حوار مع جاري الملحد!

بعد عودتي من صلاة العشاء صعدت فوق سطح المنزل الذي أقطن فيه فصادفت جاري الأوكراني الجنسية يحمل جهازا للكمبيوتر ويهيم في عالمه.

 

وبعد أن تبادلنا التحية والابتسامة باغتني بالسؤال عما أفعله يوميًا أثناء ذهابي لمكان العبادة (المسجد)، فقلت له: أنا مسلم وأذهب للصلاة خمس مرات يوميًا. فسأل عن الصلاة لمن تكون؟!

فأجبت: هي لله خالق هذا الكون.

فرد مستنكرا: الطبيعة هي من خلقت هذا الكون. فهداني الله للسؤال التالي: ما أكثر التعقيدات في جهاز الكمبيوتر الذي تحمله، فهل تظن   أنه بلا صانع أو مخترع؟!

فرد بالنفي القاطع، فسألته: إذا كان جهاز صغير يحتاج إلى صانع إذ يأبى العقل أن يرى الطبيعة أو الاحتمالات جمعت هذا المنتج بتعقيداته، فما بالك بكون فيه من تعقيدات المخلوقات والمجرات ما لا طاقة لإنسان إلى استيعابه حتى الآن؟ فصمت ولم يعقّب!

فهمت أن ما أسكته نداء الفطرة، وضعف الحجة أمام حقائق الكون الباهرة والناطقة بلا لسان على وجود الخالق الواحد الأحد.

ولما لا، وقد لبى هذا النداء من قبله الكثيرون، وعلى رأسهم  (أنطوني فلو ) أحد منظري ودعاة الإلحاد في القرن العشرين بعد خمسين عامًا ألف فيها عشرات الكتب والأبحاث لنصرة الإلحاد ، بل صادم الفطرة السوية، واعتبر  أنَّ الإلحاد يجب أن يكون هو الموقف الافتراضي للإنسان، وليس الإيمان، وأن على المؤمنين إثبات وجود رب للكون.

وبعد أن تخطى الثمانين من عمره بعام هداه تفكيره العقلي –عام 2004- على استحالة وجود هذا الكون بمخلوقاته المتنوعة والمعقدة والمبهرة في دقتها، وقال إن: “الحجج الأكثر إثارة للإعجاب لوجود الله هي تلك التي تدعمها الاكتشافات العلمية الحديثة”،

وجاء ذلك نتيجة تأمل عميق في حقائق العلم بشأن الكون والوجود، خاصة المتعلقة بالكواكب والمجرات وعالم الخلية الحية والتوازن الهائل في الطبيعة، وهو ما لا يدع مجالا للشك بوجود إله خالق تفوق قدرته قدرات هذا الكون الهائل.

وفي عام 2007  -وقبل وفاته بثلاث سنوات- ألف كتابه “هناك إله” الهادم للإلحاد وسط صدمة الملحدين في العالم.

لقد وقف أنطوني فلو مشدوهًا مبهورًا أمام جزء ضئيل غيْر مرئي من ملكوت الله، وداخل كل عبد من مخلوقاته وهو الشريط النووي الوراثي المسمى (DNA )، و “أن جرامًا واحدًا من الحمض النووي: يُمكن أن يُخزّن من ورائه قدرًا من المعلومات يكفي لـ: تريليون من الديسكات المضغوطة التي نعرفها”.

وكان تعليقه على ذلك بقوله: “لقد أثبتت أبحاث علماء الأحياء في مجال الحمض النووي الوراثي -ومع التعقيدات شبه المستحيلة المتعلقة بالترتيبات اللازمة لإيجاد الحياة- أنه لابد حتما من وجود قوة خارقة خلفها”.

ولأن أنطوني فلو نفى وجود الخالق ابتداء وعادى الدين نفسه؛ خاصة الإسلام، ولم ينطلق ابتداء من مربع الباحث عن الحقيقة داخل الأديان، فقد مات دون أن يهتدي للإسلام، عكس نظيره العالم الفرنسي موريس بوكاي، ولهذا قصة أخرى، نسردها في مدونة أخرى. 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها