إخوان مصر: مراجعة أم مكاشفة؟

 

   حلقتا رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري سابقًا؛ والقيادي بجماعة الإخوان وحزب “الحرية والعدالة” رضا فهمي من برنامج “الشهادة” الذي أداره الكاتب الصحفي سليم عزوز على موقع “الجزيرة مباشر” منذ أسابيع لم تحوزا على تعليقات كافية، سواء ممن خالفوا البرنامج واتهموه، أو ممن ناصروه ودافعوا عنه، ويكفي أن فهمي اختتم الحلقتين بقوله عن السنة التي حكم الإخوان فيها مصر: “بصراحة لقد تصدرنا المشهد في مصر؛ ولم نكن على مستوى المسئولية”!

   هذه الكلمات يجب تناولها بعناية والتدقيق في مدلولاتها وعميق المكاشفة فيها، بخاصة أن الرجل سَبَقَ الكلمة الأخيرة في شهادته بالإقرار بأن قيمة مثل شهادته يجب أن يكون وضعها بدقة أمام صُنّاع القرار في الجماعة، والراغبين في نهضة الأمة؛ مع المكاشفة لا المراجعة وحدها، بأن الأمور لدى جماعة الإخوان ليست تمامًا ولا تستلزم “الكفي على الخبر ماجور” كعادة بعض القيادات؛ بل إن المشكلات كبرى و”الوعي المتأخر الآن” (برأي فهمي) يستوجب استلهام العبرة لغد.

في الأدراج:

    أما المراجعة التي أجراها بعض الإخوان منذ فترة بخاصة الجبهة التاريخية المُسيطرة، فكان مصيرها الأدراج المُعتمةُ التي لا تُفتحُ بعد الغلق، وقام بها أفراد من المُنتقين بعناية للوصول إلى ما تريده القيادات من نتائج وبالتالي فإنها في حكم العدم؛ لإن القرار الأخير جاء بأن المراجعة في حكم الأسرار المقدسة للجماعة؛ ولا يجوز الكشف عنها؛ وأما المطلوب بالفعل فليست مراجعة يقوم بها الراغبون في رضا القيادات؛ بل إن المراجعة الحقيقية يجب أن يُدعى إليها القاصي والداني من الجماعة، فليس من المعقول أن يدعى هؤلاء الغرم والمصائب؛ ثم يعفون عند المراجعة وإدارة دفة الجماعة.

   كما أن من أصول المراجعة أن يقوم بها منظرون إلى جانب حركيين، لا أن يلغى دور المُنظرين من الأساس؛ ليفسح المجال (مجددًا) لِمَنْ يغامرون بالتصرف دون فهم أو استبصار بالعواقب البعيدة عن أسفل القدمين.

المكاشفة:

  ويبقى أن المأساة هي أن المطلوب ليس المراجعة بل “المكاشفة”، وفتح الجراح لتطهيرها والاعتراف بالأخطاء والخطايا؛ لا التسكين واغتيال المعارضين لمسيرة الجماعة معنويًا بالتخوين والإقصاء، أو برأي فهمي “الكف عن التكبر..”.

  ومن نافلة القول إن ما يجب على الإخوان القيام به كأمر أساسي أُولي هو الفصل بين قدراتهم واجتهاداتهم ووجودهم البشري فوق الأرض؛ وبين يقين بعض القيادات وطرف من الصف بأنهم يسيرون بتدبير وحكمة إلهية، لذلك فالله تعالى ناصرهم، ومع الإقرار بأن الله ينصر المخلصين القابضين على جمر الطريق؛ إلا أن لله سننًا كونية ما كان ليستثني أو يخرج الإخوان منها.

   فأين مراعاة سنن الله الكونية من خرائط وزارة البنى التحتية الإسرائيلية التي كانت مؤسسات الدولة العميقة تُمد الإخوان بها في عام حكمهم لكي تهب العدو بعضًا من أسرار وكنوز مصر؟ وعلى الناكر للأمر الرجوع لحلقتيّ فهمي من “الشهادة”.

   وأين سنن الله الكونية من طرف من فريق الرئاسة (الإخواني) في نهاية يوم 30 من يونيو/حزيران 2013م، وهم يهنئون أنفسهم بانتهاء يوم 30/6 بنجاح الإخوان وفشل المخطط الانقلابي؛ وقد استوى الأخير على سوقه تمامًا واستقر في ذلك اليوم؟ بخاصة بعد إقرار الرئيس الراحل محمد مرسي بتسليم مصر لعدوه السيسي والجيش قبلها بساعات ليحيمها، ثم اختلاف حتى الفريق الرئاسي المحيط بالراحل مرسي: هل كان يدري بما يخططه السيسي من الانقلاب عليه والإطاحة به، رغم تحذيرات كثيرين منهم الرئيس أردوغان والدكتور يوسف القرضاوي، وآخرون داخل مصر؟

لواء بالمخابرات

   ثم كيف اختار الإخوان السيسي من الأساس والقيادي الدكتور المسجون محمد البلتاجي قال في برنامج مصري مشهور وعلى هواء فضائية خاصة (قبل تسلم الإخوان الحكم) مُعرضًا بالسيسي: إن لواء من المخابرات الحربية اسمه عبد الفتاح أتاه في الميدان قبل “موقعة الجمل”؛ ليطلب منه إفراغ الميدان من أهله قبل أن تهجم عليهم عصابات خيول وجمال ونوق مبارك؟

   وأين العقل والفطنة الإخوانية من مسلسل اختراق جمال عبد الناصر لهم قبل عام 1954م؛ ودفعهم له للانقلاب على الملك فاروق؛ ثم إلتهام جمال عبد الناصر لهم بعد أن وافقوه على حل الأحزاب والجمعيات واستبقاءهم، وعدم سماعهم لمحذريهم من داخلهم (ومنهم الراحل الشيخ محمد الغزالي) بأن الدور عليهم؟

   وأين عقل وفطنة الإخوان ومظنتهم أن الله ناصرهم والسيناريو الذي نفذه فيهم عبد الناصر في الخمسينيات يكرره عليهم (مع التعديل) ويستأصل شأفتهم أو يكاد السيسي بعد نحو 60 عامًا في 2013م؟

   وكيف تستمر هذه العقلية الإخوانية بهذه الطريقة في التفكير السياسي وتحسب وتظن أنها منصورة؟

  إن أولى خطوات الإصلاح مكاشفة الإخوان لأنفسهم بأنهم ساروا في مسار خاطئ، وإنهم وإن حاولوا الوصول إلى العدالة ورفع الظلم عن المصريين إلا أنهم أخطأوا الطريق وارتكبوا من الخطايا، وأولها الاستعجال، ما كان كفيلًا بإزاحتهم لا عن سدة وقمة الحكم، بل المشهد في مصر برمته؛ وإن لم يراجع الإخوان أنفسهم سريعًا فإن مسيرتهم ستظل محلك سر!

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها