تماما ومتعبة، وصلت أخيرًا لا لأحتفل بإنجازي ولكن لأستريح من وعثاء وطول الطريق. لم أفكر بأن درب النجاح لابد وأن أعيشه باستمتاع ولذة بأن أعيشه بأقصى ما لدي من طاقة وشغف. أن أحقق مقولة أن اللذة تكمن بالرحلة وليس بالوجهة؛ فكانت النتيجة أنني لم أشعر ببهجة ما وصلت إليه.

أدركت بأن الحياة رحلة وما هي إلا طريق طويل مليء بالمطبات والاشارات وما عليك إلا أن تسير به بشغف لكي تعيش بهناء واستعداد دائم لمواجهة أي عقبة ببساطة لأنها جزء لا يتجزأ من الرحلة. وانه لابد من الإيمان “بقلب العالم” الذي تحدث عنه باولو كويلو حينما سيّر سانتياغو في رحلة بحثه _عن ذاته _ عن الكيميائي الذي هجر العالم وترهبن لأنه أدرك ما يجعله مطمئن البال قانع بعلمه مستأنس بقلبه يُحاور الكون ويبادله الأخير بالحوار؛ إنه الوحيد الذي أيقن بأنه إذا أردت شيئا ما فإن العالم كله سيطاوعك لتحقيقه. ستتغير الخرائط لتتوافق مع دربك، سيلتحم العالم لهديك وستتغير حيوات وتختلط بواقعك لتصل لنهاية بداية رحلتك التي قد تستغرق مدى الحياة في سبيل اكتشافها. ولكن سيتحتم عليك المغامرة وكذلك المخاطرة وأحيانا التضحية في رحلتك التي ستلقنك الكثير من الدروس لتهيئك للنجاح ليس فقط بحياتك العملية ولكن بذاتك لتصبح شخصية ناضجة حساسة تشعر بالآخرين وتعطف عليهم..

وأن فحوى الحياة ومعنى هذه الرحلة يكمُن في هذه العقبات التي ستتعثر بها وتتعلم منها ولكنها حتما ستصبح ذكرى وقصة هزلية حتى وإن كانت مؤلمة حينها لأنك ستستشعر قيمتها حينما تصل الى الوجهة المقصودة فقط، ستعرف أن عثراتك هي التي مهدت الطريق وصقلتك لتصبح مؤهلا لتصل إلى بر الأمان بعد رحلة مشقة وتعب عانيت منها ولكنها كانت تستحق كل قطرة عرق وكل ليلة أرق وكل دمعة جعلتك تقف في منتصف الطريق يائسًا يومًا.

النهاية

نهاية الرحلة ستكون الأقل حماسة لأن الرحلة ذاتها هي التي لها فضل الوصول. مهما كانت الرحلة غامضة ومتشحة بالغمام حتما ستتغير الأمور حينما توقن بأن المتعة الحقيقية تكمن بطريقتك في عيش الرحلة وبأن المحاولة هي الخطوة الأولى في مشوار الألف الميل التي ستجعلك شخصًا أخرًا، شخصًا أفضل وهي ذاتك الأطهر والأنضج.

تذكر لتتغيّر لا تجعل من نفسك عدّاءً في مضمار همه الوحيد الوصول إلى نقطة البداية ولكن استمتع بكل خطوة لتبتهج في النهاية.